الفائدة من التاريخ معيار لرسم آفاق المستقبل لكي تكتمل اللوحة الآنية لتطور حركة الطبقة العاملة ومسارات نضالها النقابي في الوقت الراهن فمنذ أن تأسس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق عام 1933 أصبح العمل النقابي أكثر رسوخاً والانتماء للنقابات أكثر توسعاً بما فيها تطور الوعي النقابي الذي برز إضافة للشعور بالاستغلال الطبقي وضرورة النضال المطلبي هو الشعور الوطني للدفاع عن العراق وتكلل ذلك النضال والتضحيات الجسام بعد ثورة 14 / تموز / 1958 بانعقاد أول مؤتمر علني بأبعاده السياسية والطبقية وانتماءاته إلى معسكر القوى المناضلة في سبيل الحرية والديمقراطية، أما الاحتفال بأول أيار عيد العمالي فقد كان تظاهرة مليونية استمرت حتى مطلع الفجر من اليوم الثاني وكانت بحق احتفالاً بهذا العيد وقيمته النضالية، وهو أول احتفال علني تناولته أكثرية وسائل الإعلام وكان لطمة طبقية للرجعيين والحاقدين على الطبقة العاملة العراقية، لقد مرت الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية بمراحل عديدة بعد التأسيس وعانت من سياسة الإلغاء والتهميش الكثير وقامت الحكومات المتعاقبة منذ العهد الملكي بمحاربة الحركة النقابية الحرة وحاولت باستمرار الهيمنة عليها وتزوير إرادتها في حرية العمل النقابي وفق مبادئ الديمقراطية النقابية متضادة مع قرارات منظمة العمل الدولية ( حرية التنظيم النقابي) ومنظمة العمل العربية، ولم تكن حقبة ما بعد السقوط والاحتلال إلا طوراً جديدً من النضال العمالي النقابي بسبب ما أصاب الحركة النقابية من تشرذم وصدور قوانين جائرة من بينها قانون 150 من قبل النظام السابق الذي حاول إلغاء العمال في القطاع الحكومي والمختلط وإبعادهم عن تنظيمهم النقابي وحصر العمل النقابي في القطاع الخاص، بهذا أصبحت الحركة النقابية غير قادرة للقيام بمهامها الاعتيادية، وعلى الرغم من هذا الواقع المؤلم إلا أن القوى العمالية النقابية قامت بأول عمل نقابي حر رداً على سياسة النظام الدكتاتوري بهيمنته على اتحاد النقابات والنقابات المهنية حيث أعلن عن تأسيس " حركة العمال النقابية الديمقراطية" في العراق عام 1981 التي كانت حاضرة في المحافل الدولية النقابية وأصبحت لها علاقات ملموسة مع أكثرية الاتحاد العربية والعالمية ودعيت إلى أكثر من محفل ومؤتمر نقابي وأصدرت صحيفتين إعلاميتين " صوت العامل داخل العراق ونشرة الحركة النقابية في الخارج"
إن الحركة النقابية الديمقراطية بقت خلال الفترة السابقة المظلمة مستمرة في نضالها من اجل الحقوق النقابية وحقوق العمال في التنظيم الحر المستقل عن الدولة وإلغاء القوانين التي أصدرها ما يسمى بمجلس قيادة الثورة، وعندما حانت الفرصة بعد السقوط بدأ العمل في إعادة عملية النضال من اجل بناء الحركة النقابية على أسس صحيحة، إلا أن الظروف الجديدة التي اعتمدت على انفتاح واسع وتعددية على أساس الخلاف للهيمنة تدخلت لتكون التعددية ما بين الرؤيا القديمة ومفهوم الوصاية وبين مفهوم القوى العمالية التي تتبنى التوجه الحر لكن على أسس الالتزام بمبادئ الديمقراطية النقابية وعدم العودة إلى الصراع المبني على المنفعة وهذه الرؤيا الجديدة لم تتخل عن تراثها الذي كان يهدف إلى قيام حركة نقابية حرة بعيدة عن تأثيرات الدولة أو الأحزاب بما فيها أحزاب الإسلام السياسي التي هيمنت على السلطة بانقلابات عسكرية رجعية أو قومية بعثية، الرؤيا الجديدة اتجهت إلى موقعها الطبيعي في العلاقة مع الاتحادات الدولية والعربية مثل الاتحاد الدولي للعمال العرب واتحاد النقابات العالمي والاتحادات الدولية، وتوجهت إلى إعادة الثقة بالحركة النقابية العمالية لكن ظاهرة أول ردة فعل رجعية معادية للعمال وحركتهم النقابية في تدخل مجلس الحكم بقيادة الحاكم الأمريكي بريمر في شؤون الحركة النقابية والاتحادات والجمعيات ومنها العمالية حيث صدر قرار " 3- لعام 2004 " لمجلس الحكم ونصت الفقرة الأولى بحل جميع النقابات والاتحادات العمالية لحين إجراء الانتخابات ولم تكتف التجاوزات التدخل في الشؤون الداخلية حيث صدر بعدها قار وزاري بتشكيل لجنة سداسية "الأمر المرقم 8750 لسنة 2005 " برئاسة وزير العمل والشؤون الاجتماعية، مهمة هذه اللجنة الإشراف على الانتخابات التي كان من المقرر إجرائها وبهذا يمكن التدخل حينها وإعادة السياسة التمويهية المعادية لحقوق العمال حسب أهداف المخططين للهيمنة على النقابات والاتحادات العمالية النقابية .
اليوم تواجه الحركة النقابية العمالية تعتيماً إعلامياً وسياسياً ما عدا الأحزاب الوطنية الديمقراطية ولهذا يجب أن تعي هذه الحركة مضار التشرذم والركض خلف المصالح وتعرية خداع البعثيين والبعض من أحزاب الإسلام السياسي في العودة لأسلوب السيطرة وحرف الحركة النقابية ثم الاستيلاء على الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق وتسخيره لأهداف سياسية بالإهمال للقضايا المطلبية الملحة التي تطرحها القوى الوطنية والديمقراطية.
إن المهمات الآنية والمستقبلية لن يكون من السهل تحقيقها إلا بالوحدة والإرادة والنضال المشترك وتمثيل العمال بشكل صائب والنضال من اجل رفع الحيف عن العمال في مجال الانتخابات التشريعية وغيرها فمثلاً أن ملايين العمال النقابين لا يمتلكون شهادات أكاديمية عالية لهذا هم محرومين من ترشيح أنفسهم للبرلمان، وهذا العمل لا يمكن إنجازه إلا بواسطة التنظيم الذي يعد احد التنظيمات العمالية لتحقيق مصالح الطبقة العاملة المطلبية وتحقيق التوازن مع النضال الوطني والاممي وبهذا تكتمل اللوحة النضالية ما بين الحاضر والمستقبل ما بين الخاص والعام .