أهم قضيتين امام الإصلاح العام والإصلاح الانتخابي تغيير قانون الانتخابات الجائر، ووجود مفوضية عليا للانتخابات مستقلة فعلاً وقولاً، وتبقى دولة القانون المدنية امل يشد أكثرية الشعب باعتبارها سفينة تسري بالبلاد نحو شواطئ الأمان والاستقرار والسلم الاجتماعي وحق المواطنة لجميع المكونات الدينية والقومية والاثنية، وهناك مستلزمات سياسية وقانونية ودعائم أخرى تقوم عليها الدولة المدنية ومن بينها وجود مجلس نيابي منتخب بطريقة شرعية وقانونية ، والدولة المدنية مثلما أشرنا لها أسس لا يمكن ان تبنى بدونها ومنها ان تكون الديمقراطية قاعدة للتعامل بين القوى السياسية الوطنية ووفق قوانين عادلة تبتعد عن الطائفية والعنصرية والشوفينية وتستمد قوتها من تشريعات تصدرها السلطة التشريعية بمعناها الصحيح " مجلس النواب " والأخير يحتاج الى قانون انتخابي عادل كي يحقق إرادة أوسع الناخبين ويكون بحق يمثلهم  وهذا المطلب المشروع لا يمكن بدون مجلس نيابي خارج نطاق المحاصصة الطائفية ــــ الاثنية، وبالتالي فالدولة المدنية تشكل افضلية طبيعية للعراق ومستقبله للتخلص من نظام المحاصصة الطائفية وهذا ما أكد عليه رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي " على ضرورة إقامة الدولة المدنية في العراق، مبيناً ان الامر بات ملحاً" كما أشار في معرض تغريدته جامعاً ما بين إدانة نظام المحاصصة الطائفية " ما يصح للبنان يسري على العراق، وبات ملحا اقامة الدولة المدنية القائمة على المواطنة والعدالة الاجتماعية" الحديث قد يطول حول أهمية التوقف على ما ارتكب من أخطاء ومثالب لإعاقة بناء الدولة المدنية ومحاولات إنجاح مشروع الدولة الدينية الطائفية وهذه الإعاقة انتجت جملة من القضايا السلبية تراكمت حتى أصبحت حجر عثرة ليست بالسهولة التخلص منها وتحتاج الى جهود جبارة تبدأ من السلالم الأولى

1 ـــ حصر السلاح المنفلت بيد الدولة والعمل من اجل تحقيق الاستقرار الامني والطمأنينة ومحاربة جادة للقوى الإرهابية وادواتها الداخلية، وعدم السماح بإرهاب وتخويف المواطن بأي شكل من الاشكال

2 ـــ دمج الحشد الشعبي (غير التابع للقوى الخارجية) بالمؤسسة الأمنية وتحت قيادة موحدة بقيادة القائد العام للقوات المسلحة (الشرطة الاتحادية، الجيش، باقي المؤسسات الأمنية للدولة) لأن بقاء الحشد الشعبي بقيادة منفردة يعتبر وجوده قوة عسكرية منفصلة ومستقلة، رغبنا او لا نرغب، يعني قوتين عسكريتين منفصلتين في الواقع لكنهما متحدتين ظاهريا.  

3 ـــ حل الميليشيات والمافيا المنظمة التابعة لإيران او أي دولة أخرى ومصادرة أسلحتهم، فليس من المنطق والمعقول الاعتراف بدولة مستقلة امام الراي الداخلي والعالمي ووجود حوالي (65) ميليشيا مسلحة بأحدث الأسلحة تحت إمرتها أكثر من (80) ألف مسلح وعامل فضلاً عن وجود البعض من هذه الميليشيات والفصائل موالية لإيران تؤتمر بإرادة خارجية منافية لمصالح البلاد.

4 ـــ محاربة مافيا الفساد المالي والإداري وهي عملياً لها أوجه وآليات عديدة ومرتبطة بكبح القوى المهيمنة التي تلعب دوراً سلبياً في منع اتخاذ قرارات صحيحة من قبل هيئة النزاهة والمحكمة الاتحادية وتستغل الانتخابات التشريعية من خلال المثالب والنواقص في قانون الانتخابات

5 ـــ انهاء نهج المحاصصة الطائفية ــ الأثنية لأنها اس البلاء وهي التي أوصلت البلاد الى حافة الهاوية والافلاس، وكانت ومازالت السبب الرئيسي لظهور الإرهاب بشكل واسع وتنامي وتعدد الميليشيات الطائفية كما نلمسه في الوقت الحاضر

6 ـــ التوجه لمحاربة الفساد بشقيه المالي والإداري في جميع دوائر الدولة والمحافظات بتفعيل عمل هيئات النزاهة بما فيها هيئة النزاهة النيابية وعدم التأثير او التدخل في شؤونها وقراراتها.

ان البدء في هذه الإجراءات وانجازها لا يعني التخلص من مخاطر العودة الى المربع الأول وبخاصة وجود قوى سياسية دينية وقوى مافيا تابعة  تفعل المستحيل للإبقاء على النمط القديم الذي تستفيد منه مادياً ومعنوياً، وهناك قضايا أخرى يحتاجها بناء الدولة المدنية ولكننا سنركز على حالة مهمة جداً وهي انتخابات مجلس النواب كي تأخذ السلطة التشريعية دورها ومكانتها واستقلاليتها وحيادها وتغليب القضية الوطنية على باقي المهمات الأخرى، فوجود برلمان منتخب بشكل ديمقراطي على أساس قانون انتخابي عادل يعتمد بالدرجة الأولى على الدائرة الانتخابية الواحدة  التي تصون حقوق الناخبين والقوى المنتخبة بشكل ديمقراطي هذه المقبولية الأولى لا تكتمل اذا لم تصاحبها وجود مفوضية عليا للانتخابات مستقلة وحيادية نسبياً ، والنسبية هنا تعني انتمائها للوطن واخلاصها المتفاني من اجل صيانة ومراقبة الانتخابات بعيداً عن تأثيرات القوى المتنفذة ومحاولاتها للتدخل وتزييف إرادة الناخبين لتتمكن من إيجاد منفذ لها في السلطة التشريعية، لقد حفلت السنين السابقة وبخاصة اثناء الانتخابات التشريعية الأولى وصولاً الى الأخيرة بتجاوزات وانحرافات وعمليات تزوير كبيرة إضافة الى القانون الانتخابي غير العادل ومفوضية مخترقة من قبل البعض من القوى المتنفذة،  كل ذلك وغيرها أدت الى الهيمنة على مجلس النواب وفرض واقع غير إيجابي على عمل مجلس النواب حيث اصبح تابعاً تقريباً لقرارات القوى المتنفذة التي استطاعت الهيمنة عليه بمختلف الطرق وجعله أداة  لتنفيذ ما تريده، اذن مجلس النواب الذي بقى رهين المحاصصة ولم يقوم بعمله بشكل صحيح وبقى حسب ما أشار له المحرر السياسي " لجريدة طريق الشعب في 27 / 8 / 2020 " يغط في نوم عميق " ويقبض أعضائه عشرات المليارات من الدنانير العراقية ولهم امتيازات ليس لها من حدود بينما العراق يغرق بالمشاكل المستعصية  بدون ان يحرك مجلس النواب ساكن ليقوم على الأقل بتشريع قوانين تخدم بهدف التخفيف على الأقل من ازماته اما غيابات العديد من الأعضاء فحدث ولا حرج وتبقى الكثير من الاستحقاقات التشريعية التي تخدم سير  العملية لكنها تخضع للانتظار والتسويف كل هذه التأخيرات والتسويفات تجعلنا نشعر بالعجب عندما اتفقوا "كمكون واحد" تقريبا على وجه السرعة الفائقة كما البرق عندما يدوي لنصرة ايران واجتمعوا ليصدروا التشريع بإخراج القوات الامريكية لكنهم لم ينبسوا كبرلمان على اساس يمثل الشعب بكلمة حول الانتفاضة وشهداء قدروا بأكثر من 700 شهيد وغير ذلك ( للعلم نحن بدون شك ليس مع اخراج القوات الامريكية فحسب بل مع جميع القوات الأجنبية والإقليمية ان وجدت بما فيها الوقوف بالضد من التدخل في شؤون البلاد الداخلية ) ولعل ما يثير التساؤل الموقف السلبي من الانتخابات التي حددها رئيس الوزراء ولعلنا نتفق مع المحرر السياسي الآنف الذكر" ان مجلس النواب بموقفه هذا وعدم استكماله المادة ١٥ من القانون، يعزز الانطباع بان الكثرة الغالبة من النواب غير راغبة في اجراء الانتخابات في موعدها المعلن " إضافة الى مسألة أخرى في غاية الأهمية ، " ان هذا التقصير الواضح لمجلس النواب في اداء واجباته، والتطلع الى احداث اصطفاف وتغيير جدي في قوامه يستجيب لحاجات البلد وتطلعات جماهير الشعب"، ان السير  نحو تحقيق طموحات القوى الوطنية واكثرية الجماهير يتطلب وجود برلمان حقيقي يمثل بحق أكثرية الشعب العراقي  ولكي نكون واضحين وبهدف عدم البقاء في الدائرة القديمة تحت طائلة تصريحات لا تسمن بل تضعف فإن البقاء على قانون الانتخابات نفسه فذلك سيسهل عودة القوى المتنفذة الحالية التي لا تريد تغيير قانون الانتخابات وفي هذا السياق أكد صائب خدر عضو اللجنة القانونية النيابية ، اولاً:" ان هناك انقساما داخل مجلس النواب بشأن ملحق توزيع الدوائر" ثم ثانياً:" ان هناك اشكالية فنية اخرى تواجه استكمال القانون الانتخابي، تتعلق بوجود (41) قضاء غير مسجلة رسميـا في وزارة التخطيط، فضلا عن جدلية توزيع مقاعد كوتا النساء وكيفية احتساب اصوات الناخبين داخل القضاء، هل ستكون لمرأة ام لرجل "... ويعني بصريح العبارة ان لا امل من تغيير القانون الانتخابي غير العادل وهنا ينطبق المثل المعروف" تيتي تيتي مثلما رحتي جيتي " ويجري طمس مطالب الجماهير المنتفضة وانتفاضة تشرين وكأن الشهداء والمصابين والمعتقلين ليسوا من العراق بل من المريخ، ولهذا مازالت القوى الوطنية والديمقراطية التي تم التجاوز على ناخبيها وسرقة أصواتهم ومعها أكثرية القوى الخيرة تصر وتطالب بقانون انتخابي يمنح الحقوق المشروعة للجميع وبالتساوي وإلا لن تستطع الانتخابات القادمة ان تفعل أو  تغير أي شيء إلا اللهم بالشكل الإعلاني والنمط الإعلامي التابع والسائد وهنا يجب قراءة الفاتحة على الاصلاح والتغيير.

عرض مقالات: