في عام 1985 أعلن بأن الحكومة ستباشر بإقامة مترو بغداد، ومضت الأعوام، ورحل النظام والمترو لم يقم، وفي عهد حكام الكتل المتنفذة تحدث الكثير من المسؤولين عن إقامة مترو بغداد، ومضت الأعوام والمترو في أحضان الحلم والإعلام. واليوم نسمع بمشروع قطار بغداد المعلق على آمال البغداديين، فقد نشرت صحيفة الصباح الرسمية بعددها الصادر يوم الاثنين المواق 24 اب عام 2020 خبرا عن قيام تنسيق حكومي بين وزارتي التخطيط والنقل لإقامة مشروع قطار بغداد المعلق بطول 22 كم يبدأ من الكاظمية حتى سوق الشعب المركزي، وبسعة 30 ألف مسافر في الساعة، وبمدة عمل 16 ساعة يوميا، وله 14 محطة.
نود قبل كل شيء ان نذكر الوزارتين المنسقتين بالمثل (لتگول سمسم كبل متلهم)، اي لا تصدق قبل ان ترى، والسؤال، هل التنسيق الحكومي مدعاة للإعلان؟ لقد سمعنا سابقا، بأن الحكومة اتفقت مع شركة كورية لبناء قطار معلق يبدأ من ساحة 83 عند بداية مدينة الصدر، وسمعنا، أيضا، بإقامة مترو بغداد يبدأ من الأمين شرق بغداد ويعبر نهر دجلة إلى الكرخ وصولا الى الدورة، وسمعنا وسمعنا، وانتظرنا، ويئسنا وبتنا لا نصدق بوعود اي مسؤول حكومي.
ان بلدان العالم لا تعلن عن إقامة مشاريع الخدمات لأنها صارت عملا روتينيا ملحا لا يحتاج إلى إعلان ولا ترويج وأنها من مستلزمات ادامة الحياة لا الترفيه منها، أما المعلن عنه فهو الاستثنائي الذي يعد من باب الترف الاجتماعي العام، والذي بحق يعد منجزا حكوميا.
ان الفرق بينكم يا مسؤولي العراق وبين مسؤولي العالم يكمن في ناحيتين الأولى، هو أنكم متخلفون بخطوات بعيدة جدا عن تطور العقلية الإنسانية ودرجات تعايشها مع الاشياء، وان ما ترونه أنتم انجازا هو عمل يقع ضمن مستلزمات ادامة الحياة، والثانية انكم انفسكم تدركون جيدا انكم غير مؤهلين لإقامة حضارة لأنكم لم تعودوا على تماس مع هذه الحضارة، ناهيكم عن فساد النوايا وقلة الحيلة.
لو أجرت وزارة التخطيط، على سبيل التجربة، مسحا شاملا لرأي العراقيين حول هذا الإعلان لوجدت أن نسبة المشككين لا تقل عن ال 90 في المئة، وان العشرة المتبقية هي لمن يتمنى أن يقام مثل هذا المشروع.
سادتي ان العمل الحكومي لا يقوم على الدعاية وتسفيه عقلية المتلقي، انما هو تخطيط مسبق لكل نواحي الحياة وفق خطة متكاملة، ثلاثية او رباعية او خمسية او عشرية او طويلة الامد، وهنا لا نود ان نشاطر وزارة التخطيط خبرتها في هذا المجال، ولكننا اردنا ان نذكرها أنها كأي جهاز من اجهزة الدولة ، لم تعد وزارة للتخطيط كما كانت في الستينات السبعينات، ولا نود التذكير بالوزراء الأكفاء الذين تعاقبوا هذه الوزارة، فيما نود ان نذكر وزارة النقل ان تكون عند حسن ظن المسافر والمتنقل، فلقد تراجع طيراننا الذي كنا نفتخر به من الاعماق في الخمسينات والستينات وكنا نتعالى على الخطوط الاخرى فيما يخص اللياقة والنظافة وحداثة الطائرات.
ان المواطن لم يعد قادرا على تحمل الإعلان عن المشاريع، انما ينتظر ان يرى مترو بغداد قد دشن، وان يرى القطار المعلق وقد اشرأبت الأعناق زهوا به، او ترى أجيالنا القادمة وزارة التخطيط وهي تضع النموذج الأحسن لمدارس تصنع قادة حقيقيين، او على الأقل نرى شعبنا قد اكتفى من الماء الصالح للشرب او ومضة كهرباء ترفع عنه ظلام هذا العهد الذي أهمل حتى ريل مظفر النواب..