في 16 حزيران عام 1953 وصلنا انا والرفيق نعمة المختار الى سجن بغداد المركزي، طلبنا من ادارة السجن نقلنا الى سجن السياسيين القريب من سجن السجناء العاديين، الا أنهم رفضوا بحجة ان السجناء السياسيين سينقلون الى سجن آخر، وتم وضعنا في زنزانات صغيرة مخصصة للمحكومين بالإعدام، وفي نفس المكان وجدنا الرفيق (الخالدي) مع الأسف نسيت اسمه، قد سبقنا الى إحدى غرف الإعدام. قررنا البدء بإضراب عن الطعام، وفي اليوم التالي 18 حزيران بدأنا نسمع هتافات السجناء السياسيين وحركة الشرطة والسجانين على الأسطح المطلة على السجن، ونداءات تطالب السجناء بالاستسلام، ويرد السجناء بالهتافات ورفض نقلهم الى سجون اخرى، بعد أكثر من ساعة بدأ رمي الرصاص الحي على السجناء العزل، مما أدى الى استشهاد عدد من السجناء الشيوعيين واصابة العشرات منهم، وتم نقل من بقي على قيد الحياة الى سجن بعقوبة الانفرادي. وبتاريخ 21 حزيران تم تسفيرنا نحن الثلاثة الى سجن الكوت، وحين وصولنا تم استقبالنا بحرارة من رفاقنا في سجن الكوت، كانت الاجواء متوترة بين السجناء وادارة السجن بسبب عدم الاستجابة لمطالب السجناء بوقف سوء المعاملة والتعذيب، والاحتجاج على ما تم في مجزرة سجن بغداد.

وفي تموز 1953 بعد اقل من شهر على مجزرة بغداد سعت سلطات العهد الملكي والتي يحلوا للبعض اليوم بوصفها بالنزيهة الى تجريدنا نحن السجناء من حقوقنا الأدمية ، لذلك أجبرنا الجلادين بعد نضال شاق واضرابات عن الطعام وسقوط شهداء على الاعتراف لنا بها، فطلبت من السجناء تسليمها عشرة رفاق من اليهود لتسفيرهم الى سجن نقرة السلمان وتسليم مكتبة السجن التي انشأها الرفيق الخالد فهد حين كان سجينا في الكوت، وكل محتويات الصيدلية، والقيام بتفتيش دوري للردهات، الا ان منظمة السجن رفضت هذا وكلفت الرفيق ممثل السجن ابلاغ ادارة السجن بالرفض لشروطهم، الامر الذي دفع ادارة السجن الى اختطاف الرفيق الممثل وفي نفس الوقت احالت تلك السلطات عددا كبيرا من الرفاق الى محكمة صورية في غرفة مدير السجن المدعو حسين الجاف، والذي عرف بميله للإجرام والقسوة فالتأمت ما يسمى بالمحكمة من مدير السجون العام طاهر الزبيدي والمجرم عبد الجبار ايوب والمجلس العرفي العسكري وحكمتهم بتهم غريبة ككتابة المذكرات الاحتجاجية والإضراب عن الطعام وانشاد اغان وطنية، واصدرت ضدهم احكاما ثقيلة، اضيفت الى الأحكام التي كان رفاقنا قد حكموا بها سابقا، وقد رفضت منظمة الحزب هذه الأوامر القرقوشية الجائرة، ففرض الجلادون حصارا على السجن في بداية شهر آب، ومنعوا عنا الأكل والماء والكهرباء، وحشدوا قوات لاقتحام السجن،  استعد الرفاق لذلك فتكونت فرق للدفاع واخرى لتوزيع ما مدخر من الطعام، واضطر الرفاق الى حفر بئر للحصول على الماء بما يبقينا على قيد الحياة، كما صمم الرفاق بوقا تم وضعه في اعلى الشجرة وكان الرفيق حميد بخش بصوته الجهوري يذيع بيانات لأبناء شعبنا يطالبهم بالتضامن ويعطي وصفا لما يعانيه السجناء بسبب شحة الغذاء ورداءة الماء وعدد المصابين نتيجة رمي الحجارة والحصى علينا، كما كنا نوصل رسائل الى خارج السجن بعد لفها بالحصى ورميها عن طريق المقلاع – المعجال – .

في 18 اب وتزامنا مع سقوط حكومة مصدق الوطنية في إيران، فتحت الشرطة النار علينا فجأة، واستشهد الرفيق صبيح مير وكان يقف بجوار الرفيق عزيز محمد، وجرح الرفيق عامل المطبعة حميد منصور ثم استشهد متأثرا بجراحه، واستمرت نداءات البوق الموجهة الى جماهير الكوت لحثها على المطالبة بالجثتين وتشيعهما والمطالبة بإنزال العقاب بالقتلة المجرمين.  

تواصل الصراع فواجه رفاقنا الرصاص الحي بصدور عارية وبطون خاوية وبالحجارة والمقلاع والهتافات التي كانت ترعب الجلادين الذين كانوا يرددون نفس شعاراتنا ولكنهم  يبدلون فقط كلمة يسقط الى يعيش، مثلا عندما نهتف تسقط العائلة المالكة الخائنة هم يرددون تعيش العائلة المالكة الخائنة. لقد اجبر الصمود البطولي الجلادين على التفاوض معنا بعد ثلاثين يوما من الحصار وسمحنا لهم بتفتيش الردهات بحثا عن السلاح الذي زعموا باننا نختزنه فيها، وحين افتضحت اكاذيبهم خططوا لمجزرة رهيبة، ففي الساعة الرابعة فجر يوم 2 ايلول حيث بدأ رمي الرصاص علينا من كل الجهات، القى الرفاق بطانية مشتعلة على الكهرباء فعطلوها واستفدنا من الظلام للانبطاح ارضا والزحف للاحتماء بالردهات، أصبنا جميعا ولم يسلم اي رفيق، وهناك من مزق جسده بأربع وعشرين اطلاقة كالرفيق الشاب من أهل الكاظمية واسمه  هاني هلال، كما استشهد ثمانية رفاق اخرون، الرفيق عبد النبي حمزة من اهالي الكوفة جرح فقتله احد الجلاوزة رفسا في معدته، والرفيق رؤوف صادق الدجيلي جرح فأجهز عليه شرطي وهو جريح، كما استشهد الرفاق جبار الزهيري من العمارة ومحسن هداد من الناصرية وحسن مهدي من الكاظمية ويحيى عباس البارح المناضل الشيوعي المساهم في أول حلقة ماركسية في البصرة، وهناك رفاق اصيبوا بإطلاقات عدة على سبيل المثال الرفيق الشجاع حيدر حاتم الذي توفي مؤخرا ونعته منظمة الحزب في السويد.

 لم يسلم اي رفيق من الاصابة واذا سلم تستقبله الشرطة والسجانة الذين اصطفوا على الجانبين بالهراوات وقضبان الحديد، نقل الجميع الى المستشفى لتلقي العلاج، ومن الصدف ان مدة الحكم بحقي انتهت في 2 ايلول ولم يطلق سراحي قبل ان أشفى من الشظية التي اصابتني بالرأس.

وفاء لمسيرة شهداء الحزب سيبقى حزبنا ورفاقه مصرين على مواصلة التقاليد الثورية المجيدة، تقاليد التضحية والشهامة والقيم الانسانية والذود عن مصالح العمال والفلاحين وسائر شغيلة اليد والفكر، فراية الوطن الحر والشعب السعيد ستبقى مرفوعة عاليا بإرادة الشيوعيين وكل الخيرين من ابناء شعبنا.

عرض مقالات: