ليست المرة الأولى الذي يطالب فيها مكتب حقوق الانسان في الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) يوم الخميس 27 / 8 / 2020 ، وأكد المكتب في تقريره الذي يخص حجم الانتهاكات لحقوق الانسان عن التجاوزات المختلفة بالضد من المتظاهرين السلميين في العديد من مدن العراق التي قامت فيها مظاهرات جماهيرية مطلبية وأكد المكتب ان " المساءلة لا تزال بعيدة المنال على الرغم من الخطوات الواعدة التي اتخذتها الحكومة الحالية" ويمضي المكتب في توجيه ملاحظات ذات قيمة فعلية لإدانة خرق حقوق الانسان في العراق والمنافية لما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من الجمعية العامة العالمية لحقوق الإنسان الذي ينص على  المواد التالية

  1. يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.

 2 ـــ لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء...الخ

3 ـــ لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.  

ويوجد في اللوحة العديد من المواد والفروع  التي تؤكد الحقوق والواجبات وتحث الحكومات على ضرورة الالتزام بها، الا انه لشديد الأسف نجد العراق في مقدمة الدول التي لا تراعي حقوق الانسان وقد جاء ذلك في مجمل التقارير الصادرة من المؤسسات الدولية والوطنية ومؤسسات المجتمع المدني التي لها شأن كبير في مجال حقوق الانسان، كما كشفت المفوضية العليا لحقوق الانسان مؤخراً عن وجود المئات من العشوائيات التي تحتوي على مئات الآلاف من المواطنين يقدرون بوجود"522 ألف وحدة سكنية يعيش فيها أكثر  من 3 ملايين" انسان مجبرون على سوء المعيشة ومجبرين بسبب العوز والفقر والظروف الأمنية وفقدان ابسط الحقوق الإنسانية.

 والآن يحق لنا ان نثبت قضية مهمة غائبة بعض الشيء عن اذهان أولئك الذين يرون الأمور بعين واحدة، نقول متى كان المواطن العراقي قد تمتع بحقوقه الطبيعية والإنسانية طوال عهود ما بعد تأسيس الدولة العراقية، ولن نتكلم عن ما سبق  التأسيس، العهد الملكي وطوال سلطته لم تتحقق قضايا حقوق الانسان بشكلها الطبيعي وعلى الأكثر كانت التوجهات السياسية وغيرها عبر طريق واحد تقريباً وهو إرهاب الدولة وحجب الحريات العامة والخاصة الا في ظروف ضيقة جداً وكان التوجه خرق حقوق الانسان وبمجرد مراجعة القوانين والقرارات التي كانت بدلاً من حماية حقوق الانسان والالتزام بلوائح الحقوق، خرق هذه الحقوق حيث كانت الحريات محصورة بطبقة واحدة وفئات الرجعية والاقطاعية الموالية للملكية وكانت الاعتقالات العشوائية والاعدامات ... الخ من القضايا عبارة عن سياسة دائمة تقريباً، واستبشر الجماهير الواسعة واكثرية الأحزاب الوطنية والديمقراطية بثورة 14 تموز / 1958 ،وكان من المؤمل ان تمضي الحكومة الى تحقيق المطالب العادلة لحقوق الانسان وان يجري تطبيق العدالة الاجتماعية بدون تمييز بين مكونات الشعب القومية والعرقية والدينية لكن الذي حدث بعد مرور شهور قليلة قيام تآمر واسع لحرف الثورة ومنعها من تحقيق تطلعات الشعب الوطنية والديمقراطية وهكذا عادت السياسة القمعية المنافية لحقوق الانسان وزج المئات في السجون والمعتقلات بأوامر من الحاكم العسكري او احكام عرفية من محاكم عسكرية وهذا ما مهد لانقلاب الردة الرجعي في 8 شباط 1963 وبهذا ختمت التطلعات الجماهيرية (بالشمع الأحمر) وقامت حكومة الانقلاب الدموي بأشرس حملات خرق لحقوق الانسان والإبادة الدموية واعدم العشرات من السجناء والمعتقلين  بدون أي واعز قانوني او انساني وامتلأت السجون والمعتقلات بشكل عشوائي وحتى بعد حدوث انقلاب 18 تشرين الثاني / 1963 استمرت السياسة المنافية لحقوق الانسان واعتمدت على اصدار القوانين المنافية للحقوق المشروعة حتى تكللت هذه السياسة في حدوث الانقلاب الثاني بقيادة حزب البعث الشق اليميني في عام 17 / تموز / 1968 وهنا حدثت الطامة الكبرى بسبب ديماغوجية السياسة الجديدة التي انتهجتها الحكومة محاولة صرف الاذهان عن ما ارتكبه حزب البعث العراقي من سياسة إرهابية دموية وخروقات فاضحة لحقوق الانسان في العراق، بعد الانقلاب الثاني لبعث العراق حاولت حكومة الانقلاب  تجميل صورتها لكن سرعان ما كشرت عن انيابها بعد استلام صدام حسين السلطة بشكل مطلق، لسنا بصدد ذكر التفاصيل لسياسة الإرهاب وقمع الحريات بقدر ما اننا نُذكر ان خرق حقوق الانسان بقى متواصلاً حتى بعد الاحتلال الأمريكي وسقوط نظام صدام حسين، في ما يسمى الوضع الجديد، ومنذ قيام مجلس الحكم بقيادة الحاكم المدني الأمريكي بريمر كان الانحراف عن جادة تحقيق أسس جديدة لحقوق الانسان واضحاً حيث اعتمدت سياسة المحاصصة الطائفية في تشكيل مجلس الحكم وهو اول الغيث قطرٌ فينهمر وتوضح منذ البداية ان نظام المحاصصة الطائفية عبارة عن شرخ في جسد العلاقات الوطنية ومسألة المواطنة العراقية ومنذ اول وهلة اتضح ايضاً ان سياسة المحاصصة عبارة عن خنجر سام في جسد المجتمع العراقي الذي يتكون من فسيفساء مختلفة تجمعها الوطنية كحاصل تحصيل اذا ما اريد بناء الدولة الوطنية المدنية، وما حصل خلال الفترات اللاحقة ومنذ تشكيل اول حكومة وبخاصة بعد الانتخابات التي بنيت على المحاصصة وخرق حقوق الانسان ان الطريق ابتعد عن المفاهيم الإنسانية والوطنية لبناء الدولة المدنية ومراعاة حقوق الانسان واتخذ سبيل تقسيم المجتمع على أسس طائفية ضيقة وسهلت المحاولات لتثبيت هذا النهج المدمر ليس للحقوق فحسب بل الانسان نفسه مهدد بحياته وحياة اسرته،  وأشارت ميشيل باشليه ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان "تعرض أناس للقتل والإصابة والتعذيب وسوء المعاملة والخطف والاختفاء والاعتقال التعسفي لممارستهم حقهم في التجمع السلمي وحرية التعبير، غير مقبول، ولكل فرد الحق في التظاهر السلمي والتعبير علنا عن إحباطه من عدم قدرته على إعالة نفسه وأُسرته." ان الواقع المرير الذي افرزته  التوجهات الحكومية طوال فترة رئاسة إبراهيم الجعفري وما بعدها نوري المالكي وحيدر العبادي وصولاً لعادل عبد المهدي لم تكن سوى توجهات منافية لروح الوطنية وخاضعة للتأثيرات الخارجية، وأدت السياسة الطائفية التخبطية الى كوارث اصابت الاقتصاد برمته ومغالطات في العلاقات الطبيعية للمكونات العراقية وبنيت على أساس عدم فقدان السلطة للقوى الطائفية المتنفذة مهما كلف الأمر حتى الحاق الاضرار بالبلاد وجميع مرافقها ومؤسساتها بما فيها القطاع النفطي والصحي والتعليمي والأمني , وما رافق الممارسات من عنف وخطف واغتيال واعتقال بحق الناشطين والمدافعين عن حقوق الانسان او الذين يقفون بالضد من الفساد المالي والإداري، او أولئك المغيبين بسبب الطائفية والحرب ضد داعش الإرهاب قسراً حيث طالب المرصد العراقي لحقوق الانسان بالكشف عن الاف المغيبين قسراً داعياً رئيس الوزراء الكاظمي بالكشف عنهم  مؤكداً " ان هناك آلافا وربما عشرات الآلاف من المختفين قسرا طيلة السنوات الماضية، خاصة اولئك الذين اختفوا خلال العمليات العسكرية في الحرب ضد داعش ويقدر عددهم بالآلاف، وقالت منظمة الأمم المتحدة، اليوم الأحد 30 / 8 / 2020 "إن ألف مدني عراقي اختفوا غربي البلاد خلال عامين فقط، ودعت إلى تجديد الجهود للتحقيق في حالات الاختفاء القسري في محافظة الأنبار". فضلا عن ضحايا الطائفية والعمليات الإرهابية قالت منظمة الأمم المتحدة، اليوم الأحد، إن ألف مدني عراقي اختفوا غربي البلاد خلال عامين فقط، ودعت إلى تجديد الجهود للتحقيق في حالات الاختفاء القسري في محافظة الأنبار.وما لحقهم من اضطهاد وتعسف خير برهان على ما أكدته جينين هينيس- بلاسخارت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق حيث بينت بلاسخارت بقولها " انه "من دواعي القلق الشديد استمرار استهداف وقتل الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان. هذا ليس عنفا عشوائيا، إنما هو إسكات متعمد للأصوات السلمية" مثلما اشرنا في العديد من الأوقات والمرات ان هذه الممارسات العنفية المنافية لأبسط حقوق الانسان ليست بالعشوائية بل هي منظمة وموجهة من قبل الميليشيات الطائفية والمافيا التابعة لدولة مجاورة وتحمل اهداف عدوانية ليس للأفراد فحسب بل للعراق نفسه والخوف من ضياع القدرة على الهيمنة والتسلط واتخاذ الطريق الصحيح للاعتماد على النفس في البناء والتقدم وتحقيق المطالب الجماهيرية وبخاصة الانتفاضة التشرينية العادلة ثم الانتقال الى تحجيم دور الميليشيات الطائفية المسلحة ووضع اليد على السلاح ومنع تداوله خارج سلطة الدولة واخضاعه للقرار الحكومي برئاسة القائد العام للقوات المسلحة، هذه التوقعات من قبل البعض من القوى المتنفذة الفاسدة والميليشيات  الطائفية المسلحة التابعة لإيران وكل من له مصلحة ببقاء الأوضاع على ما هي عليه واستمرار الفساد والمحاصصة الطائفية والحزبية  افقدت هذه القوى الأخيرة البعض من توازنها وراحت تخطط لإفشال مصطفى الكاظمي وحكومته حتى لو كلف الامر توسيع عمليات الاغتيال والاختطاف والعودة للتفجيرات والعنف المسلح الذي بدايته اطلاق صواريخ الكاتيوشا المستمر الذي نشاهده كل يوم تقريباً بحجة وجود الامريكان، والامريكان يعلنون الانسحاب المنظم إضافة للقوات الدولية التي شاركت بمحاربة داعش الإرهاب. ان حقوق الانسان المخترقة منذ أكثر من 17 عاماً وباعتراف منظمات حقوق الانسان الدولية بما فيها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني يجب ان يتوقف وان يحاسب أولئك الفاسدين المجرمين المسؤولين عن هذا الخرق وهذا الفساد.   

عرض مقالات: