في يوم 18 من الشهر الجاري، بدأت زيارة السيد مصطفى الكاظمي الى واشنطن. وتشمل هذه الزيارة ملفات عدة في العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في مجالات: الاقتصاد والطاقة والاستثمارات المتنوعة ومكافحة الفساد والمسائل الأمنية. ويتم في إطار هذه الزيارة لقاء مع الرئيس ترامب ووزير الخارجية بومبيو ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وغيرهم من المسؤولين في الإدارة الأمريكية.

  وقبل الزيارة، أعلنت عدة شركات أمريكية نيتها المساهمة في الاستثمارات في العراق. وفي اليوم الثاني منها، وقعّت خمس شركات: شيفرون، هاني ويل إنترناشونال وبيكر هوز وجنرال إلكتريك وستيلر إنيرجي، اتفاقيات إقتصادية تصل قيمتها الى (8) ثماني مليارات دولار مع وزيريْ النفط والكهرباء العراقيين. كما نّوه الكاظمي بان الاقتصاد العراقي يواجه تحديا حقيقيا بسبب الفساد المالي والاداري، وتكاليف جائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط. ولهذا الغرض، أجرى محادثات مع بعض الشركات العالمية لتقديم المساعدة في تعقب الفاسدين.  كما أنه التقى بمديرة صندوق النقد الدولي، السيدة جور جيفا، لتعزيز العلاقة مع الصندوق لمساعدة العراق في تحقيق الإصلاح الاقتصادي المطلوب.

  ومما تقدم يتضح أن الزيارة تحمل طابعاً تجارياً بحتاً (بزنس): فحتى مسألة التباحث في الصعيد الأمني تم تناوله بشكل عابر؛ وبخاصة موضوع وجود القواعد العسكرية في الاراضي العراقية، والتي سبق للبرلمان العراقي أن أخذ قراراً بانهائها؛ هذا ناهيك عن تناول متطلبات خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

     وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، فسأحاول تناول مسائل مكافحة الفساد، وقروض صندوق النقد الدولي، والاستثمار في قطاعيْ النفط والكهرباء.

     أولا: مكافحة الفساد المالي والإداري

  من المعروف ان الفساد المالي والإداري ينخر في كافة المفاصل الإدارية والسياسية منذ الاحتلال عام 2003 وحتى اليوم. وفي ظل الحكومات المتعاقبة، تم نهب وسرقة الأموال العامة بمليارات الدولارات عبر إقامة المشاريع الوهمية والمتلكئة في قطاعيْ النفط والكهرباء وهيئات الاستثمار. والسيد الكاظمي، كإعلامي وكرئيس لجهاز المخابرات العراقي، لديه معرفة جيدة بأسباب فشل كل الجهات المنخرطة في محاربة الفساد مثل: المفتشين العموميين، وهيئة النزاهة، وديوان الرقابة المالية، والبرلمان، وكذلك جهود البنك المركزي وهيئات المجتمع المدني، في التصدي لهذه المشكلة. ومع ذلك، فإنه يخرج علينا بتصريحات من واشنطن يطلب فيها المساعدة من شركات عالمية في مسألة تعقب الفاسدين! والسؤال الذي يطرح نفسه: هل للسيد الكاظمي وحكومته المؤقتة قدرة على اجراء الإصلاحات المطلوبة في هذا الملف، بالاعتماد على الإمكانات العراقية قبل الالتجاء الى جهات خارجية، والتي قد يتعذر عليها هي أيضاً تحقيق ذلك؟ والمثال الحي هو اخفاق المحققين الدوليين من منظمة الأمم المتحدة في عام 2016 في معالجة هذا الملف والمتراكم منذ سنين.

     ثانيا: قرض من صندوق النقد الدولي

     يمر اقتصاد العراق اليوم بأزمة اقتصادية ومالية كبيرة وشاملة تتمثل في تراكم نتائج سياسات اقتصادية خاطئة، وتفشي الفساد الإداري والمالي، وسوء إدارة الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال عام 2003 والقائمة على أسس المحاصصة الطائفية والمذهبية والاثنية من أجل السلطة والمال والنفوذ. وتتطلب هذه الحالة اجراء إصلاح وتغيير شامليْن في بنية النظام الاقتصادي كما يلي:  

  1. 1. تحويل اقتصادنا الريعي الذي يساهم النفط بنسبة ((%92 من مجموع إيرادات الموارنة العامة، و(63,7%) من الناتج المحلي الاجمالي الى اقتصاد انتاجي متنوع وذلك لتأمين المصادر للإيرادات المطلوبة.

.2 ضبط المعابر الحدودية مع الدول المجاورة واستيفاء الضرائب الجمركية على الاستيرادات؛

  1. 3. تفعيل نظام ضريبي عادل وشفاف، ومكافحة الفساد المستشري في عملية جمع الضرائب؛
  2. 4. اصلاح نظام الرواتب والأجور والملاكات عبر الاستعانة بمجلس الخدمة العامة الاتحادي، و وزارة العمل والشؤون الاجتماعية؛
  3. 5. إعادة النظر في سياسات البنك المركزي من حيث سعر صرف الدينار العراقي، ونافذة البنك المركزي، وتأمين السيولة النقدية والاحتياطي الأجنبي؛
  4. 6. إعادة تأهيل وتفعيل المؤسسات الإنتاجية العامة، وخاصة الصناعية والخدمية الانتاجية منها؛

   اما الالتجاء الى القروض لتغطية العجز في الميزانية، فان الأولوية هي للقرض الداخلي ومن ثم القرض الخارجي للاستثمارات، علماً بأن الأخير مكلف ماليا واداريا وقانونيا ويشكل خطورةً على سيادة الدولة.

  ونحن نعرف أن قروض صندوق النقد الدولي مشروطة بتطبيق سياسة اللبراليين الجدد (إجماع واشنطن) التي تقضي بتقليص وإضعاف دور الدولة في الاقتصاد، وخصخصة المؤسسات الإنتاجية وحتى الخدمية، وتقليص الدعم والنفقات الاجتماعية، وإطلاق الاستثمار الأجنبى المباشر، وبخاصة في قطاعيْ النفط والكهرباء، وإنعكاس ذلك بشكل سلبي على الأوضاع المعيشية للمواطنين، وخاصة الفئة الفقيرة منها.

     ثالثا: الاستثمارات في قطاعيْ النفط والكهرباء

  ان قطاع النفط، كما هو معروف، هو عصب الاقتصاد العراقي. تم تأهيل هذا القطاع بشكل تدريجي بعد 2003 وساهمت شركات متعددة في ذلك، وكانت حصة الاسد منها لشركات النفط الامريكية، بحيث وصل إنتاج القطاع الى أكثر من (4) مليون برميل يوميا وصادراته نحو (3.4) مليون برميل يوميا. كما ان العقود والتراخيص التي أنجزت في هذا القطاع تنقصها الشفافية والإفصاح؛ وليست هناك استراتيجية واضحة ومحددة في هذا القطاع، حيث يتفشى الفساد المالي والإداري، من تهريب النفط وعقود مشاركة الإنتاج وتكلفة عالية للمشاريع المنجزة وتقاضي رشاوي وعمولات. وينطبق الأمر نفسه على قطاع النفط في إقليم كردستان العراق، الذي لم يستطع حل نزاعه في مسائل النفط مع الحكومة الاتحادية حتى اليوم.

  وفي قطاع الكهرباء، ثمة أزمة قديمة ترجع لتسعينات القرن الماضي بسبب الحروب العبثية لنظام صدام المقبور والعقوبات الاقتصادية على الشعب العراقي لمدة 13) ) سنة، وشمول العراق بالبند السابع. وبعد 2003، صُرفت مليارات دولار، ولكن بدون جدوى حتى اليوم. وكما معروف، فإن شركة جنرال إلكتريك الامريكية تتمتع بشراكة تاريخية وطويلة الأمد مع العراق منذ أكثر من ثلاثين سنة، ولكنها لم تنجح في حل المشكلة، رغم أن لها باعاً طويل في حقل الكهرباء. وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك محاولة ابرام عقد مع شركة سيمنس الألمانية، الا ان الحكومة الامريكية ضغطت على الجانب العراقي ومنعته من عقد الصفقة، كما صرح السفير الالماني في بغداد في حينه. كما جرت محاولة مماثلة مع احدى الشركات الصينية التي وعدت بحل الازمة في أقل من سنة، ولكن الجانب الأمريكي تدخلَ هنا أيضاً لمنع ذلك. وحتى الاتفاقيات التي عُقدت في زمن عادل عبد المهدي، رئيس وزراء السابق، مع الصين جمُدت ولربما الغيت. والآن نرى دخول شركة جنرال إلكتريك، مرة أخرى، بتوقيع اتفاقيتين جديدتين مع وزارة الكهرباء بقيمة (1.2) ) مليار دولار، في محاولة لتطوير البنية التحتية للطاقة الكهربائية وإخراج العراق من أزمته، ولكن الازمة مستمرة، علماً بأن قطاع الكهرباء قطاع يتفشى فيه الفساد المالي والإداري على نطاق واسع!

  ختاماً، يبدو أن السيد الكاظمي كان متفائلاً بالحصول على دعم أمريكي لتنفيذ برنامجه الحكومي، ولكن زبارته كانت اعتيادية بروتوكولية وإعلامية. ركزّت على محاولة عزل العراق عن إيران سياسيا واقتصاديا، ومكافحة المليشيات المرتبطة بها، والالتحاق بمحور الدول الخليجية لتطبيع العلاقة مع اسرائيل.

  وبالرغم من قصر عمر الحكومة الانتقالية، فعلى رئيس الوزراء بذل قصار جهده لإنجاز برنامجه الحكومي، بدعم من الشارع المنتفض: إجراء الانتخابات في السادس من حزيران/يونيو 2021، محاسبة من قام بقتل واختطاف واختيال الناشطين والمحتجين، توفير الخدمات، ومحاسبة الفاسدين، وانهاء الميلشيات المسلحة غير التابعة للحشد الشعبي والقائد العام للقوات المسلحة، وتطبيق العدالة الاجتماعية، والتأكيد على متطلبات التصدي لجائحة كورونا، وكذلك التأكيد علي الإصلاح الاقتصادي والمالي (في الموازنة الاتحادية لهذه السنة) لخلق قطاعات إنتاجية وخدمية متنوعة، توفِّر العمل للقادرين عليه، وتقوم بإنتاج السلع المطلوبة، بحيث لا يتم إستيراد غير ما هو ضروري فقط، مع فرض الضرائب الجمركية عليه وإخضاعه للمراقبة الصحية، وغير  ذلك من مهام الاصلاح والتغيير الاقتصادي الشامل.     

عرض مقالات: