تعد مسألة البطاقة التموينية من أهم المواضيع التي لها تماس مباشر بحياة الناس لأنها خط الدفاع الأخير للمواطن قبل الوقوع في دوامة الفقر على المستوى المعاشي، وتواجه في الوقت الحاضر مسألة البطاقة التموينية تحديا مهما من خلال تزايد المطالبات لإصلاحها وجعلها أكثر استهدافا للفقراء،

وبدوره يعد الأمن الغذائي ركيزة مهمة للأمن الوطني ولابد من اخذ التحوطات اللازمة لمواجهة مشكلة النقص في الإنتاج وانتهاج سياسة الاعتماد على الذات وزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية خاصة الحبوب واستخدام الطرق العلمية الحديثة لرفع المستوى الانتاجي الزراعي وتأمين مدخلات النتاج واتباع السياسات الزراعية التي من شأنها تطوير زيادة كمية مخرجات الانتاج بعد تطوير البنى الانتاجية ودراسة الأسباب التي تؤدي إلى تدني الانتاجية وتحقيق وتائر سريعة في رفع معدلات الغلة للمحاصيل الأساسية.

تشكل البطاقة التموينية في العراق أهمية كبيرة وذلك لاعتماد فئات عديدة عليها حيث عدت البطاقة التموينية صمام الأمان في دعم الأمن الغذائي للأسرة والمجتمع العراقي ككل، لتوفيرها الحد الأدنى من ذلك الأمن سواء في ما قبل أحداث 2003، رغم أن هذه البطاقة في أحيان كثيرة أصبحت تبديدا لموارد الدولة العراقية لكونها لم تساهم في تحسين او تطوير مستوى المعيشة للفرد العراقي بالأخص بعد حدوث المتغيرات الاقتصادية الجديدة التي حصلت في العراق وبروز الاهمية عن مدى جدوى هذه البطاقة من عدمها، خصوصا بعد تطبيق العراق لبنود الاتفاقية المعقودة بينه وبين صندوق النقد الدولي والمتضمنة خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي واعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لضمان تحول سلس وسليم نحو اقتصاد السوق، وايجاد النماذج البديلة لإبعاد حالات التلاعب للحفاظ على استمرارية عمل البطاقة التموينية، بشكل أساسي لأولئك الفقراء الذين ينظرون الى تلك البطاقة باعتبارها الملاذ الآمن وحصنهم الاخير لمواجهة الارتفاعات المستمرة في الأسعار  .

هناك اعتقاد سائد لدى الناس يساوي ما بين “البطاقة التموينية” ومفهوم “الأمن الغذائي”. بل ان الكثيرين يعتقدون ان البطاقة التموينية في العراق هي الشكل الأمثل لتحقيق “الأمن الغذائي”، في حين أن اللجوء الى استخدام برنامج البطاقة التموينية هو إجراء وقتي يُلجأ إليه في الأزمات والكوارث التي تؤدي الى تعطيل، او تشويه، سوق الغذاء المحلي، مما يمنع المواطنين، وخاصة ضحايا المناطق المنكوبة، من الحصول على كفايتهم من الأغذية. وقد يتم توسيع نظام البطاقة ليشمل الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل، من غير القادرين على الحصول على الحد الادنى من الغذاء في ظروف استثنائية.

إذا علمنا بأن منظمة الأغذية والزراعة الدولية (فاو) ترجح ان الدول الأعضاء التي تخصص عشرة بالمئة (10%) من ميزانيتها السنوية للإنتاج الزراعي، فإنها ستكون قادرة على تحقيق أمنها الغذائي، وهذا يوضح حجم الفجوة الهائلة في المقاربة المتبعة في العراق لقضية الأمن الغذائي مقارنة بالمقاييس الدولية. للمقارنة فقط فإن تخصيصات ميزانية منذ عام 2011 الى 2019 لقطاعي الزراعة والموارد المائية في العراق هي أقل من إثنين بالمئة (2%) مما يعكس ضآلة التخصيصات وعدم الاهتمام بهذا القطاع وهذا اقل من المعدل العالمي في الدول النامية والبالغ خمسة بالمئة (5%).

ان الدعوة الى التفريق بين “الحصة التموينية” كإجراء وقتي إغاثي ومفهوم “الأمن الغذائي” غير نابع عن نظرة استعلائية، او رغبة في حوار نخبوي، او ترف بقدر ما هو نابع من إدراك للأولويات الوطنية والمصلحة الوطنية العليا.

فالأمن الغذائي حالة تتحقق بشكل دائم عندما “يحصل جميع المواطنين، في جميع الاوقات، على غذاء كاف ومأمون ومغذّ لتلبية احتياجاتهم التغذوية، وأفضليته الغذائية ليعيشوا حياة نشطة وصحية” وليس في قيام الحكومة بتوزيع مواد غذائية عليهم. فالمواطن الذي “يخلق” غذائه بنفسه، ويحصل عليه بالعمل والجهد، يكون أكثر احساسا بالعدالة، و بقيمة انتمائه الى وطن يمنحه فرصة الشعور بالكرامة كمواطن منتج وفعال في مجتمعه.

وزارة التجارة