عمت مدن بلادنا في الأشهر الاخيرة موجة من الاعتصامات والتظاهرات والفعاليات الاحتجاجية الاخرى. والتي غدت انتفاضة شعبية عارمة ضد اساليب الحكم وخصوصاً النظام السياسي المحاصصاتي، ولم يأت ذلك بمعزل عن اللوحة السياسية المعقدة في بلادنا، والمعاناة المتواصلة - المعيشية والخدمية والحياتية للمواطنين، منذ نيسان 2003، والناجمة ايضا عن انتشار البطالة، وتقليص مفردات البطاقة التموينية، وارتفاع الأسعار، والتضخم الذي ابتلع الزيادات في رواتب الموظفين والمتقاعدين وفي اجور العمال ومداخيل بقية الكادحين، والنقص الحاد في تجهيز الكهرباء والماء الصافي والمحروقات، واستشراء الفساد والافساد. تضاف إلى ذلك مساعي التضييق على الحريات العامة وتقزيم هامش الديمقراطية، وتكميم الأفواه، في مخالفة صريحة وواضحة للدستور.

وفي ظل هذه اللوحة المعقدة واستمرار بعض الفعاليات الاحتجاجية، نشطت اخيرا في البصرة موجة القتل والاغتيالات لناشطات وناشطين وخصوصا الشباب، وهذا يتطلب التوقف عنده بشكل جدي من غياب الامن والاستقرار لحياة المواطن، ويتطلب في هذا المجال حزمة من الاجراءات اللازمة التي يجب أن تقوم بها القوات الأمنية، وواضح ان هذا كله وغيره يتطلب من القوى الأمنية التحلي باليقظة العالية، والمراجعة المستمرة لخططها الأمنية، والارتقاء بمنظوماتها وقدراتها الاستخبارية، وزيادة كفاءتها وإمكاناتها، وتحديث تجهيزاتها، وتعزيز ضبطها ومهنيتها، إلى جانب محاسبة العناصر المسيئة والمقصرة. ولا بد من الاشارة هنا الى مسؤولية الكتل المتنفذة وما تسببه منابزاتها وخطابها المهيج من توترات واجواء ارتياب تستغلها قوى الارهاب.

ويتوجب ايضا التشديد على وضع حد لانتشار السلاح، وتفعيل شعار حصر السلاح بيد الدولة، ووضع أشكال التعاون والتنسيق بين الأجهزة الأمنية والمواطنين موضع التطبيق. كما بات ضروريا فرض هيبة الدولة ومؤسساتها على الجميع دون استثناء، وهو ما يعززه كثيرا وضع حد لنشاط أي جهة او تنظيم مسلح خارج عن القانون.

وفي اثناء ذلك غدا التغيير مطلب جماهير واسعة، يدفعها الحرص على انقاذ البلاد ووضع العملية السياسية على السكة السليمة المفضية الى اقامة الدولة المدنية الديمقراطية. الدولة التي تلح ظروف بلدنا الملموسة، وحالة التعددية المتنوعة التي يتسم بها، على قيامها كضرورة لا غنى عنها لضمان وحدته الوطنية، وتماسك نسيجه الاجتماعي، وصيانة استقلاله وسيادته، وتأمين تطوره الحر المستقل، وتحقيق التنمية المتوازنة المستدامة، وتوفير العيش الكريم والحريات العامة والخاصة لأبنائه. وهذا كله يتطلب حشد طيف وطني واسع من القوى الداعمة للإصلاح والتغيير.

تأتي هذا الاوضاع في البصرة ومنها الخلل الامني المنفلت، وحكومة البصرة عاجزة عن فعل أي تدبير تجاه اهالي البصرة بل اكتفوا بالصراع المحتدم على السلطة.. وتجلى ذلك بصراعهم على منصب المحافظ بعد فوز محافظها بعضوية مجلس النواب والصراع بين نواب البصرة.. ناهيك عن عدم اكتراثهم بمطالب المحتجين في البصرة منذ انطلاقه التظاهرات في نهاية تموز 2015 ولحد الآن.