-- انتجت وحدانية التطور الرأسمالي صعوبات سياسية -عملية أمام بناء النظم السياسية الاشتراكية بقيادة الحزب الاشتراكي الواحد وترجع صعوبة انتصار الثورة الاشتراكية في ظروفنا التاريخية المعاصرة الى السيادة العالمية لأسلوب الإنتاج الرأسمالي على الرغم من اجتهاد القوى الثورية لإيجاد اشكال جديدة من بناء الدول تسمح بتوازن مصالح قوى وطبقات تشكيلاتها الاجتماعية.

-- استناداً الى وحدانية التطور الرأسمالي يشكل مشروع الوطنية الديمقراطية أحد المشاريع السياسية الواعدة في بناء الدول الوطنية وصيانة نهوجها الاقتصادية وتحصين مواقعها المناهضة للتبعية والتهميش.

انطلاقا من تلك الرؤية الفكرية نسعى الى تحليل الموضوعات التالية –

 أولاً- العلاقات الرأسمالية ونهوج التبعية والتهميش.

ثانياً – مشروع الوطنية الديمقراطية المناهض للتبعية والالحاق.

ثالثاً– التحالفات الوطنية ودولة العدالة الاجتماعية.   

استنادا الى العناوين المنهجية المشار اليها نتناول العنوان الأول الموسوم ب-

اولاً -- العلاقات الرأسمالية ونهوج التبعية والتهميش.

- افضى انهيار نموذج التطور الاشتراكي الى سيادة أسلوب الإنتاج الرأسمال في تطور النهوج الاقتصادية لدول العالم.

- عززت وحدانية التطور الرأسمالي سيادة وهيمنة الاحتكارات الدولية العابرة للروح الوطنية على مستويات الاقتصاد العالمي.

- هيمنة الاحتكارات الدولية عالميا أدت الى تحول الطبقات الاجتماعية الرأسمالية المالكة الى قوى كسموبولوتية عابرة لحدودها الوطنية.

-تسعى البرجوازية الكسموبوليتية الى تحويل الدول الوطنية الى محميات اقتصادية وما يحمله ذلك من مخاطر تفكك التشكيلات الوطنية وطبقاتها الاجتماعية.

-انطلاقاً من ذلك فان كفاح الطبقة العاملة رغم سماته الوطنية الا انه يتلون بصبغة اممية مناهضة لهيمنة الاحتكارات الدولية.

ان آليات السيادة الدولية للتشكيلة الرأسمالية العالمية تشترط على القوى الاشتراكية واليسارية إعادة القراءة الفكرية للطور المعولم من التشكيلة الرأسمالية العالمية وابتداع أساليب كفاحية جديدة واعتماد برامج اقتصادية اجتماعية تتماشى والطور الجديد من التوسع الرأسمالي حيث أصبحت الأساليب الكفاحية والبرامج الاقتصادية التي افرزتها حقبة المعسكرين لم تعد قادرة على بناء دول اشتراكية في التشكيلات الاقتصادية الرأسمالية.

ان التغيرات في بنية العلاقات الدولية التي أفرزتها الوقائع الاقتصادية تشترط على القوى الاشتراكية استثمارها لبناء عالمنا متوازن بأدوات اقتصادية – اجتماعية جديدة.

ثانيا – مشروع الوطنية الديمقراطية المناهض للتبعية والالحاق.

-- تقود وحدانية التطور الرأسمالي وغياب المعسكر الاشتراكي المساند لكفاح القوى الديمقراطية الى ابتداع أساليب كفاحية وإعادة النظر بالأساليب التي فرضتها ازدواجية التطور الاجتماعي.

– انطلاقاً من تلك الوقائع يشكل مشروع الوطنية الديمقراطي رؤية برنامجيه جديدة للكفاح الطبقي المناهض للهيمنة الدولية ونهوج التبعية والتهميش التي تنتهجها الدول الرأسمالية المعولمة، وبهذا السبيل ثتار حزمة من الأسئلة حول مضامين برنامج الوطنية الديمقراطية وتسمية الطبقات الاجتماعية الساندة لكفاحه الوطني فضلاً عن تحديد مضامينه الاقتصادية والسياسية؟  وأخيرا ما هي علاقة برنامج الوطنية الديمقراطية بالثورة الاشتراكية؟

استنادا الى تلك الأسئلة المشروعة نحاول تفكيك موضوعات مشروع الوطنية الديمقراطية السياسية - الاجتماعية ومسانده الفكرية – الاجتماعية عبر الدالات التالية.

-- الوطنية -الديمقراطية

- تعني الوطنية -الديمقراطية مكافحة الهيمنة الأجنبية واعلاء مصالح الوطن واستقلاله على المصالح الأجنبية وصيانته من التبعية والتهميش وبهذا المضمون يرتكز برنامج الوطنية الديمقراطية على --

1-- بناء دولة وطنية ديمقراطية تستند الى منظومة سياسية تعتمد على --

أ-- حرية الأحزاب الوطنية -الديمقراطية ونشاطها الفكري المنبثق من برامج اقتصادية – اجتماعية مناهضة للهيمنة الأجنبية.

ب-- اعتماد الشرعية الديمقراطية في بناء الدولة وأجهزتها الوطنية.

ج-- التداول السلمي للسلطة السياسية وعدم احتكارها من قبل حزب سياسي واحد او منظمة اجتماعية.

د-- بناء المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية على احترام الشرعية الوطنية والدفاع عن الدولة الوطنية وتشكيلتها الاجتماعية.

2- بناء اقتصادات وطنية بتنمية مستقلة.

أ- قيادة القطاع الاقتصادي العام للأنشطة الاقتصادية الوطنية.

ب- الاهتمام بالقطاع الاقتصادي الخاص وتمكين البرجوازية الوطنية من المساهمة بالإنتاج الوطني.

ج-- بناء شبكة الضمانات الاجتماعية الهادفة الى اعانة الطبقات الاجتماعية على مواصلة عيشها وابعاد العوز عنها عبر سلسلة من الضمانات الاجتماعية.

3- بناء علاقات دولية متكافئة.

أ- بناء علاقات دولية مع دول الجوار والعالم على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية والتصدي للاعتداءات الخارجية.

ب- بنا علاقات دولية مبنية على تغليب المصالح الوطنية ومكافحة سياسة التبعية والتهميش التي تنتهجها المراكز الرأسمالية.

ج – تشكيل تحالفات إقليمية مناهضة للتدخلات الدولية الأجنبية وعاملة على سيادة الامن والسلام الإقليمي.

  ان مفردات برنامج الوطنية الديمقراطية المشار اليه تشكل دالات عامة لبناء الدولة الوطنية وصيانة تشكيلتها الاجتماعية من سياسة التهميش التي تنتهجها الرأسمالية المعولمة في علاقاتها مع الدول الوطنية.

ثالثاً– التحالفات الوطنية ودولة العدالة الاجتماعية.     

رغم ان التجربة التاريخية المنصرمة لم تفرز نظماً سياسية لشكل ومضمون  دولة العدالة الاجتماعية حيث ان هذا المفهوم مترابط والقاعدة الاقتصادية للدولة وشكل  ملكيتها لوسائل الانتاج الا ان التجربة التاريخية افرزت نمطين من دولة الرفاه الاجتماعي احدهما تمثل بنمط  الدولة الاشتراكية المرتكزة على أسلوب الإنتاج الاشتراكي والشكل الاخر دولة الرفاه الاجتماعي التي انتجتها تجربة الدول الإسكندنافية والمنبثقة من أسلوب الإنتاج الرأسمالي وبهذا السياق تواجهنا أسئلة مفصلية أهمها - ما هو اسلوب الإنتاج الذي  ترتكز دولة العدالة الاجتماعية هل هو أسلوب النموذج الاشتراكي ام أسلوب النمط الرأسمالي  وهل يمكن بناءه دولة العدالة الاجتماعية عبر الثورة الاجتماعية ام من خلال الشرعية الديمقراطية؟ اسئلة مفصلية كثيرة لكننا نتوقف عند سمات دولة الشرعية الديمقراطية التي تشكل مرحلة أولى من مراحل دولة الرفاه الاجتماعي الاشتراكي والتي اراها ترتكز على الأسس التالية --

أولا ً- تنبثق دولة الشرعية الديمقراطية وسلطتها السياسية من الشرعية الانتخابية التي تشترك فيها كل الأحزاب الوطنية -الديمقراطية دون ابعاد او اقصاء.

ثانيا – ترتكز دولة الشرعية الديمقراطية في بنائها السياسي على الشرعية الديمقراطية للحكم المعتمدة على التنافس السلمي للوصول الى للسلطة السياسية.

ثالثاً - اعتماد المنافسة السلمية على البرامج الوطنية – السياسية – الاجتماعية بهدف استلام سلطة البلاد السياسية.

 رابعاً- بسبب عدم إمكانية قيادة الحزب الواحد للدولة والمجتمع تشكل التحالفات الوطنية بين القوى الديمقراطية غطاء سياسياً – وطنياً قائداً للتحولات الاجتماعية.

 خامسا – خضوع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية الى مراقبة السلطة التشريعية وذلك لمنع تنامي الروح الانقلابية في صفوفها او استغلالها من أطراف سياسية.  

سادساً – يعتمد أسلوب الإنتاج الرأسمالي على هيمنة قطاع الدولة االاقتصادي مع مشاركة القطاع الخاص في التنمية الوطنية.

سابعاً – بناء علاقات وطنية – دولية على أساس احترام المصالح الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الوطنية.

ثامناً – انتهاج سياسة وطنية – دولية تعتمد احترام وتطوير المصالح الوطنية بعيداً عن الهيمنة والتدخل والالحاق.

ان بناء الدولة الوطنية الديمقراطية  يرتكز على-

ا - أسلوب الإنتاج الرأسمالي كمرحلة أولى من مراحل التطور الاجتماعي – الديمقراطي.

2- قيادة الدولة للتحولات الاقتصادية الاجتماعية وما يشترطه من توازن المصالح الطبقية بين طبقات التشكيلة الاجتماعية الوطنية.

3 - تفاعل الدولة الوطنية مع البرامج الاجتماعية للقوى السياسية بهدف تقوية قدرتها على مناهضة أساليب التبعية والتهميش ويعزز مكانتها الدولية.

ان الآراء والأفكار الواردة في متن المقالة تهدف الى تبيان ان الكفاح الذي تخوضه قوى اليسار الديمقراطي لا زال كفاحا ديمقراطيا يسعى الى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية ولم يرق الى بناء الاشتراكية رغم كسموبولوتية راس المال المعولم.

عرض مقالات: