انتشرت في صفحات الفيسبوك صورا لطفل صغير وهو يعذب اختطف من ساحة الخلاني و تعرض للإعتداء البوليسي لمجرد تواجده هناك بعد ان ابتدأ احساسه انه انسان له كيان ومستقبل طالب به.
‎هذا الموضوع يثير الشجن والغضب و يصيبنا في نفس الوقت بشلل التفكير.
‎محزن جداً ان العراق والعراقيين وبعد عقود طويلة مازالوا يتبعون طرقا صدامية كانوا افواجاً ويتعرضون لما تعرض له هذا الطفل واكثر بدون اي سبب، ويناضلون من اجل التخلص منه. اما شلل العقل يصيبنا ليس كوننا نرى ما نشر ولكن كوننا لا نستيطع تفهم ان ما تربت عليه اجيال عديدة مازالت هي تمثل اكثر من نصف الشعب. ونصف الشعب هذا ربى شباب اليوم. من الصعب ان تنمو العدوانية بين يوم وليلة، لذلك ما نراه اليوم هي تربية مجتمع. حتى وبعيداً عن السياسة البوليسية مازال حق الطفل لا يساوي اي شئ في مجتمعنا. من السذاجة اعتقادنا ان كل شيءٍ سئ في المجتمع ينتهي لمجرد اننا نشترك في انتخابات.
‎فاذا نظرنا الى اليوميات في المجتمع فنرى ان الضرب والاهانة والسيطرة على الاطفال مازالت مستمرة. بل هذه العدوانية تبرر في كثير من المواقف (الاب متعب، الحالة المادية متعبة، حق الاخ الاكبر وهكذا). وبما ان هذا موجود في يومياتنا فمن الاعتيادي ان نرى معاملة الطفل وما جرى من سلطة تملك القوة السياسية والبوليسية.
‎الطفل في مجتمعنا مملوك للعائلة والاب والاخوة والأعمام والأخوال والأجداد، امتلاك بحت من العالم الذكوري الذي يمتلك القوة الاجتماعية الرسمية كذلك. في هذا المجتمع تعامل المرأة كمملوكة وتبعية للذكر. عقدة المرأة وكيانها في مجتمعنا أكبر مما تتناوله الصحف وتتبادله الآراء وتبدو السياسة فارغة من كل حقوق المرأة. حتى الجبهات اليسارية وحقوق المرأة تصاغ في المؤتمرات حتى تتماشى مع العصر ولكن لا يوجد حزب اليوم تحتل النساء فيه في أفضل الاحوال حتى اقل من نصف المقاعد.
‎اما في البيت فما زالت حقوقها مسلوبة ولربما تراجعت اجتماعيًا الى عصور بعيدة. وكانت جائحة كورونا خلال الاشهر القليلة التي مرت اشارة الى ما تعرضت له المرأة من تعنيف وقتل واغتصاب في داخل المنزل وبشكل ملحوظ.
‎نرى التعنيف ضد المرأة من خلال ما نشر في الاعتداء على هذا الطفل حين نشر الفيديو. الكلمات الجارحة الدنيئة التي وجهت الى الطفل لكسر نفسيته كانت عن الأم. تبدأ من لون بشرتها وتستمر. هذا يشير الى عدوانية المجتمع على المرأة وتربية الاطفال والى الإساءة لها وكرهها ايضاً كونهم يتعرضون الى الظلم والضرب واسم المرأة يذكر ويتكرر خلال وقت التعذيب.
‎مع الأسف نرى نفس هذه الحالات في داخل البيوت ولكن على شكل (مزح) لاغاضة الاطفال والضحك. ونراه ايضاً يتكرر حتى في انتقاد الخصم السياسي وقسوة الكلام على الخصم النسوي أكثر من غيره. مع الأسف تبدر هذه الظواهر حتى من اشخاص سياسيين بارزين ويتبعهم قسم كبير من الناس. فنرى الغضب يتحول الى كلام بالوصف الجسدي او ككلمات (ام اللبن، عوبة وغيره من كلمات اقسى). وننسى ان (ام اللبن) هي التي من المفترض ان ندافع عنها في الحقيقة وعلى ارض الواقع وعن تسميتها، وان (العوبه) اصبحت هكذا بسبب ان مجتمعنا مريض يصغر منها كي تكون مكسورة وتبقى تبعية غيرها.
‎مجتمعنا يحتاج الى تنظيف من الفكر الصدامي، واعادة بناء قاعدة النسوة القيادية القوية التي لا تدع اي شخص ان يفكر حتى بين نفسه ان يتفوه في اهانتها. السياسة الحزبية في الجبهة اليسارية في العراق تحتاج ان تفتح الباب الى النساء بشكل حقيقي، وتترك لهن القرار وارتكاب الاخطاء والتحدي لتتخذ موقعا حقيقيا وليس تبعية او تكون تحت من اهل (خبرة) أكبر. كيف لا تكون للرجل (خبرة) أكبر ان كان متخذ المقعد وملتصقا فيه لسنين لا تعد؟
‎لو كانت هناك نساء في مواقع حكومية حقيقة فعلية ولو كان هناك نساء تمثل الجهات البوليسية لكان التعامل مع هذا الطفل بشكل اخر تماماً.

عرض مقالات: