ثمة مقولة عالمية مفادها أن مقياس تقدم الدول يقوم على معدل استهلاك ألفرد فيها للماء، وقد اعلن البنك الدولي ان العراق يتقدم الدول العربية بحصة الفرد من الماء بفضل نهري دجلة والفرات، وأن حصته الآن تصل الى 967 مترا مكعبا سنويا بعدما كانت حصة الفرد 4115 مترا مكعبا قبل 50 عاما، وأن معدل استهلاك الفرد العراقي حسب وزارة التخطيط يصل إلى 350 لترا يوميا، ويرى البنك الدولي ان شحة المياه تعود إلى عدم وجود إدارة فاعلة للموارد المائية، ونود الاشارة إلى أن استهلاك الفرد المعتمد دوليا يكون ما بين 150 لترا الى 200 لتر يوميا اي بمعدل دولي يصل الى 175 لترا في اليوم، وأن معدلات استهلاك الفرد العراقي حسب وزارة التخطيط هي كشعر برناتشو غزارة في الموجود وسوء في التوزيع، والكل يتذكر ان أكبر شحة قريبة في المياه كانت في عام 2019 حيث ألحقت الضرر بالزراعة والحيوان والبشر، وفي نهاية العام وبداية عام 2020 هطلت أمطار غزيرة جدا .
ان البون الشاسع بين حصة الفرد العراقي قبل خمسين عاما وحصته اليوم إنما يعود لعوامل متعددة، منها زيادة السكان، وزيادة الاستهلاك نتيجة لزيادة الوعي، وزيادة معدلات التنمية الزراعية وغيرها من العوامل التي يقف في مقدمتها عاملان مهمان الأول؛ ارتفاع درجات الحرارة، والعامل الثاني سلوك الدول المتشاطئة مع العراق، وخاصة بعد عام 2003، أما العامل الأهم هو فشل النخبة في الموارد المائية في الحفاظ على هذه الثروة الثمينة من خلال إقامة السدود والخزانات المائية.
ان العراق عند كل تفاوض مع الجانب التركي يواجه، بأنكم تتركون المياه تذهب عبثا الى الخليج وأنكم متخلفين في إدارتكم للموارد المائية المتاحة، اما الجانب الايراني فانه يتعالى على العراق ولا يعبأ بشكواه. الحق ان العراق يترك المياه تذهب سدى الى الخليج ولا يقيم السدود او الخزانات، وكان الاجدر بحكومات ما بعد التغيير اكمال سد بادوش. او اقامة سدود جديدة لا الذهاب الى ما أطلقوا عليه مشروع نهر شط العرب الموازي، ذلكم المشروع الفاشل القائم على فكرة مد نهر بطول 129 كم يكون نهرا موازيا لشط العرب وبكلفة 700 مليار دينار ولم يحقق هذا المشروع أهدافه، وكان الاجدر بوزارة الموارد المائية اقامة سد يخزن فيه الماء قبل دخول المجرى، اي مجرى شط العرب او بجوار الشط المذكور. ونود الاشارة الى منخفض شويجة وامكانية اقامة مشروع لخزن الماء الصالح للزراعة وخاصة من الموارد المائية التي ترد العراق من المرتفعات الايرانية.
وبالعودة الى الاتفاقية الدولية للاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997 والمتعلقة باستخدامات الماء والحفاظ على كل المياه العابرة للحدود الدولية بما فيها المياه السطحية والجوفية، فقد تحدد مفهوم المجرى المائي الدولي والمعرف بموجب المادة الثانية من الاتفاقية اعلاه، بانه نظام المياه السطحية والجوفية الموجودة في عدة دول والتي تشكل بموجب روابطها الفيزيائية مجموعة موحدة تصل بشكل طبيعي إلى نقطة التقاء مشتركة. ونصت المادة الخامسة من الاتفاقية على ضرورة استبعاد اي اولوية بين الاستخدامات المختلفة للمياه، أي بما يضمن أولوية مصلحة الجميع، فالقانون الدولي يدعو الدول المتشاطئة الى الاتفاق والتعاون بما يضمن حق الجميع ، واليوم على سبيل المثال تقف اثيوبيا بمواجهة مصر بالدرجة الأولى والسودان بالدرجة الثانية في مسألة ملئ سد النهضة ، حيث ترى إثيوبيا ان من حقها ملئ السد وقتما تشاء ، بينما مصر تصر على ان يتم ذلك في موسم الأمطار، لأن عملية ملئ السد في كل الأحوال ستضر بمصلحة مصر ويحسر عنها 55 في المائة من الموارد الكفيلة بالحاجة للزراعة والاستعمالات الاخرى وان القانون الدولي لا يجيز لدول المصدر إلحاق الضرر بالدول المتشاطئة او دول المصب كمصر مثلا، واليوم تقف تركيا موقف إثيوبيا وتحاول أن تملأ سد اليسو وقت الصيف، وهو ما يثير الرعب لدى سكان العراق وخاصة في المناطق الجنوبية لأن مدخل النهر عند الحدود يكون في مرحلة الشباب . والموارد المالية في العراق تذهب الى المياه الصالحة للشرب والاستعمال الآدمي والمياه الصالحة للزراعة والاغراض الأخرى.
وتشير تقديرات الحكومة العراقية ان 24 في المائة من العراقيين لا يحصلون على الماء الآمن، ويقول مدير بيئة بغداد الأستاذ حسن سلوم ان مشاريع المياه قديمة لا تتناسب مع الكثافة السكانية، وقد أكدت الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر/بعثة العراق ليال حورانية، ان نهري دجلة والفرات، اللذين يوفران الحصة الأكبر من الماء في العراق يعانيان من انخفاض تدريجي في مستوى الماء، ولم يعد بالإمكان استخدامهما كمصدر موثوق لمياه الشرب في بعض المناطق. وقد كشفت الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في 1/11/2010، “اليونسكو” عدم توفر المياه الصالحة للشرب لعدد يتجاوز ال 7,6 مليون عراقي، وأن 83 في المائة من مياه الصرف الصحي وحسب تقديرات الأمم المتحدة يجري تسريبها إلى الانهار، وأن 50 في المائة من سكان المناطق الريفية في العراق يفتقرون إلى ماء الشرب الآمن. ، لذا فان ما يخلص إليه المراقب ، ان العراق يتسبب بهدر ثروته ويجعلها تنساب الي البحر بسهولة وهو يمتلك الوديان والهضاب والمنخفضات الطبيعية ، وهو ايضا لا زال يسير خلف الأمم الاخرى في مسألة توفير الماه المتاح للاستعمال الآدمي ، فلا وزارة الموارد المائية ولا أمانة بغداد التي يشكو سكانها العطش الآن، ولا البلديات كانت عند مستوى حاجة الناس الى الماء الصالح للشرب .
وهنا أود ان اذكر أمانة بغداد بشأن صرف أكثر من ملياري دولار لأغراض مشروع الرصافة الكبير، ولا زالت الرصافة تشكو العطش، فأين ذهبت كل هذه الأموال. وعلى سبيل النكتة، فإن مشروع تحسين قناة الجيش أصبح مصدرا للروائح والامراض في حين كانت مصدرا للتفاؤل بمستقبل العراق ابان ثورة تمور الخالدة. لذا فان أزمة المياه لم تكن ابدا مسألة موارد، وإنما مسألة نزاهة وحسن إدارة.