- احتلت ولازالت موضوعة حق تقرير المصر أهمية كبيرة في الفكر السياسي المعاصر باعتبارها احدى القضايا الرئيسية في الصراع السياسي بين الاشتراكية والرأسمالية.

 - لقد جرت تغيرات كثيرة على تلك الموضوعة ارتباطا بانهيار نموذج الدولة الاشتراكية وسيادة الرأسمالية عالمياً كنموذج وحيد للتطور الاجتماعي وبهذا السياق تثار حزمة من الأسئلة الفكرية منها- هل حرية الانفصال وتشكيل الدول القومية لا زالت دافعاً للتطور الاجتماعي في ظل العولمة الرأسمالية؟ وهل حق تقرير المصير وتشكيل الدول القومية المستقلة لا زال نافعا في ظروف التبعية والتهميش؟ هل الدول الجديدة قادرة على بناء موازنة مع المراكز الرأسمالية؟ هل بإمكان الدول الجديدة بناء اقتصادات وطنية ترعى مصالح طبقاتها الاجتماعية؟ هل تسمح قوانين الرأسمالية المعولمة المتسمة بالتهميش والتبعية بظهور مراكز رأسمالية جديدة؟ وأخيرا هل القوى الطبقية الحاملة للاستقلال والتنمية الوطنية قادرة على مكافحة التوسع الرأسمالي؟  

أسئلة كثيرة ورؤى فكرية مختلفة لكننا ولغرض التقرب من مضامين الأسئلة المثارة نعمد على دراستها استنادا الى العناوين التالية-

أولا – الاشتراكية وحق تقير المصير.

ثانياً – الرأسمالية المعولمة والدول المستقلة.

ثالثا –الفدرالية والتصدي لسياسة التبعية والتهميش.

على أساس تلك العدة المنهجية نسعى الى متابعة رؤيتنا لموضوعة حق تقرير المصير.

 أولا – الاشتراكية وحق تقير المصير.

أعار الفكر السياسي الاشتراكي اهتماما كبيرا لحق تقرير المصير وبسبب هذا الاهتمام اندلع صراع بين المراكز الرأسمالية والدولة الاشتراكية المنتصرة حيث اعارت الدولة السوفيتية الجديدة اهتماما فكريا- سياسياً لموضوعة حق تقرير المصير الذي رأت فيه -

1-- تحرير الشعوب من الهيمنة الكولونيالية والدعوة الى بناء دول وطنية مستقلة.

2—تقديم الدولة السوفيتية الفدرالية كاتحاد اختياري بين القوميات والشعوب المضطهدة نموذجا للاستقلال والتنمية الوطنية بهدف مساعدة الدول الوطنية على الاستقلال والتحرر من الهيمنة الكولونيالية.

3—حملت موضوعة تقرير المصير اللينينية رؤى سياسية – اجتماعية متعددة أهمها مكافحة السيطرة الكولونيالية ومساعدة الشعوب في بناء دولها الوطنية. ومنها تحالف الاشتراكية الظافرة والدول الوطنية المستقلة لغرض توسيع ساحة المواجهة ضد الهيمنة الكولونيالية وروحها الاستعمارية. ومنها بناء وتطوير دول وطنية مستقلة مساندة للدولة الاشتراكية في مواجهة الروح العدوانية للكولونيالية المهزومة.  

- تميز نموذج البناء الفدرالية للدولة السوفيتية بتعدد طوابقه واشكاله متمثلا بالأشكال التالية–

1- الشكل الأول تمثل باتحاد جمهوريات سوفيتية اشتراكية ذات سيادة تتمتع بحقوقها القومية والمساواة مع دول سوفيتية أخرى مالكة حق الانفصال.  

2 -استند الشكل الثاني على حق القوميات بتشكيل كياناتها القومية في جمهوريات ذات حكم ذاتي تمارس فيه الأجهزة القومية حكمها على أساس القوانين الدستورية الاتحادية المقرة من جميع القوميات.

3 - الشكل الثالث تشكيل دوائر الحكم الذاتي للشعوب الصغيرة التي لم يرق بنائها الى مستوى تشكيل جمهورية قومية.

-- بناء هذا الشكل السياسي الفدرالي لاتحاد الأمم السوفيتية الحرة اعتمد في مضامينه الدستورية على قيادة الحزب الشيوعي للتحولات الاجتماعية باعتباره ممثلا للطبقات المنتجة في الدولة السوفيتية الاتحادية.   

ثانياً – الرأسمالية المعولمة والدول المستقلة.

افضى انهيار ازدواجية التطور الاشتراكي - الرأسمالي الى السيادة العالمية لنمط الإنتاج الرأسمالي ورغم هذه (الهيمنة الدولية) وضجيجها الإعلامي الا ان الوقائع تشير الى زيادة حدة التناقضات السياسية بين مستويات التشكيلة الرأسمالية العالمية.

وانطلاقاً من ذلك تواجهنا أسئلة كثيرة أهمها هل ما زالت المساند الفكرية لحق تقرير المتمثلة بالاستقلال والتنمية الوطنية المستقلة فاعلة في الطور المعولم من التوسع الرأسمالي؟ هل انتصار نموذج التطور الرأسمالي يفضي الى تفكيك الدول الفدرالية وإلحاق ثرواتها الوطنية بالاحتكارات الدولية؟ هل تشترط الرأسمالية المعولمة بناء اشكال جديدة من بناء الدول القومية؟ أم ان عالمية أسلوب الإنتاج الرأسمالي يفضي الى تخريب الدول الوطنية وتهميش تشكيلاتها الاجتماعية؟

لغرض التوصل الى مقاربات فكرية على الأسئلة المثارة لابد لنا من الاجتهاد في هذا السبيل وصولا الى ملامسة سياسية للموضوعات المثارة.

-- وحدانية التطور الرأسمالية العالمية وشركاتها الاحتكارية أفرزت أسلوبين لاستغلال الدول النامية تمثلت ب–

 1- ربط أسواق الدول الوطنية بكثرة من الاتفاقات الدولية - الاقتصادية التي تشترطها السيادة الدولية للسوق الرأسمالي المعولم.

2 – كثرة التدخلات العسكرية لأسقاط الأنظمة الديمقراطية الرافضة للهيمنة الرأسمالية ومساندة الأنظمة الديكتاتورية الموالية للهيمنة الأجنبية.

-- وحدانية التطور الرأسمالي وسيادة قوانين العولمة الرأسمالية المتسمة ب - التبعية والالحاق والتهميش – حملت في ثناياها تفتيت حرية تقرير المصير وما أنتجه ذلك من ضياع الاستقلال الوطني والتنمية الاقتصادية المستقلة.  

--إزاء مخاطر قوانين التبعية والتهميش تنبع أهمية البحث عن أساليب كفاحية جديدة تستطيع القوى الديمقراطية من خلالها تنفيذ برامجها الاقتصادية وبهذا السياق لابد من التأكيد على الموضوعات الفكرية – السياسية التالية –

أولاً-- لم تعد الثورة الاجتماعية قادرة لوحدها على تحرير البلاد من الهيمنة الاقتصادية والتبعية الرأسمالية المرتكزة على التدخلات العسكرية والحصارات الاقتصادية.

ثانياً –بكلام آخر لم تعد هيمنة الطبقية الواحدة على السلطة السياسية قادرة لوحدها على بناء دولة العدالة الاجتماعية.

ثالثاً— تبعاً لذلك امست الشرعية الديمقراطية المتمثلة بالانتخابات العامة بديلاً قانونياً لوصول القوى الاشتراكية والديمقراطية الى السلطة السياسية وإقامة دولة العدالة الاجتماعية.

رابعاً- تتطلب الشرعية الانتخابية إيجاد سبل وطنية قادرة على مواجهة الرأسمالية العالمية استناداً الى تجميع الطبقات الاجتماعية المتضررة في تحالفات وطنية شعبية.

ثالثا – الفدرالية والتصدي لسياسة التبعية والتهميش

تشترط سيادة الرأسمالية العالمية ونهوجها التخريبية المتسمة بالإلحاق والتهميش على القوى الوطنية – الديمقراطية مكافحة الميول التخريبية للرأسمال المعولم من خلال—

1 – بناء دول فدرالية هادفة الى موازنة المصالح الأساسية لقوميات وأمم الدول الفدرالية.

2 - مناهضة الانفصال الذي يعني تشكيل دول جديدة عرضة للتبعية والتهميش.

3–توحيد التيارات اليسارية – الديمقراطية في تحالفات وطنية لمجابهة التغيرات في العلاقات الدولية وابعاد الهيمنة الرأسمالية.

4 --- ترتكز التحالفات الوطنية على الطبقات الاجتماعية الفاعلة في التشكيلة الاجتماعية من – شرائح الطبقة البرجوازية - الطبقة العاملة - البرجوازية الصغيرة وشرائحها الطبقية الرافضة للتبعية والالحاق.   

 5- استبدال التناقضات التناحرية بالتعارضات الطبقية الهادفة الى بناء وصيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش.

6-- المساواة بين أطراف التحالفات الوطنية رغم ان تلك المساواة لا تمنع الطبقة العاملة من قيادة التحولات الاجتماعية في الدولة الوطنية.

7-- ابعاد الطبقات الفرعية الحامل (الوطني) للهيمنة الأجنبية عن التحالفات الوطنية وعزل نشاطها الهادف الى التدخلات الدولية.

8- بناء اقتصادات وطنية اعتماداً على تعدد أنماط الملكية متمثلة بالقطاع العام الفاعل الى جانب القطاع الخاص العامل على صيانة الدولة الوطنية.

9-- صيانة مصالح الطبقات الاجتماعية عبر بناء نظام الرعاية الاجتماعية وتفعيل دور الدولة في تلبية الحاجات الضرورية للطبقات الاجتماعية.

10-- بناء التحالفات الاقتصادية السياسية بين الدول الوطنية على أساس موازنة المصالح بهدف مكافحة اللحاق والتهميش.

تلخيصا لما جرى استعراضه يمكننا تثبيت الاستنتاجات التالية –

أولاً- لم يعد حق الانفصال وإقامة دول وطنية طريقاً للتحرر الوطني الامر الذي يتطلب بناء دول اتحادية - فدرالية قادرة على مواجهة الالحاق والتهميش وصيانة حقوق القوميات المتآخية.

ثانياً-- إقامة تحالفات وطنية بين قوى اليسار الديمقراطي مناهضة للتبعية والتهميش تشترطها مواجهة قوانين الرأسمالية العولمة المتسمة بالتبعية والالحاق.

ثالثاً– إقامة تحالفات إقليمية مناهضة لنهوج الرأسمال المعولم الهادف الى تهميش الدول الوطنية ودورها في العلاقات الدولية.

رابعً – تطوير العلاقات الوطنية – الإقليمية بين القوى الديمقراطية بهدف تنسيق فعالية الكفاح المشترك المناهض للهيمنة الرأسمالية.

خامساً – إقامة علاقات دولية على أساس احترام السيادة الوطنية والتنمية الاقتصادية المستقلة.

عرض مقالات: