معروف أن القيادات الاستثنائية تفرزها الازمات، وتلك الحقيقة تؤكدها ذاكرة الشعوب التي قدمت أمثلة لقادة سياسيين استطاعوا بأفعالهم الشجاعة أن يحفروا اسماءهم بالذهب، حين قادوا شعوبهم بعيدا عن مصالحهم الشخصية ووصلوا بها الى بر الامان في ظروف الحرب والسلم، فخلدتهم افعالهم التي اضحت فخراً لشعوبهم وللبشرية جمعاء.

ما حصل في العراق كان استثناء بامتياز، فقد أخفقت القيادات التي توالت على مراكز القرار في القيام بواجباتها التقليدية التي تفرضها المناصب التي شغلتها وفق ابسط مفاهيم الادارة والسياسة والوطنية، حتى وصلنا الى ما نحن عليه من مأسي وتضحيات مستمرة منذ عقود، نتيجة للصراعات السياسية التي يتحمل اشعالها من يسمون أنفسهم قادة ويتحمل اوزارها الشعب باسره.

الآن وبعد مرور أكثر من سبعة عشر عاماً على المنهج (التجريبي للديمقراطية) الذي جاء به المحتل الامريكي، والذي انتظم في مدرسته من كانوا يكتبون المعلقات في جرائم الدكتاتورية الصدامية البغيضة، لم يتبين من النتائج سوى الفوضى والخراب، ومازالوا يجترون ذات الخطاب الاعلامي الفارغ، بدعواتهم للشعب أن يصبر ويصبر ويتحمل أكثر، وهم الغارقون بفساد شمل كل الانشطة، بما فيها المحرم من قوت الفقراء ودمائهم، حتى وصلنا الى قاع أعمق من قيعان الاستعمار والدكتاتورية البغيضة. 

لقد انجز العراقيون كل ما طلب منهم بإخلاص ومثابرة أملاً بحياة أفضل لهم ولأجيالهم القادمة، فقد زحفوا الى صناديق الانتخابات غير مبالين بتهديدات الارهاب، وقدموا ومازالوا قوافلاً من الشهداء في ملاحم شهد لها العالم، تنفيذا لنداءات من يسمون أنفسهم قادة (تحت شتى العناوين) في دورات انتخابية متتالية، كانت نتائجها وبالاً وفوضى وفساد في جميع القطاعات، لم يشهد العراق مثيلاً لها منذ تأسيس الدولة في مطلع عشرينات القرن الماضي.

من هنا جاءت ثورة تشرين التي قلبت الطاولة على الفاسدين والمستهترين بدماء العراقيين وثرواتهم ومستقبل اجيالهم، وطالبت بالتغيير الشامل عبر انتخابات جديدة بإشراف دولي، وفق قانون انتخابي عادل ومفوضية انتخابات نزيهة، للعبور بالعراق الى ضفة العدالة والامان والبناء، وبتحقيق هيبة القانون، تمهيداً لفتح كافة ملفات الفساد ومحاسبة حيتانه وحاشياتهم وقواهم الساندة وحماتهم المتنفذين وأذرعهم السرطانية القاتلة.

الانتخابات الجديدة ستكون فرصة لاختيار قيادات تستحق ثقة الشعب وشرف وأهمية المناصب التي تشغلها، بعد عقود من الفشل في الاختيار بسبب القمع والتزوير والدجل وشراء الذمم.

عرض مقالات: