تعرض العراق كسائر دول العالم الى ازمة صحية خطيرة لم يشهدها منذ عشرات السنين، تتمثل بجائحة كورونا، غير ان حجم آثارها تختلف من بلد الى اخر، بحسب واقع وطبيعة النظام الاقتصادي السائد، ولكون الاقتصاد العراقي يتسم بالضعف فيما يتعلق بالمتغيرات الكلية التي تشمل الاستهلاك والادخار والاستثمار والدخل القومي والناتج المحلي الاجمالي واسعار الفائدة جعلته يترنح أمام هذه الجائحة الخطيرة.

 ومن الواضح ان هذه الجائحة قد تركت تأثيراتها على كل تلك المتغيرات، فقد طغى النمط الاستهلاكي على الإنفاقين الحكومي والخاص على حساب الادخار والاستثمار وتطوير البنى التحتية والانشطة الانتاجية الوطنية.

 ولعل المتغير المهم الذي سنتوقف عنده، هو الادخار، وبصورة أعم السياسة الادخارية التي لم تحظ بما يكفي من الاهتمام من قبل الحكومة أولا ومن السلطة النقدية ثانيا، وقد انعكس ذلك بوضوح على قلة السيولة النقدية لدى الدولة وجهازها المصرفي، فأحرجها في مواجهة الرواتب والنفقات الضرورية الأخرى وخاصة في مواجهة هذا الوباء الخطير وانقاذ حياة العراقيين من خلال توفير مستلزمات العلاج ومتطلبات العيش لمن لا يملك مصدرا ثابتا للدخل.

وجزئية الادخار هذه والتي تمثل استثمارا استباقيا  ترتبط بعنوان  أوسع، الا وهو التراكم المالي التي يعاني منه العراق والذي كان يعاني من اشكاليات ثلاث؛ الأولى تتعلق بالإنفتاح على حركة رؤوس الأموال، والثانية تتعلق بظاهرة الاكتناز التي تشكل 70 في المائة من حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق ومقدارها 41 تريليون دينار عراقي في عام 2016، وخطورة هذه الاشكالية تتمثل في تعطيل رؤوس الاموال في حركة الاقتصاد بسبب المناخ الاستثماري المتردي وتخلف الجهاز المصرفي وسوء خدماته في تحفيز عملية الادخار، واما الإشكالية الثالثة فتتمظهر بتركز رأس المال بيد الطغمة المالية المهيمنة على السلطة والجهاز المصرفي، وجل ثروتها وتراكماتها المالية تأتي عبر المضاربات المالية والمتاجرة العالية الربح الضعيفة القيمة المضافة وحالة عدم المساواة العميقة في توزيع الدخل والثروة .

ان تنشيط حركة الإيداعات وخاصة الثابتة منها، وكذلك تنشيط حركة الاستثمار يتطلبان مراجعة السياسة النقدية في ضوء الظروف المستجدة. فان الإقبال الواسع على القروض الصغيرة يجعل مستوى اسعار الفائدة مرتفعا، وهذا من الناحية النظرية يكون حافزا للادخار وسحب الكتلة النقدية الكبيرة المكتنزة لدى المواطنين، ولكن اسعار الفائدة الواقعية بالنسبة للإيداعات سواء الثابتة او التوفير منخفضة، وهنا تخرج عن منطق السوق الذي يحدده العرض والطلب. لهذا السبب تصبح السياسة الادخارية في العراق عاملا فاقد الحيوية في مواجهة الأزمة الاقتصادية خصوصا في زمن الكورونا.

وبناء عليه فإن بعضا من عملية الإصلاح الاقتصادي يتطلب مراجعة السياسة الادخارية عبر الفائدة، كأداة في تنظيم عملية الادخار وتحسين الخدمات المصرفية، ونقترح في هذا المجال ما يلي:

  1. إعادة النظر بالسياسة النقدية في الجهاز المصرفي عبر أسعار الفائدة لتكون أداة ناجعة في سحب الكتلة النقدية المكتنزة لدى الأفراد والعائلات، وتنشيط الادخار وتحسين الخدمات المصرفية، لتحويل الكتلة النقدية المدخرة الى قطاع الاستثمار من اجل تحريك عملية التنمية المستدامة.
  2. تعزيز الوعي الادخاري لدى الأفراد والعائلات ورجال الاعمال عبر سياسة مصرفية شفافة، وتقديم التسهيلات الكافية للمودعين والتخفيف من الاجراءات الروتينية بغية تعزيز الموثوقية بالجهاز المصرفي.

3. من اجل تحويل عملية الادخار الى حركة استثمارية من الضروري التأكيد على شفافية التشريعات المتعلقة بالاستثمار بعيدا عن الغموض لمنع الاجتهادات الخاطئة في تفسير النصوص بما يعرقل عملية الاستثمار.

عرض مقالات: