افضى انهيار نموذج التطور الاشتراكي الى سيادة وحدانية التطور الرأسمالي في النظم – السياسية- الاقتصادية لدول العالم. وانطلاقاً من هيمنة وحدانية التطور الرأسمالي العالمية تنتصب امامنا حزمة من الأسئلة الفكرية الملحة أهمها—

 ماهي سمات البناء الاشتراكي القادم؟ ماهي طبيعة القوى الطبقية القائدة للتغير الاجتماعي؟ ما هو دور الحزب الاشتراكي في عملية الانتقال من التطور الرأسمالي الى نموذج التطور الاشتراكي.

أسئلة كثيرة واجتهادات فكرية متنوعة من جانبي أحاول التوقف عند مفاصل رئيسية أجدها مهمة في هذا السياق تتمثل في—   

أولاً–سيادة الرأسمالية العالمية وتطور الدولة الوطنية.

ثانياً- اليسار الاشتراكي ومشروع الوطنية الديمقراطية.

ثالثاً - المهام السياسية للحزب الاشتراكي.

على أساس تلك المحاور المنهجية أحاول مناقشتها بتكثيف بالغ متناولاً المحور الأول الموسوم ب--

أولاً - سيادة الرأسمالية العالمية وتطور الدولة الوطنية.

1 -- مرت الدول الوطنية بأشكال متباينة التطور تبعا لطبيعة نظمها السياسية وشكل بناءها ورغم هذا التباين حافظت الدولة الوطنية بشكل عام على تطور سياسي -اقتصادي مرتكز على أسلوب الإنتاج الرأسمالي رغم ملكية الدولة لقطاعات اقتصادية عامة.

2 – تحكمت في بناء الدولة الوطنية طبقات وشرائح اجتماعية متعددة أهمها البيروقراطية المتسيدة في أجهزة السلطة السياسية والمتحكمة في إدارة ملكية الدولة العامة مستفيدة من القطاعات الاقتصادية المتعددة في الدولة الوطنية.

 3—سادت في الدولة الوطنية وبنائها الاقتصادي – السياسي قوى طبقية فرعية مستفيدة من تعاون الأنظمة السياسية في الدول الوطنية مع الاحتكارات الدولية السائدة في الدول الرأسمالية الكبرى.

4 – اتسم التشكيل الطبقي السائد في سلطة الدولة الوطنية بممارسة العنف السلطوي ضد قوى اليسار الاشتراكي ومشاريعها التنموية.

5 – افضى انهيار نموذج التطور الاشتراكي الى سيادة الطبقات الفرعية الحاكمة في الدول الوطنية معتمرة سياسة الإرهاب والتبعية والتهميش.

6 – تتعرض الدول الوطنية بسبب قوانين الرأسمالية المعولمة وحركة تطور الرأسمال الاحتكاري الى التبعية والتهميش.

7 – تسعى الرأسمالية المعولمة الى حماية الطبقات الفرعية ومحاصرة الطبقات الفاعلة في الاقتصاد الوطني وما ينتج عنه من تعرض القوى الطبقية الأساسية الى عوامل التفكك والتهميش.

8 – انطلاقاً من قوانين التبعية والتهميش تتشكل في الدول الوطنية قاعدة شعبية تضم طبقات اجتماعية مناهضة لسياسة التهميش والالحاق التي تعتمدها الرأسمالية المعولمة في العلاقات الدولية.

9 – استنادا الى ذلك تتسع وتتكاثر عوامل اندفاع الطبقات الفرعية نحو التحالف مع الرساميل الأجنبية.

ثانياً-- اليسار الاشتراكي ومشروع الوطنية الديمقراطية.

بسبب وحانية التطور الرأسمالي وهيمنة الطبقات الفرعية على الدولة الوطنية يتطور تناقضاً رئيسياً في التشكيلات الاجتماعية الوطنية بين- الطبقة العاملة وبعض فصائل البرجوازية الوطنية والفلاحين – من جهة وبين الطبقات الفرعية -الشرائح الكمبورادورية – بيروقراطية الأجهزة الدولة الوطنية والشرائح الربوية المتحالفة مع الرساميل الأجنبية من جهة أخرى.

 انطلاقاً من تحديد أشكال التناقضات الفاعلة في التشكيلات الاجتماعية الوطنية أرى ان التناقض الرئيسي يكمن بين الطبقات الاجتماعية الوطنية وبين الطبقات الاجتماعية الفرعية المتحالفة والدول الرأسمالية الكبرى.

-- تحديد أطراف التناقض الاجتماعي الرئيسي في الدول الوطنية يشترط تحديد طبيعة الكفاح الوطني في التشكيلات الوطنية الذي اراه كفاحا وطنياً- ديمقراطياً مناهضا للطبقات الفرعية المتحالفة مع الخارج الرأسمالي المعولم.

بكلام آخر يكمن التناقض الرئيسي في الدولة الوطنية بين القوى الوطنية الديمقراطية وبين الطبقات الفرعية وغطائها الدولي الرأسمالي المناهض للوطنية الديمقراطية.

-- ان مضامين مشروع الوطنية الديمقراطية الذي تعتمده قوى اليسار الاشتراكي تستند على الركائز الفكرية -السياسية التالية-

1 - الوطنية – 

تتضمن الوطنية في المشروع الوطني- الديمقراطي المعتمد من قبل اليسار الديمقراطي السمات السياسية التالية –

أ- صيانة استقلال وسيادة الدولة الوطنية وابعادها عن سياسة الدولة الكبرى المتسمة بالتبعية والتهميش.

ب- بناء تشكيلة اجتماعية وطنية تتوازن مصالح طبقاتها برعاية الدولة الوطنية.

ج-- مشاركة القوى والتيارات السياسية العاملة على بناء البيئة الديمقراطية للدولة الوطنية المستقلة دون اقصاء او ابعاد.

 2-- الديمقراطية السياسية.

-يصبح مشروع الوطنية الديمقراطية المعتمد في كفاح الأحزاب اليسارية والاشتراكية مشروعاً فكريا- سياسياً بديلاً عن برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية لتجاوبه مع وحدانية التطور الرأسمالي في العلاقات الدولية.

-انطلاقا من مشروع الوطنية الديمقراطية تسعى قوى اليسار الاشتراكي الى تحقيق الموضوعات السياسية التالية--                  

أ- اعتماد التداول السلمي للسلطة السياسية في بناء الدولة الوطنية ومنظومتها السياسية.

ب- بناء سلطة الدولة الوطنية انطلاقاً من شرعية انتخابية ديمقراطية تعتمد البرامج الاقتصادية – السياسية للقوى والتيارات السياسية المتنافسة.

ج – مكافحة ميول التبعية والتهميش الملازمة للرأسمالية المعولمة وصيانة السيادة الوطنية للدولة الوطنية.

د – اعتماد التحالفات السياسية أساساً لبناء سلطة الدولة الوطنية وقواها السياسية وترسيخ التضامن الطبقي بين القوى السياسية الرافضة لسياسة التحجيم والاقصاء.

ه – بناء اقتصادات وطنية مستقلة بعيدة عن هيمنة الاحتكارات الأجنبية المعولمة لغرض تطور الدولة الوطنية وتشكيلتها الطبقية.

و– بناء تحالفات وطنية - دولية متوازنة على اساس احترام المصالح الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الوطنية فضلا عن إقامة علاقات تعاون وصداقة مع الدول المناهضة للتبعية والهيمنة.

ثالثاً-المهام السياسية للحزب الاشتراكي.

تتمتع القاعدة الاجتماعية للحزب الاشتراكي بأهمية كبيرة في تطوير الكفاح الوطني الديمقراطي واستنادا الى برنامج الوطنية الديمقراطية فان القاعدة الاجتماعية للحزب الاشتراكي تتعدد قواها السياسية والطبقية وانطلاقاً من ذلك يسعى الحزب الاشتراكي الى اغناء برنامج الوطنية الديمقراطية المرتكز على المهام التالية-

1 – مكافحة تهميش الدولة الوطنية

- تنطلق التحالفات الوطنية بمضامينها الانتخابية والوطنية من مكافحة التخريب الطائفي الهادف الى تقسيم الدولة الوطنية الى أقاليم طائفية واستبدال القوانين الوضعية بأخرى فقهية تسعى الى تحجيم الكفاح الطبقي للقوى الاجتماعية العاملة على صيانة وحدة البلاد الوطنية.

-- يضع الكفاح الوطني- الديمقراطي وحدة الدولة الوطنية في مقدمة أهدافه الوطنية اعتماداً على ان وحدة الدولة الوطنية ضمانة لنمو وتطور قواها الاجتماعية فضلاً عن صيانة الدولة الوطنية من التبعية والاحتراب الداخلي.   

2- تأسيس التحالفات الوطنية –

- يهدف مشروع الوطنية الديمقراطية الى تحفيز القوى الطبقية المناهضة للتبعية والتهميش ودفعها لبناء تحالفات سياسية وطنية هافة الى تحقيق المصالح الطبقية للطبقات الوطنية.

3— تحالفات انتخابية وأخرى برنامجيه

يسعى الحزب الاشتراكي الى إقامة التحالفات الوطنية عبر نهجين يتحدد الأول منهما على بناء تحالفات سياسية مرتكزة على برامج وطنية تغطى مرحلة من مراحل تطور الدولة الوطنية. والثاني منهما يرتكز على رؤية وطنية تسعى الى بناء تحالفات انتخابية هادفة الى تحقيق مكاسب انتخابية في البرلمانات الوطنية.

-- ان أهمية التحالفات السياسية وتوسيع قاعدة اليسار الاشتراكي الاجتماعية ترمي الى تحقيق اهداف كثيرة يتصدرها بناء دولة اجتماعية وطنية مناهضة لنهوج المراكز الرأسمالية الكبرى وأخرى تتوخى مكافحة تحالف الطبقات الفرعية المتحالفة مع العامل الخارجي والساعية الى بناء أنظمة حكم ارهابية.

عرض مقالات: