كان للمرأة العراقية دور مؤثر في ثورة العشرين، فكانت تحرضّ الرجال وأبناءها على القتال، ومنهن من حملن السلاح وتقدمن الصفوف أسوة بالرجال، فضلا عن دورها مسعفة، وناقلة للجرحى، وتوفير الماء والغذاء للمقاتلين. إلا أنّ الدور الفاعل الذي سجله التاريخ لها، هو إثارة الهمم، وإيقاظ العزائم، وشدّ أزر الرجال بالهوسات والـﮕفلات.

قالت الشاعرة (نازي بنت حاﭼم) وهي من عشيرة الظوالم، وقد استقبلت الشيخ شعلان أبو الجون الذي أطلق اول رصاصة في الثورة ومعه سبعون بطلا اقتحموا المعركة وسيطروا على جسر السوير:

شعلان اجاها اوصحت شوباش

خله الرميثه امجضعه الشاش

العـج غـطاهـا والـثـره افـراش

ﮔرﮔـه اوسيك اوباجي الاوبـاش

اولا هاب مـن مـدفع اورشاش

والـلـي يـخـلّد امـتـه عـاش

ويتجلى الدور التحريضي بأبها صوره في موقف الشاعرة (صافية) زوجة عطية آل دخيل ووالدة جبل آل عطية رئيس عشائر الاﮔرع، بعد أن تراجعت عشائر الجبور والبو سلطان من قضاء الهاشمية أمام ضغط قوات الاحتلال، حين وقفت في طريق المتقهقرين، كاشفة عن شعرها، وهي تحضّهم على الثبات وتستنهض فيهم قيم الرجولة ، وتنادي بأعلى صوتها:

لا يل الجبور والبو سلطان

نــايـف وفــارس آلـــ جريـان

وشخيتر الهيمص او غضبان

وابن براك راعي الفخر سلمان

 من تشب يوم الحرب نيران

هزيمتكم خيانه الهذي الاوطـان

 اشلون اتواجهون ابهاي عربان

عـار عـلى يعـرب او ﮔحـطان

تبـﮔـه زلمها إببين نسوان

فما كان من الثوار إلا أن يقوموا بهجوم مضاد أوقع في صفوف القوات البريطانية العديد من القتلى والجرحى، مما اضطرهم إلى الانسحاب صوب مدينة الحلة.

أما الشاعرة (شزنة بنت حالوب) من عشيرة البو سلطان، فهي تتغنى بمآثر ولدها وبطولاته، وما الحق بالعدو من خسائر فادحة بالأرواح في معركة (بنشّه)، وهي قرية محاذية لمدينة الحلة، بعد أن أبلى بلاء حسنا، وتقول:

الله يا دﮔّـة بنشّــه

يـوم اولـدي للجيش طشّــه

حالوب أهـو او للزرع حشّــه

مجرشه وللصوجر تجرشه

خـلاهـا لشّــه فـوﮒ لشّــه

حــوم او عــلى الـــدانه تـعشّه

او لو بطش كلها تعرف بطشه

يـا سـوجــر اشـبلشـك بـلشـه

ﮔمت اتـحارـش بينـه حرشـه

واطـيتـنه اذنــك الـطرشـه

وهذه الشاعرة (صافية البو عبيد) من عشيرة الأعاجيب في الرميثة ترثي ولدها في معركة جسر السوير، فتقول:

ابني المضغته البارود

ابني البيه كل الزود

ابني اللي يجيد الجود

وهو لزّام تاليها

ابني اللي يوج النار

ابني المايحمل العار

ابني يموت دون الدار

والعتبة اليصل ليها

 ولا يقف التحريض على القتال عند حدود معينة، فالجميع معنيون بالمشاركة ما زالت القضية متعلقة بالوطن، ولن يكون بمنأى عنها أقرب الناس. فهذه (ضويه) من بني احـﭼيم تخاطب زوجها وكان شيخا، وقد تبادر إلى ذهنها إنّ الغلبة ستكون إلى جيش الاحتلال، وإنّ كارثة ستلحق بالثوار، فاندفعت تخاطب زوجها وتستحثه على القتال، لكونه وجد في كبره عذرا بعدم المشاركة في القتال، وهي تقول:

يـلمـــا تـهـز عزمـك هـزايـز

يـلـنـفـتخـر بـيــك أو نـنــابـز

شــوف الــربـع ﮔـامت تــبارز

او هــاي الـفـعـايل الك حــافز

انـهـض لـعـد خـصـمـك او ناجز

من تـنـﭽـتل بالـخـلـد فـــايـز

عـيـب عـلـيـك اتــﮕول عـاجـز

المرأة وانتفاضة تشرين:

كان للمرأة العراقية حضورا لافتا ومؤثرا في انتفاضة تشرين التي انطلقت في الأول من تشرين الأول 2019. وإذا إنماز حضور المرأة في ثورة العشرين بالنوع، فإن مشاركة المرأة في انتفاضة تشرين اتسمت بالنوع والكم. وبالرغم من الأساليب البشعة التي سعت الأطراف إلى توظيفها من أجل اجهاض التظاهرات وشيطنتها، وفي الأخص دور المرأة فيها. ومع تفاقم عمليات الخطف والتهديد، ارتفعت مناسيب المشاركة ، وتزايدت وتائر التواصل، حتى أن بعضهن هجرن بيوتهن واطفالهن، وافترشن سوح التظاهرات وهنّ يقدمن كلّ ما تصل إليه اياديهنّ لطوابير المتظاهرين في اوقات الطعام، واهتم بعضهنّ بنظافة الساحات، في حين تبنى البعض الآخر غسل ملابس المتظاهرين، وبات في حكم يقين الجميع أنهنّ رقم صعب لا يمكن تجاوزه في المستقبل. ورغم العنف المفرط المستخدم ضدهنّ، فهنّ لم يحملنّ سوى اصواتهنّ والأعلام العراقية. ولم يقتصر حضورهن على بغداد، بل لهنّ حضور مهم في البصرة، والعمارة، والناصرية، والكوت، والسماوة، وبابل، والديوانية، والنجف. وتعرضت المرأة لصنوف الأسآة. ومن منا لا يتذكر مقطع الفديو الذي تناولته الفضائيات لرجال أمن يتصدون بالضرب والشتائم لطالبات ثانوية خرجن متظاهرات في أحدى مناطق بغداد، ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود، فالعديد منهنّ ضحين بحياتهن جرّاء مشاركتهن في التظاهرات، نذكر على سبيل المثال: الشهيدة (هدى خضير)، والشهيدة (سارة طالب)، والشهيدة (جنان الشحماني)، والشهيدة (زهراء لوسي) اللواتي امتدت لهن يد الغدر والخيانة.

وكان لتظاهرات 13 /شباط/ 2020 النسوية الأثر الكبير في احتساب المرأة ايقونة لتظاهرات تشرين، التي شاركت فيها: ربات المنازل، وطالبات الثانويات المعاهد والكليات، وتربويات، وموظفات، وطبيبات، ومهندسات، وهن يرددن: (هايه بناتك يا وطن هايه) و(أصوات المرأة ثوره) و(المرأة ليست عوره، بل ثوره) يتجلى فيها الاصرار، والمواصلة، والتحدي.

المرأة والقيم الابداعية:

لعبت المرأة العراقية دورا تشاركيا لم نألفه منذ عقود، وكان لها ولذوي القمصان البيض مكان الصدارة في الحراك الجماهيري، واصبح تدافعهنّ المتنوع من مختلف الطوائف والأديان والأعمار صفة مائزة وسمت شارع التظاهرات، وتحولت سوح التظاهر إلى مراكز للتحدي والإلهام، ومثّلت الجداريات التي تشيد بروحية النساء العراقيات تمثيلا مرئيا بارزا لدورهن في الاحتجاجات، أما الاعمال الفنية التي دبجتها أنامل النساء فقد أصبحت مرآة لعمق مشاركتهن، وصدى لما يعتمل في صدورهن من مشاعر ورؤى، ومسعى فاعل لاستعادة هويتهن الوطنية، ومحاولة جادّة لمشاركتهن في كتابة تاريخ العراق المعاصر، وأدى هذا الفعل السياسي إلى جانب الأسباب الأخرى إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي.

وبالرغم من التخوف المشروع لهواجس اولياء الأمور على سلامتهنّ، تزايدت اعداد النسوة في التظاهر باطراد. واصبح لمشاركتها دورا فاعلا في دعم الحراك وديمومته سياسيا وفكريا، غير آبهات بما يترقبهن من كواتم صوت، وخطف عشوائي ومنظم. وصار لحضورهن صدى في الفعل الإبداعي والفني، بعضه سنتلمسه في النتاجات الأدبية القادمة، وبعضه تلمسناه في الشعر، لأنّ الشعر أسرع استجابة لمتغيرات الحياة من الأجناس الأدبية والفنية الأخرى، وقد مثّلّ حضورها في الاغنية العراقية فعلا عاطفيا وانسانيا بليغا، وكان لأغنية حسام الرسام (العراق)، ورحمه رياض (راجع آخذ حقي) حضورا ملحوظا في سوح التظاهر. أما أغنية (عراق الهيبة) التي أداها محمد السالم وأحمد السلطان، فكانت من الأغاني الحماسية التي رافقت الموجة الأولى من التظاهرات. وفي الجولة الثانية، كان لأغنية (البيكيسي) لجلال الزين وغزوان الفهد، أثرا في تعزيز الدور الحماسي للتظاهر، واغنية (اليوم الـﮕذلة اتسولف خلي اعـﮕالك للدﮔات) للمطرب أحمد الشمري، وهي من الاغاني التحريضية التي وضّفت فيها (الهوسة) توظيفا موفقا.

وإذا كانت رحمة رياض أول صوت نسائي غنى للتظاهرات، فهناك أصوات واعدة اسهمت في هذا التوجه المسؤول، منهن: إسراء الأصيل، وجوان حسن، وغيد، وغيرهنّ.

ملاحظة لابدّ منها:

تحاشت قوات الاحتلال البريطاني التعرض لأية مرأة عراقية وهي تشارك في المعارك الحربية، أو قريبة منها المس بها، أو التعرض لها، ولم نعثر، بحكم قراءتنا، للدراسات، والمؤلفات، والبحوث العراقية أن تعرض بعضها لهذا الموضوع ولو تلميحا.

أما في انتفاضة تشرين ،فالحمد لله، لم يتورّع أبناء جلدتنا من ممارسة الأفعال المخلة بالشرف والأخلاق من شتم، وإساءة، وضرب، وترويع، واختطاف، وقتل.

وفي الوقت الذي انخرطت في المرأة في ثورة العشرين في الفعاليات العسكرية، فإنّ المرأة التشرينية رفعت العلم العراقي ونادت بشعار (انريد وطن)، وكان هذا كافيا، بنظر الطرف الثالث لتحمل هذا القدر الواسع من القسوة، والعسف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

دور الشاعرات الشعبيات في ثورة العشرين: علي الخاقاني: مجلة التراث الشعبي، العددان (4،5) 1965: 2.

عرض مقالات: