يولد الإنسان حتماً بفطرة سليمة أي بمعنى نظيفة . من المتعارف عليه أن نرى أطفالاً صغاراً يلعبون متساوين ومتكافئين مع بعضهم في مراحلهم الدراسية الأولى في كل الدول التي تتعايش بها عناصر وقوميات وأجناس مختلفة وهم قطعاً من بيئات مختلفة في المستوى المادي والثقافي ، ولا يعبأ هؤلاء الأطفال للخلفيات المختلفة ، وقد يترافق لعبهم مع أجناس مختلفة من الحيوانات وهم شديدي الحساسية للغة هذه الحيوانات وعواطفها تجاههم . إذاً لماذا يعبأ البالغون بخلفيات الأفراد وإنتماءاتهم ولِم يحملون معهم شبكة من المصالح ووجهات النظر حول المستوى المادي ومستوى الذكاء والثقافة ومستوى النظافة والجمال والكياسة وإختيار الألفاظ ، فنحن مختلفون حتماً في كل هذا ويبقى الشيء الأهم الذي يجمعنا هو الكيان الإنساني الواحد فنحن مختلفون من الخارج فقط ومتشابهون من الداخل ، قد نختلف بألواننا وعباراتنا ورونق سياراتنا وبيوتنا وإمتلاء أو فراغ محافظنا لكن نبض الحياة هو نفسه من الفم إلى القدمين وتمر بأدمغتنا نفس المشاعر والهورمونات والذبذبات ونفس ردود الأفعال لنفس الأفعال والمختلف هنا هو مستوى الذكاء ومستويات ردود الأفعال ، ولم يثبت علم النفس المعاصر ولا العلوم التربوية أن لعنصر ما مستوى ذكاء أرقى من غيره ففي داخل كل عنصر بشري مستويات ذكاء مختلفة لأسباب بايولوجية وظروف موضوعية مساعدة . فنحن لا نستطيع أن ندعي أن العنصر الأوربي هو أكثر رقياً من الإنسان الأفريقي أو الشرق أوسطي ، فمرور أي عنصر بالظروف الموضوعية نفسها تتكون لنا نفس النتيجة أي أن الإستلاب الثقافي هو ما يحجم الإستخدام الطبيعي لهذا العنصر أو ذاك ، فقد خرج من قارة أفريقيا وآسيا عباقرة وعلماء ، من مصر والمغرب وأثيوبيا ومن الهند والعراق واليمن في مجالات الفضاء والرياضيات والفيزياء والكيمياء والطب وكثيراً ما تظهر عبقريات هؤلاء الأفراد بتغيير بيئاتهم .
إن الطبيعة بألوانها تتعايش بكونها تحمل نفس الجوهر ونفس التكوين ، فيختلف على هذا الكوكب لون التربة من منطقة بيئية إلى منطقة أخرى وتختلف معها ألوان الطيور والحيوانات والحشرات من العنصر الواحد ويجمعها النوع الواحد وكلها تشكل جزء مهم من مكونات الطبيعة ولا يمكننا مفاضلة لون على آخر . والسؤال الآن في أي حيز نضع إنسان ذو بشرة بيضاء لكنه معتم من الداخل فقد يكون قاتلاً أو منحرفاً أو لصاً محترفاً ، وفي أي حيز نضع إنسان يحمل بشرة سوداء وداخله مضيء وهنا لا أستطيع أن أخاطب لون البشرة أو ملامح الوجه بل سأخاطب هذا الإنسان من الداخل على أساس كم الضمير الذي يحمله بغض النظر عن المستوى الثقافي أو المادي فقد يكون هذا الإنسان عامل نظافة لكنه أرقى من طبيب يتاجر بمهنته أو فيزياوي يتاجر بعلمه .
أذكر حديثاً للملاكم العالمي محمد علي كلاي حينما قال لقد مُنعت من آلأكل في مطاعم البيض حتى بعد حصولي على بطولة العالم ، وقد سألت أمي ذات يوم لماذا تصوَر الملائكة باللون الأبيض ويصور السيد المسيح أبيضاً ويُخترن ملكات الجمال بيضاوات ، ولماذا يُفترض بأن كل شيء جميل هو أبيض ، والجواب هنا أن الجنس البشري على مدى التاريخ قد إنقسم إلى قسمين قسم ظالم وقسم مظلوم ، وحينما إشتدت حضارة الرجل الأبيض في البحث عن المستعمرات أصبح الرجل الأسود خادماً مطيعاً لحضارة الرجل الأبيض ليس لضعف فيه أو غباء وإنما لجبروت الرجل الأبيض الذي دعمته المخترعات العلمية والتي وُظفت توظيفاً عدائياً لخدمة الأمم الغنية والمتحضرة فتفوقت حضارة القوة والسلاح على حضارة المباديء والقيم فأُستلبت حضارة السود وأصبحوا عبيداً يباعون ، وتشهد دولة جنوب أفريقياً وغيرها من الدول على الإستعباد الحضاري للأرض والإنسان الأفريقي .
إن العناصر البشرية الأخرى للجنس البشري مثل العنصر الأصفر والأحمر قد أثبتت فاعليتها في الحضارة البشرية فقد أعطى العنصر الأصفر للحضارة البشرية الكثير من المنجزات العلمية والقيم الحضارية والإنسانية أما العنصر الأحمر فقد جرت علية عملية إبادة جماعية وعملية طمس لحضارته البدائية التي كانت تحمل قيم إنسانية نبيلة ، وقد إستطاع الرجل الأبيض أن يقبر هذه الحضارة لأجل الإستيلاء على المعادن والثروات الطبيعية في مناطق سكنى تلك القبائل الهندية ثم حوصرت بعد ذلك هذه القبائل ثقافياً ثم أتهمت أيضاً بالغباء البشري وهكذا حاول الرجل الأبيض أن يخلق السبب لكي يصل إلى النتيجة التي يبغيها .
من نحن حتى نقسم العالم إلى أبيض وأسود وأصفر وأحمر ونشهد بدونية العالم الملون والفرد الملون وهو جزء متصل غير منفصل للعالم الموحد الذي خُلق بألوان عدة تتكامل ولا تتناقض ولن يسيطر أحدها على الآخر إلا بالسلطة الغاشمة .