تتجه الغالبية العظمي من دول العالم في سياق مقاومتها ومحاصرتها لفيروس كورونا إلي تعزيز دور الدولة في الاقتصاد وفي حياة المجتمع، وتحت وطأة الحاجة والضرورة يضطر أعتي مروجي الرأسمالية وواحد من أغني أغنياء العالم، ورئيس الدولة الأكبر اقتصادا – حتي الآن- “دونالد ترامب” أقول يضطر إلي تخصيص 2.2 تريليون دولار لتعويض المواطنين في فترات الغياب عن العمل، وإعانة الشركات الصغيرة والمتوسطة حتي لا تعلن الإفلاس، فضلا عن تخصيص مائة مليار دولار للإنفاق علي التأمين الصحي في بلد طالما كان هو النموذج الأكثر تطرفا في تطبيق آليات السوق الحر، والالتزام بقواعد الليبرالية الجديدة التي قلصت أدوار الدولة، واطلقت آليات السوق في الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، والاسكان والنقل.
استخدم الرئيس “ترامب” أيضا ما يسمي بقانون “الإنتاج الدفاعي” الذي يضع الشركات كبيرها وصغيرها مع كل مؤسسات الإنتاج في القطاع الخاص تحت تصرف الإدارة المركزية الفيدرالية، وهو ما يعني إلزام كل هؤلاء بتنفيذ أي عمل تتطلبه الكارثة التي تواجه الولايات المتحدة الامريكية.وستكون هذه المؤسسات جميعا ملزمة بتنفيذ ما تطلبه منها الادارة بصرف النظر عن حجم الارباح التي تجلبها أو حتي الخسائر التي تتعرض لها، وسوف تستفيد هذه المؤسسات جميعا من حزمة الانقاذ التي وافق عليها الكونجرس في كل الحالات.
وينسب البعض هذه الاجراءات التي انتشرت بطرق أو أخري في العالم أجمع إلي الاشتراكية,،علي اعتبار أن التدخل المتزايد للدولة في البلدان الرأسمالية ينتج في الغالب الأعم نظام رأسمالية الدولة الذي غالبا ما يكون اقرب إلي الاشتراكية حتي أن المنظرين الاشتراكيين أطلقوا علي بعض التجارب، بما فيها حتي تجربة الاتحاد السوفيتي وصف النظام اللا رأسمالي.
وخوفا من أن تتكرر بعض الخصائص السلبية التي ارتبطت تاريخيا بالتجارب الاشتراكية، وعلي رأسها غياب الديمقراطية ومصادرة الحريات العامة تساءل كاتب “هل تنتصر طبائع الاستبداد بسبب الوباء”؟.
ولما كان التاريخ قد علمنا أنه لا يعيد نفسه ابدا،فأظن أن مثل هذا “الانتصار” غير وارد لاسباب كثيرة، علي رأسها أن البشرية راكمت تراثا هائلا من الحقوق والحريات لن يكون من السهل القفز فوقه، اضافة لأسباب أخري كثيرة.
ومن أبرز ما يمكننا أن نلاحظه من توجهات المؤسسات الاعلامية الكبري بعد انتشار الوباء علي هذا النطاق المخيف هو خفوت لهجة التشهير بالاشتراكية ، بل بوسعنا، نقول – دون احتمال كبير للخطأ- أن ما يجري من الخلط بين اجراءات تدخل الدولة وبين الإشتراكية ينطوي ضمنيا علي رد اعتبار للإشتراكية في الوعي الجمعي، وهو الوعي الذي لم ينتظر الإعلام حتي يعبر عن تطلع غلاب – علي الأقل في بلادنا- لخلق نظام “اجتماعي- اقتصادي” ينهض علي العدالة والمساواة، واعادة توزيع الثروة في البلاد علي أسس جديدة تصنعها الجماهير نفسها،أي دفع الديمقراطية إلي أبعد الحدود،والتخلص إلي الأبد من التقرحات والشروخ التي احدثتها سياسات الليبرالية الجديدة التي اطلقت وحش الرأسمالية وشراهتها، وحولت المجتمع إلي ما يشابه الغابة، ولم يتوقف ابدا النضال الجماهيري بصور شتي، وفي كل مكان من العالم ضربته السياسات الليبرالية الجديدة من أجل توجيه الصراع الطبقي الذي اشتدت قسوته في اتجاه هذا العالم الجديد- الحلم.
فرغم التطور الهائل في وسائل الإنتاج وأشكال التنظيم الجماعي التي أنتجتها الجماهير،وتطور القوي المنتجة، وهي جميعا عوامل تفتح الباب ليكون الإنتاج كافيا لتطوير ثروة مادية تفيض حتي عن حاجة الجماهير كافة علي امتداد المعمورة،أقول رغم كل هذا مايزال في العالم ما يزيد علي المليار جائع جوعا فعليا لا مجازيا، فضلا عن الآلام والمآسي الأخري الكثيرة.
وفي ظل هذا المناخ الكئيب الذي يظلله الخوف بل الهلع في مواجهة عدو غامض تستعيد الأدبيات الإشتراكية رونقها وتنتشر مجددا علي نطاق واسع، وأصبح القول بأن الاشتراكية تساوي توزيع الفقر مثار للسخرية بل والغضب احيانا لأنها أي الإشتراكية تظهر مجددا كقارب نجاة من الغرق المحدق بالبشرية كلها.
فالاشتراكية تنهض كأمل من تحت رماد الخيبات والهزائم والعنف الهيكلي في نظم الإستغلال والعنصرية والإستعباد،ويزداد تطلع البشر إلي التطور الحر والمتعدد الجوانب حيث تجد مواهبهم البيئة الملائمة للإبداع والتحقق ومحبة العمل دون قسر أو إجبار.
في فترة الحجر المنزلي والتأمل الهادئ والعميق في مجريات الأحداث انتبهت إلي حقيقة أن معظم الشابات والشبان الذين عرفتهم عن قرب لا يحبون عملهم،ولكنهم يواصلونه بدأب – فقط- من أجل لقمة العيش، وانتبهت مجددا إلي فكرة طالما تكررت فيما أكتب، وأخذت أبحث عن رد عقلاني على سؤالها الرئيسي: أي متي سيتحول العمل، أي عمل، أي شخص كبيرا أو صغيرا، مديرا أو غفيرا إلي حاجة حيوية ومصدرا للبهجة والفرح ومحبة الحياة؟.
متي حقا، والآن أجيب – وأنا مرتاحة- إنه فقط حين يمشي علي الأرض مبدأ “من كل حسب قدرته، ولكل حسب حاجته”
* الأهالي المصرية