مرت مؤخراً ذكرى مرور 53 عاماً على حرب يونيو / حزيران 1967التي عُرفت بالنكسة ونُعتت أيضاً ب " حرب الأيام الستة " حيث انتهت في غضون ستة أيام فقط بهزيمة ثلاثة جيوش عربية (مصر وسوريا والأردن) أمام الجيش الأسرائيلي، وتمخضت عن احتلاله شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة الفلسطيني الذي كان تحت الإدارة المصرية، وهضبة الجولان السورية، واستكمال احتلال فلسطين بقضم الضفة الغربية الفلسطينية لنهر الأردن والتي التي كانت في عهدة الأردن. عملياً حُسمت الحرب لصالح إسرائيل قبيل ظهيرة اليوم الأول (الخامس من يونيو / حزيران) بعد أن تمكن سلاحها الجوي من تدمير 80% من المقاتلات المصرية وهي جاثمة في مطاراتها العسكرية.  والحال ما كان الرئيس المصري والزعيم العربي جمال عبد الناصر جاداً لخوض حرب يعلم أشد العلم سلفاً  لن تكون متكافئة ؛ لاختلال الميزان العسكري بين إسرائيل من جهة ؛  و مصر  وسوريا والاردن من جهة اخرى لصالح العدو لو لا  أنه اُستدرج إليها من قِبل إسرائيل وأميركا ؛ فضلا عن مخاوفه على سمعته ومكانته القوميتين من عواقب التخلي عن سوريا التي ترتبط معها بمعاهدة دفاع مشترك  ، و كانت هذه الأخيرة حينذاك تحكمها قيادة متطرفة من حزب البعث الحاكم وتتحمل جزءاً كبيراً من خلق ذرائع لأسرائيل لشن عدوانها العسكري في ذلك العام على الدول الثلاث ، ومن ثم فقد عجز عبد الناصر عن تفادي الفخ  المنصوب له  بما يحفظ ماء وجهه وكرامته كزعيم وطني وقومي بلا منازع  . وتشاء المصادفات بأنه على الجانب السوفييتي حلت قيادة جديدة ممثلة في ليونيد بريجنيف شديدة الحذر المفرط من أي مواجهة جديدة مع أمريكا قد تتطور إلى حافة مواجهة نووية كما حصل في ظل القيادة السابقة ممثلة في خروشوف الذي تمت ازاحته من القيادة عام 1964. مع أن موسكو البريجنيفية هي نفسها التي أشعرت دمشق قبيل الحرب بوجود حشود اسرائيلية على حدودها مع إسرائيل؛ وأرسل عبد الناصر من جهته واحداً من أخلص وأكفأ رجاله -الفريق عبد المنعم رياض - لاستطلاع الأمر في طلعة جوية بصحبة فريق من كبار أركان القيادة السورية فتبين بأنها كانت حشوداً روتينية عادية! 

وعاد " خايب الرجا " شمس بدران وزير الحربية من زيارة له لموسكو ليلتمس منها دخولها الحرب عسكرياً إلى جانب القاهرة حال ما شنتها إسرائيل عليها؛ عاد بخفي حنين مدعياً حصوله على مثل ذلك الوعد! وما كان ذلك سوى وهم نسجه خيال رجل غير سياسي محترف ولا قائد عسكري كفؤ، فما كانت موسكو مستعدة لنصرة حلفائها عسكرياً بقواتها رغم إشعارها مقدماً سورياً بتلك الحشود العسكرية المزعومة. وقد وثّق وتابع السفير المصري مراد غالب وقائع مباحثات بدران مع القادة السوفييت التي حضرها، وتكشفت له خلالها مأساة بلاده بإقدامها على مغامرة خوض حرب مصيرية تحت قيادة مثل هذا الوزير الذي يصلح لكل شيء إلا أن يكون وزيراً للدفاع. والمصيبة الكبرى أن الزعيم عبد الناصر  وثق قبيل الحرب بأيام معدودة في ادعاء صديقه المشير عبد الحكيم عامر ، الذي وقف إلى جانبه في صراع ضباط مجلس قيادة الثورة على السلطة  فيما عُرفت " أزمة مارس 1954 " ، بأن الجيش على أهبة الاستعداد لخوض الحرب وسيحسمها لصالحه ؛ والغريب تصديقه إياه رغم علمه  بأن هذا " الصديق " كان رمزاً لفساد قيادة الجيش ، ورغم إطلاعه استخبارياً بأنه كان حتى قبيل الحرب غارقاً  في ملذات الحشيش والجنس مع نجمة الاغراء السينمائية برلنتي  عبد الحميد وغيرها من النجمات ؛ ورغم علمه أيضاً بأنه كان بطلاً لهزيمة حرب 1956 العسكرية حتى مع خروج  عبدالناصر منها  بأكليل الانتصار لفشل العدوان سياسياً واضطراره للإنسحاب من سيناء لاحقاً  ، حتى وجد نفسه ومتوجاً بتاج الزعامة القومية على امتداد الساحة العربية .

أكثر من ذلك فقد فشل المشير بعدئذ في اكتشاف مؤامرة الانقلاب العسكري على الوحدة المصرية - السورية وهي في مهدها قبل نجاحها في أواخر سبتمبر / أيلول 1961 والذي خطط لها مدير مكتبه في دمشق الجنرال عبد الكريم النحلاوي .ولتكتمل فصول مسرحية ملهاة هي من جنس " الكوميديا السوداء " لنكسة حزيران بفعل مواريث مفاعيلها المتجددة ؛ مات الزعيم الذي رفع شعار " إزالة آثار العدوان "  ، ويقصد به احتلاله سيناء فقط ؛ بعدما كان يرفع شعار تحرير فلسطين  ؛ نقول مات فجأةً دون إزالة آثار عدوانه في سيناء بعد أن استلم السلطة نائبه اليميني أنور السادات الذي راهن على أن 99% من الحل يملكه الأميركان ، وعقد مع إسرائيل برعايتهم صفقة كامب دافيد المشئومة التي بموجبها اُعيدت سيناء لمصر منقوصة السيادة . وبهذا فإن آثار العدوان التي نذر عبد الناصر في سنواته الثلاث الأخيرة لمهمتها قبل وفاته بعد النكسة بإزالتها؛ أي بتحرير سيناء ببسط سيادة مصر كاملة عليها ما زالت بعض آثارها متبقية إلى يومنا هذا، بسبب الشروط التي قيدت مصر عن ممارسة سيادتها العسكرية والأمنية فوق جزء حيوي ومهم استراتيجياً على حدودها الشرقية وهي الأخطر لتأمين أمنها القومي عسكرياً.

وعلى الجانب الفلسطيني فإن من وصفها عبد الناصر بأنبل ظاهرة جاءت بعد النكسة   " المقاومة الفلسطينية المسلحة” فقد أثبتت قيادتها بامتياز بأنها كانت ومازالت للأسف منذ انطلاقتها غير جديرة بالأمانة على قضية شعبها؛ بل مخيبة للآمال في تمثيل وقيادة شعبها متخبطة في وسائلها النضالية من أقصى اليسار (الكفاح المسلح) إلى أقصى اليمين بالمراهنة على اتفاق اوسلو والمفاوضات وهي مجردة من كل أوراق القوة.  

عرض مقالات: