تتأزم يوما بعد آخر أوضاع العراق على جميع الأصعدة، السياسية والاقتصادية والصحية والاجتماعية وعدّد ولا حرج، ويظل العراقيون مكتوفي الأيدي ينتظرون الفرج، وكأن الحلول ستسقط من السماء كالمعجزات، وهم يعلمون بغالبيتهم، بأنهم ينتظرون السراب، إن بقيت الأوضاع تقودها العواصف وتذروها الرياح، ولا سبيل للإمساك بها وتوجيهها بالشكل الذي يضع حدا لما يجري من استهتار حقيقي من لدن القوى السياسية التي لا تكترث لما يحيط بها من كوارث، قد تطيح بها هي ذاتها دون أن تحرك ساكنا، وبمهازل مضحكة في المواقف لا يمكن تصورها، تاركين كل ما يجري من اهوال حقيقية خلف ظهورهم، ومسارب المياه تجري من تحت اسرّتهم وكأنهم يعيشون في أكوان بعيدة، ولا ندري ما الذي دهاهم وهم يتقاتلون على المناصب والامتيازات ولا من سبيل يعيدهم الى رشدهم، مما دفع المراقبين ممن تعتريهم وبذهول هذه الحالات الغريبة وغير المألوفة، للتساؤل عن حقيقة ما يجري لهؤلاء الساسة بعد أن رهنوا البلاد والعباد في غياهب المجهول، مما جعل الهوة تتسع وتتعاظم، والتردي يسير من سيء لأكثر سوءا ولا من سبيل للخروج من هذه المحنة لبلد بحجم العراق، تاريخا ومجدا وحضارة وثراء  ووعيا ومكانة يهابها الجميع ويحسب لها الاعتبارات التي تستحق، إلا من سياسييها والطارئين على سدة القرار من القادمين من ملاذات واصقاع واديرة لا علاقة لها بهذا الوطن المعمّد بالدم والمحن والكوارث المتلاحقة التي ما توقفت يوما.

إن بلدا كالعراق خرج من سعير المحارق والحروب والمغامرات والكوارث وشتى صنوف الخراب، كان ينبغي أن يقوده ساسة وطنيون وشرفاء ومدافعون عن حقوق الشعب المسحوق والممزق والجريح، وإدارة بلد بعيدة عن حكم القانون والضوابط السياسية والأخلاقية والوطنية، لأناس حريصين على النهوض به ومعافاته واسعاد شعبه الذي ظل ولعقود طويله ينتظر الرحمة والفرج لإخراجه من كوارثه ومحنه، لا ان يحدث العكس، لتأتي فلول من الطارئين والجهلة وعديمي الضمير والطائفيين وانصاف المتعلمين وقبل كل شيء الحاقدين عليه، ليتسيّدوا سدة القرار ويشيعوا الخراب والفساد ومليشيات القتل الأرعن، علما ان هناك هوة سحيقة بين ما هم عليه بجهل مطبق لإدارة بلد مثل العراق وما هم عليه من غياب رؤيا في ادارته بحكمة وشرف وحرص وطني، لتعويضه لما فاته من تتالي النكبات على مدى عقود من الويلات والمغامرات والحروب الرعناء واستهداف الشرفاء من أبنائه البررة.

ونظل هكذا ندور في ذات الدائرة منذ ان حصل الحدث الفاصل بسقوط الصنم وحتى يومنا هذا بعد ان استنزفتنا سلسلة من المخاوف والملاحقات البوليسية الأثيمة لتفاصيل حياتنا، فتوزعنا شيعا وافرادا بين السجون والمعتقلات والملاحقات والتصفيات والاعدامات المجانية والمقابر الجماعية و... و...، حتى تقطّعت بنا السبل وامتلأت المداشر والاصقاع والمنافي البعيدة بأجسادنا المنهكة لنظل في ذات الحلم الذي لم يتحقق أبدا بالخروج من هذا الظلام الذي ظل مخيّما علينا دون بارقة أمل لاستقبال بصيص ضياء في نهاية النفق...

يلاحظ القارئ وهو محق في ذلك، بأننا نظل ممسكين بذات الوجع وصراخنا يتعالى يوما بعد آخر دون مثاب. ولكن لا سبيل لنهاية اوجاعنا ونحن ماكثين في ذات الدوامة بانتظار الخلاص الذي يأتي ولا يأتي، نصعد الى معارج السماء بأرواحنا المعذبة نصلّي لكل الأرباب والقديسين والمباركين، بفك الاشتباك في حياتنا التي لم نعد نعرف سبيلا للأمل إلا بهذي الصلاة التي نتوجه بها لمخلّصنا، الذي نتوهم بأنه هو الذي سيقودنا الى بر الأمان.

ذلك ما تبقّى لنا من فتات أمل ونحن نضرب اخماسا بأسداسٍ ونضاعف دعواتنا بيوم الانعتاق وبانتظار المنقذ والمخلص، ولكن يبدو ان صلواتنا تظل مجرد هواء في شبك. اليست تلك هي الطامة الكبرى لشعب ظل يستجدي الريح للخلاص من تراكم الهموم التي تجثم على صدره دون ان يستنهض قدراته الإنسانية وهي الأعظم إذا ما استفاقت من غفوتها لتخلق المعجزات وتحقق الهدف الأسمى للخلاص؟

إن الانتفاضة السلمية المباركة هي ما نعول عليها، لتبقى هي المخرج الوحيد من المحنة، بعد أن ظل الساسة الغارقون في فسادهم وطائفيتهم وسراب نعيمهم، بعيدين عن اية نية ولو بشكلها البسيط بالخروج من اغراءات الكراسي التي سوف لن تجلب لهم الا الويل والثبور وعظائم الأمور.

ليتعظ الغافلون والغارقون في احلامهم السوداء، أن الهبّة الجماهيرية إذا ما بلغت ذروتها وهي الأقرب اليهم من حبل الوريد، سوف تكون زلزالا مدمرا لا يعرف الرحمة أبدا، لأن الضيم وقود عظيم لإحراق الأخضر واليابس، ولعلهم غير بعيدين عن تصور ما تؤول اليه العواصف المدمرة إذا ما تعاظمت مدياتها بضغينة، لن يكون هناك سبيل لإيقافها، ولعل ذوي العقل والرجاحة يعون ما نقصد، وهم الأدرى بالدروس العظيمة لما حل بمن سبقهم، نريدهم فقط ان يتّعظوا وأن يعودوا لرشدهم، وهنا فنحن لطالما حذّرنا ونحذّر من النتائج الكارثية التي ستؤول اليها الأحداث، مثلما فعلنا سابقا قبل حدوث الطوفان واحتلال  البلاد من قبل الأجنبي وما سببه من مهانات للعراقيين قبل غيرهم، وما جرى لقائدهم الفذ الذي كانت ترتعد له الفرائص حتى تلك البعيدة والآمنة من بطشه، لما له من قوة مدمرة على البلاد والعباد، فأين وصل به الحال؟

نترك الجواب لمن ما زال في عقله ذرة من الوعي الآدمي، كي يعيد حساباته، وليعلم من نقصده من المغفلين، أن الحساب العسير لن يسقط لا بالتقادم ولا بالندم ولا بالهروب من المسؤولية، هذا إذا ما عملوا حسابا للقادم من الأيام وما تخبئه الأحداث من مفاجئات لا يعلم نتائجها المدمرة إلا ذوو الحصافة ومن يعطي للمخاطر حق نتائجها المدمرة

لم يتبق لنا إلا أن نحذر الحكومة الجديدة وعلى رأسها السيد الكاظمي الذي نأمل منه خيرا، أن يعجّل باتخاذ تدابير عاجلة لتطبيق برنامجه الحكومي من محاربة الفساد بقوة وعزيمة وحل المليشيات المنفلتة ومصادرة الأسلحة غير القانونية وإيلاء اهتمام خاص لتحقيق الخدمات الضرورية والعاجلة ومعالجة وباء كورونا بحكمة وصرامة وبفتح تحقيق في الكوارث التي لحقت بالبلاد مثل سقوط الموصل ومذبحة سبايكر وشتى أنواع العبث الذي مارسته القوى السياسية الفاسدة والأهم من كل شيء متابعة قتلة المتظاهرين ومحاسبتهم واسناده ووقوفه الى جانب الشباب المنتفض وتحقيق مطالبهم المشروعة وسواها من الإجراءات التي يقينا ستقرّب الشعب المتضرر من حكومته وتعيد الثقة بها ، إن تبنّت البرامج الوطنية الحقيقية.

ونحن بانتظار البشارة.              

عرض مقالات: