علمتنا الحياة بأن الإنسان إبن شروطه الإجتماعية التي ترعاها الحكومات وتصونها بقوانين وتشريعات مجبر على التقيد بها وعدم تجاهلها. ضمن هذا السياق فإن التغيير والإصلاح الذي تنشده جماهير شعبنا، وهي تمر بظروف إستثنائية تتطلب حلولا استثنائية، لا يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها، سيما وإن اقتصادها يعتمد كليا على ما يصدره من ثروته النفطية فحسب  ولهذا ليس من السهولة بمكان ان تسعى حكومتنا إلى زيادة ورادتها من مجالات أخرى، كفرض ضرائب على ما يدخل من بضائع خلال منافذ الحدود التي سيطرت عليها بعد 2003 المليشيات المرتبطة بأجندات الأحزاب الحاكمة وبدول الجوار . قبل حصر السلاح، بيد السلطة، وتحريرها من سيطرة المليشيات المنفلتة، كل ذلك يتطلب التريث ووضع برامج متدرجة في الرؤية والمضمون، بينما يستعجل المواطن في صيرورتها دون أخذه بالحسبان أن هناك اوليات تسبق ذلك ضرورية ومهمة، تلازمها ضرورات أهم، اي سياق الاهم على المهم، عند الخوض بصورة كاملة بعملية تصليح الاوضاع. مع ما صُعد من علاوات ومخصصات تراكمت تبعاتها عبر فساد وسحت حرام دام 17 عاما من حكم الاحزاب المتحاصصة. وهكذا فعملية الإصلاح السياسي التي جاءت بها خطط رئيس الوزراء في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي أحاطت بالبلاد منذ الحكم الدكتاتوري وأسقاطه وما تلاه، حيث ورث المجتمع العراقي  مشاكل عويصة تطلب الخوض بها، التصدي أولا، لمواقع الأحزاب المتحاصصة سياسيا وإقتصاديا وحتى أمنيا في مرافق الدولة كافة، بما في ذلك مراقبة التعينات وتخفيض رواتب وعلاواة المسؤولين وخاصة من يأخذ اكثر من راتب، ناهيك عن التصدي للأزمة الصحية التي أحاطت بالبلاد، ومخاوف نهوض المجاميع النائمة لداعش، وما يدعى اليه من الإستغناء عن مهمة الدول التي تحارب داعش وإيانا. في مثل هذه الاجواء تحرك رئيس الوزراء الجديد مبديا إستعداده، كما تدل تصريحاته وخطواته الى إظهار أنه بات يستمع لمطالب من يريد وطن، وهنا تكمن ضرورة الروية الثاقبة والشجاعة الكاملة في  التريث واسبقية اتخاذ الإجراءات الحازمة  

أن من أهم الإجراءات، إعادة الثقة التي فقدت بين حكومات الأحزاب المتحاصصة وخاصة من يسعى لإدامة نهجها المقيت (المحاصصة الطائفية والأثنية)، وبين الشعب. فعلى الرغم من تشكيلة الحكومة الحالية التي لم تبتعد عن ذلك النهج. بُدء  بإعادة عبد الوهاب الساعدي للخدمة في دائرة مكافحة الإرهاب بالإضافة الى ما تُعهد به للشعب بتشكيل لجان تحقيقية في كيفية قمع وأختطاف وأعتقال المتظاهرين الذين طالبوا سلميا بوطن غابت عنه حقوق المواطنة، ناهيك عن عزمة تشكيل لجان لإعادة النظر بقانون الإنتخابات والأحزاب في ظل تعنت الأحزاب المتحاصصة والذين يسعون لبذل ككل ما من شأنه ديمومة المحاصصة الطائفية والأثنية، لكون ببقائها يضمنون صيانة مساءلتهم وما سرقوه أثناء تربعهم وتعشعش رجالاتهم في دوائر الدولة. 

ففي في الوقت الذي واجهت فيه جماهير شعبنا بأن الامور لا زالت تسير بنفس الوتيرة الفاسدة ففي ملاحقة المتظاهرين، كما حصل في محافظة القادسية، نرى تصاعد إستهتار المليشيات المنفلتة لسد الطرق أمام مساعي الحكومة للنهوض ببرنامجها الإصلاحي، لتكون    العودة ليست بالسهلة لمواصلة ما تعهدت به في برنامجها الحكومي. فنشوب الصراع الخفي بين الفصائل المسلحة والذي بداء بالتصاعد عند تشكيل الحكومة تطبيقا لشعار الاحزاب المتحاصصة، بضرورة النهوض بالأفعال الإنتقامية، وخلق الأزمات المتلاحقة، على الرغم من أهمية عامل الزمن في مراعاة معيشة فقراء الشعب بإعتبار التعرض لها خطا أحمر ، وتقديم الخدمات لهم كخط أخضر، يترأسهما ملاحقة قتلة المتظاهرين السلميين، وتقديمهم للمحاكم، في حين لا يبتعد عن ذلك، التصدي للفساد وفتح ملفاته التي تم إغلاقها من قبل الحكومات السابقة. من هنا يظهر مدى خطورة الإستعجال والدعوة في إتخاذ خطوات سريعة بدون روية وتأني، تأخذ بالحسبان التقرب التدريجي لكل ما يمت بصلة تحقيق تطهير أجهزة الدولة وتطبيق قانون من اين لك هذا، ووضع شروط عدم السماح لمرتكبي الإغناء السريع بمغادرة الوطن. كما أنه ليس من الصحيح مقارنة بلادنا بما تمر به من مآسي وويلات بالدول المستقرة سياسيا  وأمنيا، بالإضافة لأخذ معيار معيشة وحياة شعوبها، كأوجه مقارنة بين حياتها وحياة شعبنا اليومية، أما آن الآوان لشعبنا أن يفرح .

عرض مقالات: