أن المقصود هنا هي الضوابط رقم (6) من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم(2) لسنة 2014، التي صدرت استنادا إلى أحكام أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم 87 لسنة 2004 وتعليمات تشكيلات ومهام دوائر وأقسام وزارة التخطيط رقم (1) لسنة 2012.

مدى الفائدة من وضعها وعملها

تتولى تلك الضوابط بيان الآلية المتبعة لدراسة الطلبات المقدمة إلى جهات التعاقد الحكومية من قبل المتعاقدين معها، للنظر في مدى انطباق طلباتهم من التوقف والتمديد مع تلك الضوابط المعدة من قبل وزارة التخطيط، ولا يخفى على القارئ والمتتبع والمراجع للدوائر والأقسام القانونية في وزارات الدولة ومؤسساتها أن يلاحظ وبوضوح التعقيد والتشابك والتعارض في انجاز العمل المطلوب؛ ولعل ذلك مرده إلى القانون (نص القانون) بشكل عام، والمبالغة في عدد الضوابط والتعليمات وتناولها دوما بالتغيير والتعديل وتعميمها على مؤسسات الدولة للعمل بما جاء بها ولا غرابة إذا قلنا أن تلك التعليمات تضر أكثر من أن تنفع وتكمن مضرتها في غموضها وعدم فهم المراد منها بصورة صريحة وواضحة ومباشرة من قبل الموظف المعني؛ وذلك لاحتوائها على جزء من تعليمات سابقه يكاد أن يكون العمل قد أستقر على آلية تطبيقها ونشوء جزء جديد في تعليمات جديدة يحمل نزعة الغموض والتأويل بعموميته واتساعه دون حصر؛ مما يضع الموظف المعني في حرج شديد حين التطبيق ويرجع بسلبيته على جودة العمل وخطورة على الموظف الذي عليه أن يصل في اجتهاده إلى المغزى الحقيقي للنص رغم انه (لا اجتهاد في مورد النص) وفقا للقاعدة القانونية؛ ولعل في ما تقدم ذكره يمكن لنا القول أن ما ورد بالضوابط رقم (6) الخاصة بتوقف وتمديد العقود من صفات تشابه ما تقدم بيانها.

من حيث السمات الشكلية والموضوعية

تحمل هذه الضوابط بين ثناياها نزعة غموض واسعة بحاجة دوما إلى التفسير، كونها تكون مختصرة جدا وواسعة جدا بنفس الوقت ولا تفسر سند الطلب بطريقة قانونية منطقية استدراكية تحاكي فلسفة العقد عند التطبيق في المفهوم العام والخاص للفقرات المعدة من قبلهم؛ بل رمت ذلك على اللجنة التي تشكل في جهات التعاقد المكلفة بالنظر والبت في تلك الطلبات، ولا يخفى على الجميع أهمية هذه اللجنة وخطورتها في حالتين الأول: عند تشكيلها واختيار أعضائها الذي يجب العناية في التفضيل والترشيح وحسن السيرة لتمثيل تلك اللجنة التعامل مع حقوق الدولة وأموالها العامة والثاني: عند تعامل اللجنة مع الطلبات المقدمة من قبل المتعاقدين مع المؤسسات الحكومية والذي يكون الأساس القانوني في ذلك هو الرجوع إلى تلك الضوابط والتعليمات لغرض مناقشة الطلب المقدم وإعداد محضر بذلك إلى رئيس جهة التعاقد لغرض تصديقه، ويرافق عمل هذه اللجان صعوبات شديدة بسبب ما أغفلت عنة وزارة التخطيط عند إعداد هذه الضوابط والتعليمات التي أعدت على عجالة ونقص في الأحكام، ولعل المشتركين في تلك اللجان في مؤسسات الدولة من القانونين والمهندسين يدركون نقص هذه الضوابط بسبب ما تحتويه من نزعة غموض في بيانها لأسباب التوقف والتمديد في العقود التي تبرمها الدولة على صعيد عقود المقاولات والتجهيز وعقود الخدمات الاستشارية وغير الاستشارية، فلن تقدم هذه الضوابط أي حلول أو طريقة قانونية صحيحة للتعامل مع فلسفة التوقف والتمديد للعقود الإدارية حيث تركت أمر التوقف فيما إذا كان ضروريا من عدمه لجهة التعاقد وهذا برأينا ليس بمنطق قانوني صحيح لكون أن التوقف دائما ما يضر بالدولة ويؤخر تنفيذ العقد عن المدة المحددة فيه وهذا ما شهده العراق في جميع أعمال البناء من تلكؤات في التنفيذ وشركات غير رصينة ولو رجعنا إلى أصل السبب لوجدناه هو عدم وجود ضابط حقيقي يلزم المقاول عند توقفه للعقد لأسباب لن تطلبها الإدارة.

ثغرات بحاجة إلى تلافيها

أن الضوابط منحت أولئك المتعاقدين قدرا من التلاعب تحت غطاء قانوني عندما منحتهم حق تمديد العقد لظروف استثنائية ولن تحدد ما هي الظروف الاستثنائية الممكن حدوثها وعلى أساس ذلك أصبح المتعاقدين يمررون طلباتهم بالتمديد على ضوء تلك الفقرة، ناهيك عن أن تمديد العقد يكون اخطر من التوقف كون يحق للمتعاقد الحصول على سلفه مالية نتيجة التعذر بالظروف الاستثنائية، وأيضا عندما منحته فرصة أخرى للتلاعب في أسباب التوقف تحت بند (الأحوال المناخية التي تؤثر على سلامة التنفيذ) والمعروف للجميع أن طبيعة الأجواء في العراق غالبا مستقرة في فصولها الأربعة، ولا يحدث من غضب للطبيعة في فصل الشتاء ما يؤثر على استمرار سريان تنفيذ العقد حيث يستغل ذلك المتعاقدين في أيام المطر والتذرع بصعوبة وصول العمال لموقع العمل بتمرير طلبات توقف مستندين في ذلك على البند أنف الذكر بعد تأييد اللجنة الهندسية المكلفة بمتابعة المشروع من قبل جهة التعاقد والتي تكون موافقتها في أغلب الأحيان ملزمة للجنة التوقف والتمديد للموافقة من الناحية الموضوعية بعد التأكد من الناحية الشكلية الخاصة بمدد تقديم الطلب، وحيث حقيقية طلب التوقف يرجع إلى محدودية الإمكانات المالية للمتعاقد أو حدوث عجز مالي مؤقت فيعمل على توفير غطاء قانوني له بتمرير طلب التوقف وحيث حددت مدة التوقف في الفقرة(أ) من المادة (4) (90) يوما في عقود المقاولات وحددت الفقرة (ب/ من المادة ثانيا) (15) يوم لعقود التجهيز والخدمات غير الاستشارية و(60) يوم في عقود الخدمات الاستشارية فيلجأ إلى استغلال هذه المدد بدلا من احتساب غرامات تلكؤ نتيجة توقفه عن العمل وهي حالة أصبحت شائعة في الآونة الأخيرة نتيجة ما يمر به البلد من ظروف أمنية غير مستقرة وما تشهده الساحة العراقية من احتجاجات مستمرة نتيجة المطالبة بتحسن الوضع الخدمي جعل مثل هذه الطلبات تتزايد أمام المؤسسات الحكومية، والجدير بالذكر أن جهات التعاقد ونتيجة تضررها من ذلك ملزمة هي الأخرى بتضمين فقرات العقد بنفس الفقرات الواردة بالضوابط والتعليمات، ولو أتاح الأمر لجهة التعاقد من سلطة تقديرية لفرضت شروطها وقيدت المتعاقد ببنود العقد التي يكون لها الأولوية على الضوابط، ونرى أنها حسناً فعلت عندما قيدت المتعاقد بعدم التعذر بالظرف الأمني كعارض توقف أو تعذر عند تنفيذ التزاماته التعاقدية وإلا لكان الوضع لا يحمد عقباه نتيجة الصعوبة البالغة في استقرار الوضع الأمني في العراق مما يعرض أموال الدولة إلى الاستنزاف وعقودها إلى الضياع. تقدير الحلول الممنوحة ولو أمعنا النظر بالحلول التي رسمتها الضوابط بعد استنفاذ المدد المشار إليها فيما تقدم نجد أنها حلول إنشائية غير منتجة وصعبة التحقق ومكلفة على مستوى الوزارة أو الدائرة بان يتم دفع مستحقات المتعاقد عن الأعمال المنجزة والنظر في إمكانية استئناف العمل بعد زوال القوة القاهرة وفي حالة استمرار أسباب القوة القاهرة فبالإمكان إنهاء العقد باتفاق الطرفين بسبب استحالة التنفيذ نتيجة القوة القاهرة؛ وإذا أردنا التعقيب على ما تقدم من حل في الفقرة (2/من ثانيا من المادة الرابعة من الضوابط سالفة الذكر) أن الأصل القانوني لنظرية الظروف القاهرة في العقود الإدارية محدودة جدا وهي محصورة في نظريتي (الظروف الطارئة وفعل الأمير) وهي من خلق وابتداع القضاء الفرنسي، إما ما يحدث في العراق فهو جميعه راجع للظرف الأمني وإذا أردنا أنصاف ذلك الحل في هذا الوقت فهو ينطبق من حيث الأصل على حالتين الأولى: اجتياح داعش الإرهابي للأراضي العراقية وباتت سيادة الدولة على أراضيها محصورة في نطاق محدد فهو ليس بسبب من المتعاقد ولا دخل للإدارة فيه ويكون عندئذ سبب أجنبي قاهر، والثاني: هو حدوث جائحة كورونا الذي أوقفت العالم بأسره وشلت جميع الأعمال العامة والخاصة وما عداها من وجهة نظرنا المتواضعة لا تطبيق صحيح لها ولا يمكن للمتعاقد الاحتجاج بذلك وكان من الأفضل على من أعد هذه الضوابط تحديد الظرف الاستثنائي أو ما لا يمكن للمتعاقد المطالبة به من قبيل الظرف الاستثنائي ويترك للإدارة السلطة التقديرية في نظر الطلب حسب قناعاتها وكفاءة المتعاقد ونسب انجازه من العمل.

التفريط بحقوق الدولة

ومن ضمن ما فات على معدي هذه الضابطة أن فقراتها تتعلق بتنفيذ عقد إداري عام ممول من أموال الدولة العامة وعقدها حينئذ عقد إداري يتعلق بنشاط مرفق عام ويستهدف إشباع حاجة عامة، فلا يمكن منح المتعاقد مزية على حساب الدولة وأموالها في غير محل من القانون وعندها لا يمكن منح المتعاقد رخص قانونية معطلة للعمل لا نجد ما يشابهها في دول أخرى ذات تجربة في مجال القانون والعقد الإداري بل يرفع درجة التزام المتعاقد مع الظرف السائد من خلال بنود العقد وعدم التذرع بأي ذريعة خارج نصوص العقد وبعيدة عن الأسباب السطحية الممنوحة للمتعاقد العراقي، وحيث تبين ذلك من خلال شركات المقاولات العامة المتعاقدة مع الحكومة المصرية التي ظلت ملتزمة بتنفيذ أعمالها إثناء قيام ثورة يناير المصرية على الرئيس المصري المرحوم حسني مبارك واستمرت كذلك بعدها رغم ما شهدته البلاد من اضطرابات وغياب للأمن والجيش في بعض مدن وأقاليم الجمهورية؛ ولعل ذلك أساسه هو الالتزام ببنود العقد المتعلق بالتعامل بالمال العام.

التعامل مع الشركات العامة

لم تبين لنا الضوابط إجراءات توقف وتمديد العقود مع الشركات العامة التي ألزم قانون الموازنة بالرجوع لها قبل التعاقد مع القطاع الخاص الذي يغلب على تنفيذها الضعف والتلكؤ والتقصير وتواجه مؤسسات الدولة معها حرج شديد في انجاز أعمالها فما مصيرها من هذا التوقف؟ وهل يمكن بعد توقف لمدة أكثر من السنة أن يتم إنهاء العقد مع عدم احتساب مدة التوقف مدة تأخير واستحصال غرامات تأخيرية على تلك الفترة لكونها شركة عامة وباتت اغلب المؤسسات والشركات العامة تعلب دور الوسيط بإحالة العقد عليها والتنفيذ من قبل القطاع الخاص، ولا تعلم الجهة الحكومية المتعاقدة مدى صدق الطلب والأحقية في فرضه بل أن هناك إلزام بمنح التوقف والتمديد للشركات العامة لتعظيم مواردها والأصل إن التلكؤ هو حاصل من قبل الشركات الخاصة التي تتشفع لهم مؤسسات الدولة الوسيطة بما تحمله من كرامات قانونية باعتبارها شركة عامة فضلا عن استثنائها من جملة من الشروط؛ على أن يبقى مصير الغرامات يصارع الزمن وفي أحيان أخرى تعفى منه بسبب مفاتحة جهات عليا بذلك. الحل والإصلاح ما من حل أو أصلاح لرفع الغموض من توقف وتمديد العقود الحكومية إلا من خلال تشريع قانون للعقود الحكومية العامة تراعي فيه فلسفة العقود المبرمة من قبل مؤسسات الدولة وأموالها العامة القائمة على السرعة والجودة في التنفيذ أو حلها بشكل وقتي عن طريق منح دوائر العقود في وزارات الدولة ومؤسساتها سلطة تضمين عقودها ما تراه يتناسب مع الظرف الراهن وما عانته من خروقات مع المتعاقدين كونها الأقدر على مراعاة ذلك واستنادا إلى القواعد العامة في القانون على أن تتولى ذلك بالتعديل كلما دعت الحاجة له وكما معمول به في فرنسا ومصر ودول الخليج العربي التي احدثت الأخيرة نهضة شاملة في تشريعاتها تلمس من خلال نهضة الأعمار والبناء الواضحة التي ترجع في أساسها إلى اللبنة القانونية الصحيحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
رئيس مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية

عرض مقالات: