كم تمنيت لو كنت رسامًا لرسمت العراق كما تخيلته دائماً، عملاقا كبيرا، دفعه من حوله الى وادي سحيق، وهو يحاول جاهداً النهوض وتسلق جبل الصعاب للوصول الى حيث يستحق ان يكون، او الى حيث جيرانه من الدول، وسأرسمه وقد أحاطت به مجموعةً من الايدي الشيطانية الخبيثة التي تدفع به الى القاع، محاولة ان تسقطه وتبقيه في الهاوية حيث يتمنى له اعداؤه وخصومه وحساده، وبالرغم من انها لم تنجح في اسقاطه لكنها قد تمكنت من إيقاف تقدمه، بل وحتى ارغامه على الرجوع الى الخلف في العديد من المرات.

ولن يفوتني ان ارسم في جسد العملاق اوردة، هي الوزارات والهيئات والمؤسسات والنظام السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، الذي مع كل تقدم او تراجع، كان من المفترض ان يرفد العراق بالطاقة والموارد المطلوبة لدفعه الى امام ، وسأرسم قلب العملاق، يغذي أوردته بما فيها، ولن يكون هذا القلب سوى كرسي رئيس الوزراء الذي  يجب ان يكون العقل والقلب والإرادة الذي  يدفع به نحو التقدم ، لتسلق جبل الصعاب والابتعاد عن الهاوية، مستعيناً بما عندنا من كنوز طبيعية وثراء سكاني، وتاريخ وامتداد في عمق الحضارة الإنسانية، ولكن المفارقة التي لن تفاجئ الكثير أن هذا المنصب وهذا الكرسي نفسه قد يكون احد الاذرع التي تدفع البلاد نحو الهاوية والفوضى، اذا كان تابعاً او شكلياً او فارغاً وشاغراً واقعا كما هو الان.

قد يتفق العديد  معي  في ان البلد يمر اليوم بمرحلة خطيرة جداً حيث تحيطه ايدي اعدائه وتدفعه بقوة وشراسة للسقوط الى الهاوية السياسية والاقتصادية، ويعينهم على ذلك فشل القوى السياسية المتنفذة وأحزاب السلطة المسيطرة على المشهد السياسي للبلاد في إدارة الأمور والاتفاق على مرشح لشغل منصب رئيس الوزراء لأسباب عديدة تتعلق بالمناصب والكراسي والغنائم والاموال والمحاصصة، وقد لا يكون للوطن والمواطن مكاناً في  هذه القائمة، من دون ان يعبئ اصحاب  القرار بفقر الشعب وجوع الملايين من أبنائه، وبالبطالة  او تراجع مستوى الخدمات الأساسية، ولا هم  شاعرين بالتهديد الحقيقي لجائحة كورونا، وضعف نظامنا الصحي، ولا مهتمين بانهيار الأسعار العالمية للنفط، وما قد يؤدي اليه من عجز الحكومة عن دفع حتى رواتب الموظفين، وخصوصاً في ظل العجز في موازنات البلاد السنوية، ولماذا عساهم يهتمون ويقلقون او يبحثون عن الحلول الحقيقية ؟ فالموظف البسيط موجود وجاهز ليكون الوسيلة لسد قيمة هذا العجز من جيبه الخاص، ومن قوت أبنائه وفقًا للادخار الاجباري، بعيداً عن الحلول الحقيقية ليتحمل بذلك المواطن تبعات سوء الإدارة والفساد المالي الذي قامت كل الحكومات المتتابعة بدور البطولة المطلقة فيه.

ان السياسي العراقي في سعيه لتقاسم المناصب وتقسيم السلطة لم ولن يتلمس المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والاخفاقات الحكومية وهي تتراكم وتتجمع طوال السنوات السابقة لتكون عبئا ثقيلاً على اكتاف العراق وهو يتسلق جبل الصعاب حتى لقد كادت ان تسحقه، وكلما تقدم خطوة تضاعف حجم الإخفاقات التي يحملها مجبوراً على كتفه، حتى تحول هذا العبئ الثقيل الى جبل من الفساد والفشل وسوء الإدارة يدفعه نحو الهاوية اكثر واشد مما تدفعه اذرع اعدائه التي تحيط به.

ان القوى السياسية والحزبية العاجزة عن الاتفاق على منصب رئيس الوزراء، والمنشغلة بالجدليات ومحاولات فرض الأسماء الضعيفة او المشبوهة او المتحزبة والتي تخدم مصالحها على حساب مصلحة الوطن والمواطن، لم تلتفت لتشاهد جبل الفساد الذي يعتلي كتف العراق وهو يتحول شيئاً فشيئاً الى بركان بفعل غضب الشارع العراقي وانتفاضته التي اشعلت شرارته والتي قد تفجر هذا البركان لتحرق العملية السياسية، بخيرها وشرها، وبما حملته من فساد وافساد وسوء إدارة، بل وحتى سوء الطالع للشعب العراقي.

 نعم ان الرسم اكتمل الان ، انها صورة العراق يتسلق جبل الصعاب وهو يحمل على كتفيه بركانا يكاد ان ينفجر.

قد تكون الفرصة الان هي الأخيرة للأحزاب السياسية المعنية لاختيار ودعم رئيس وزراء قوي وكفوء وقادر على العبور بالشعب الى ضفة الأمان، والابتعاد عن التفكير الحزبي الضيق او الطائفي القائم على أساس مصالحهم الشخصية ومكتسبات احزابهم المادية، وبخلاف ذلك فان شعب العراق وشبابه الذي لا يزال يحاول صعود جبل التحديات سيفجر جبل الفساد الذي اثقل كاهله، بركان غضب يحرق به كل من وقف ويقف في طريقه.

عرض مقالات: