طريق الشعب
كثيرة هي الاسئلة ذات العلاقة بالدستور التعديلات الدستورية وبالقوانين وبالاصلاح القانوني واستكمال التشريعات ومستوى عملية التشريع وعلاقة مجلس القضاء مع المحكمة الاتحادية، والعديد غيرها من القضايا المهمة في هذا الميدان.. التي كانت وما زالت تشغل بال الموطنين، ويرغبون في الحصول على اجابات شافية عليها.
بعض من هذه التساؤلات حملناه الى الخبير القانوني المعروف القاضي هادي عزيز علي وطرحناه عليه، فاستجاب لنا مشكورا. وفي ادناه ننشر القسم الاول من مقابلتنا معه، على ان نعود في عدد جريدتنا المقبل الى القسم الثاني والاخير.
*غالبا ما تطرح في ايامنا هذه مسألة تعديل الدستور وضرورتها، باعتبارها شرطا للتقدم الى الامام على طريق تغيير الواقع السياسي في بلادنا، وأقامة دولة القانون والمؤسسات. كيف تنظر الى هذه المسألة والى الاصلاح الدستوري عموما ؟
اذا كان الشطرالاول من السؤال قد تناول التعديل الدستوري وضروراته فهذا يعني الاقرار بهذه الوثيقة باعتبارها النص الدستوري الضابط للايقاع السياسي في البلد. فنكون والحالة هذه ملزمين بأتباع الالية التي رسمها الدستور لتعديل نصوصه. وللتعديل هنا خصوصية تتعلق بدستورنا هذا كونه يصنف من ضمن الدساتير الجامدة وربما الاكثر جمودا، اذ للدساتير الجامدة احكاما تختلف عن الاحكام الواردة في الدساتير المرنة.
ما يقوله فقهاء وشراح القانون الدستوري هو ان الدستور بمعناه الوضعي يستمده جوده من الارادة السياسية للشعب صاحب السيادة. وتعد هذه الارادة المنشئة للمشروعية السياسية التأسيسية للدستور، وهي التي تقوم بانشاء سلطة اصلية تتولى وضع الدستور. وتستمر الارادة السياسية ذاتها عندما تتولى سلطة فرعية مخولة من السلطة الاصلية، للقيام بمهمة تعديل الدستور، على ان تلتزم السلطة الفرعية بالاحكام والقواعد التي تحددها السلطة الاصلية.
ومعلوم ان الدستور قد وضع من قبل سلطة اصلية هي التي انجزت الوثيقة الدستورية المتداولة بين ايدينا. وهذه السلطة الاصلية هي التي بينت الكيفية التي بموجبها يتم تعديل الدستور (المادة 126) منه وكذلك حكم المادة 142 منه الذي نص على اللجنة (الفرعية) التي تأخذ على عاتقها مهمة التعديلات الدستورية وعلى وفق الالية المرسومة فيها. ويلاحظ ان كتبة الدستور اعتمدوا ما استقرت عليه الاراء الفقهية في الطريقة التي تتم بها تعديل النصوص الدستورية.
الان وحيث ان الجيل الذي اقام الدستور يعد جيلا مغادرا قدر تعلق الامر بالتطورات والمتغيرات التي شهدها الشعب العراقي والتحولات في الرؤى والافكار التي طرحتها ساحات الاحتجاج، فضلا عن التحفظات التي يملكها الكثير من المواطنين على هذا النص الدستوري او ذاك، كل ذلك يعد ضرورة ملجئة لاجراء التعديلات الدستورية لكي تكون منسجمة مع ارادة الشعب وطموح شبابه. الامر الذي دفع مجلس النواب الى تشكيل لجنة نيابية لكتابة التعديلات الدستورية المطلوبة، ولما كانت تلك الجنة تنتمي للجيل المؤسس وأفكاره ورؤاه هو ذات الجيل وتحت ظل حكمه انتشر الفساد وترسخت المحاصصة وتأصلت الطائفية وفقد الامن وانتهكت الحقوق وعمت البطالة وسادت موجات النزوح والتهجير. فان هذا يعني ان التعديلات الدستورية وبهذه الطريقة لم تأت بجديد.
ومن قراءتنا للنصوص الدستورية نجد ان هناك مواضيع توجب على المشرع الدستوري اخذها بنظر الاعتبار وحصرها بغية المباشرة بكتابة التعديلات وهي :

الموضوع الاول.. الدين والدستور

1 – يلاحظ ان العديد من النصوص الدستورية توظف الدين – لاغراض سياسية - في الوثيقة الدستورية ووجودها بالشكل المنصوص عليه يحول دون بناء دولة المواطنة ومؤسساتها (اكثر من عشرة مواد دستورية). منها على سبيل المثال: النص الذي لا يجيز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام (المادة 2 \ أ) منه. السؤال من هي الجهة المختصة والمكلفة ببيان ان هذا النص يتعارض مع الثوابت ؟ والجواب ان رجل الدين هومن يقوم بذلك ومن ضمن موقعه الرسمي الذي سيوضع فيه. ان رجل هذا الدين وضمن تكوينه الفكري والدوغمائية المترسخة في ذهنه وعقيدته الطائفية، كيف يقرأ لنا معنى (ثوابت احكام الاسلام)؟ وما هي هذه الثوابت؟ أوهل ثمة اجماع عليها من قبل المذاهب المختلفة؟
هنا نحن امام اشكالية حقا، فكل مذهب من المذاهب يعتقد ان مذهبه هو المعني بثوابت احكام الاسلام والمختلف معه صاحب بدعة، لان ما يعد من الثوابت في هذا المذهب لا يعد كذلك عند المذهب الاخر، وهنا تحشرنا النصوص الدستورية هذه في المعترك الفقهي المعطل لبناء الدولة المدنية.
ولبيان معنى الثوابت نذهب الى حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر عندما نظرت في الطلب الذي يطلب فيه مقدمه الحكم بعدم دستورية قانون الخلع لتعارضه مع مباديء الشريعة الاسلامية. فاصدرت المحكمة المذكورة حكما يتضمن: ان مبادي الشريعة الاسلامية والمقصود بها ثوابت الاحكام الاسلامية تعني (الاحكام القطعية) والاحكام القطعية بالمفهوم الاسلامي هي الاحكام التي لا يجوز الاجتهاد بها، وكل امر جاز الاجتهاد به يعد من الاحكام الظنية والاحكام الضنية منتج فقهي (بشري) موضوعه الاختلاف مع الاخر. ولما كان الخلع مختلف عليه وفيه اجتهادات قررت المحمكة رد الطلب.
وتبرز المشكلة لدينا بشكل مؤثر في الجانب التطبيقي. فعلى سبيل المثال ان المذهب الجعفري يعتبر الامامة من ثوابت احكام الاسلام باعتباره حكم قطعي، نجده عند الاحناف حكم ظني لجواز الاجتهاد به وبذلك فهو ليس من الثوابت. وهكذا نجد النصوص الدستورية بدلا من تنظم حياتنا وتأتي لنا بالحلول نراها تزيدنا هما جديدا يعرقل خطواتنا نحو التقدم.
2 - ومثال آخر يحيلنا الى نص المادة 41 نت الدستور التي تنص على: (العراقيون احرار في احوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم...). وهذا النص يعني تغليب الحكم الفقهي المذهبي على نص القانون. لتوضيح ذلك نضرب المثال التالي : سن زواج البنت في المذهب الجعفري تسع سنوات ولدى الاحناف سبع عشرة وعند الشافعية خمس عشرة وفي قانون الاحوال الشخصية النافذ ثمان عشرة سنة. فاذا طبقا نص هذه المادة وان العراقيين احرار في احوالهم الشخصية حسب مذاهبهم فهذا يعني ان العراقيين غير متساوون امام القانون خلافا لما تشترطه المادة 14 من الدستور فضلا عن ان هذا النص يعطل احكام المادة 5 من الدستور التي تقضي بسيادة القانون.
3- خبراء الفقه الاسلامي وعضوية المحكمة الاتحادية العليا المادة 92 من الدستور سنأتي عليه عند تناول موضوع المحكمة الاتحادية العليا.
هذه النصوص الموظفة للدين في الوثيقة الدستورية وسواها من النصوص الاخرى هي النصوص الجديرة بالمراجعة عند اي توجه للتعديل الدستوري لكونها مثبطات للدولة وبنائها المؤسسي وتستهلك الجهد والوقت وتحول دون مغادرتنا مرحلة ما قبل الدولة.

الموضوع الثاني.. حقوق الانسان

حقوق الانسان – الباب الثاني من الدستور بفصليه الاول والثاني تضمنا الحقوق والحريات، كالحق في الحياة والحق في الخصوصية والحق في الجنسية والحق في ان يكون القضاء مستقلا وحق المشاركة في الشان العام فضلا عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اضافة الى الحريات كحرية التعبير وحرية الفكر والعقيدة وحرية العبادة والحرية في التنقل السكن وسواها من الحريات والحقوق الاخري.
هذه الحقوق تعود بمرجعتها الى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المصادق عليهما من قبل العراق بالقانون رقم 193 لسنة 1970 لذا فهما يشكلان جزءا هاما من النسيج التشريعي العراقي، هذا اولا، اما ثانيا فأن نصوصهما يشكلان جزء من احكام القانون الدولي الانساني، وهي من وجهة نظر فقهاء القانون الدستوري: (القواعد القانونية فوق الوطنية) ويقصد بها مجموعة القواعد المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية والتي تحتل مرتبة اعلى من نصوص الدستور شرط اعتناقها من قبل الدستور ذاته.
والمفترض بعدم جواز تعديل الحقوق والحريات الاساسية الواردة في الباب الثاني من الدستور بأعتبارهما من ضمن القواعد القانونية فوق الوطنية. الا ان المادة 126 \ ثانيا من الدستور اجازت تعديلهما وعلى وفق الالية المذكورة في الفقرة المذكورة، والخشية من القوى السياسية الممسكة بالسلطة والمعبأة بالفكر المناهض لحقوق الانسان من استخدام هذا النص لهدم كل ما احتواه الباب الثاني المذكور اعلاه، وان لا يطال اي تعديل احكام هذا الباب في المشروع المقترح للتعديل الذي تبناه مجلس النواب.

الموضوع الثالث.. دولة اتحادية من دون مجلس اتحاد

الفرع الثاني من السلطة التشريعية هو مجلس الاتحاد (المادة 65 من الدستور) وهو الجزء الفاعل في العملية التشريعية في كل دول العالم التي تتبنى هذا الموضوع. والمفترض ان يؤسس استنادا لقواعد ونصوص دستورية، الا ان المشرع العراقي سلك سلوكا تشريعيا غير مفهوم، اذا انه اغدق النصوص الدستورية كلها ومن دون استئناء الى مجلس النواب، ولم يترك لمجلس الاتحاد اي نص يتعلق به والادهى والامر ان تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته وكل ما يتعلق به تركها الى القانون الذي سيسنه مجلس النواب، اي ان المشرع هبط بهذه المؤسسة الفاعلة من مستوى القاعدة الدستورية الى مستوى القاعدة القانونية وهذا وضع مهين لهذه المؤسسة، الامر الذي يدفع الى القول ان المشرع الدستوري وتحسبا من تنمر مجلس الاتحاد على اجراءات مجلس النواب فقد ترك للاخير صلاحية الغاء قانونه ما دام يملك صلاحية الغاء القوانين. والرأي لدينا ان مجلس الاتحاد يجب ان يكون بصلاحيات ينص عليها الدستور مع تشريع قانون يسهل اداء مهامه. هذا المقترح يجب ان تتضمنه اية تعديلات المقترحة.

الموضوع الرابع.. نصوص دستورية بحاجة الى مراجعة

1- يتكون مجلس النواب من عد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة، هذا النص ثبت عدم جدواه وعدم فائدته لا بل جاء باثار سلبية عديدة، فضلا عن كونه مساهم في تورم هذه المؤسسة كلما زاد عدد السكان اذ بلغت الزيادة بحدود التسعين عضوا منذ تشريع الدستور ولحد الان والرقم في زيادة مستمرة. كان الاحرى البحث عن اسباب موضوعية تحكم العدد المطلوب لعضوية مجلس النواب بغية ترشيقه ليتمكن من تقديم اداء افضل للمواطنين وبكلفة اقل. ( المادة 49 ) منه.
2- الامتيازات والعطايا والحقوق والحصانة الممنوحة لاعضاء مجلس النواب والوضع الباذخ الذي هم فيه عقّد التعقيب القضائي للفاسدين وقيد حركة السلطة القضائية ورغم حجم الفساد الموجود لدينا والمعروف عالميا الا ان السلطة القضائية لم تستطع التحقيق مع المشتبه بهم او القائمين عليه واحالتهم الى المحاكم المختصة مما دفعهم الى الاستخفاف بالقانون وساهم في كسر القاعدة الدستورية القائلة بسيادة القانون، وبدلا من يكون هؤلاء ممثلين لارادة الناخلين دفعهم وضعهم الى البيروقراطية والتعالي على المواطنين. لذا يجب اعادة النظر باحكام المادة 63 من الدستوروايراد نصوص دستورية كابحة للتشريعات المشرعنة لهذا الوضع.
3 – العيب النصي للمادة 76 من الدستور الذي الزم المحكمة الاتحادية بأن تقول أن الكتلة الاكبر هي التي تتشكل تحت قبة البرلمان من برلمانين اكتسب وضعهم القانون صفة العضوية غير المطعون فيها، وبذلك غير المشهد السياسي من الحزب او الكتلة الفائزة في الانتخابات والتي تعرفها النظم العالمية للانتخابات والمخولة بتشكيل الحكومة الى الكتلة المتشكلة داخل البرلمان المحكومة بالمصالح والمحاصصة والتوافقية السلبية التي افرزت مجموعة قيادية اوليغارشية تتحكم بمصير البلد وتقمع كل توجه يسعى للبدء بالبناء المؤسسي للدولة وتتصدى لكل القوى الخيرة النازعة نحواعتماد المواطنة والمطالبة بالوطن ولو جاء من سوح الاحتجاج.
4 - العراق جمهوري نيابي حسبما تنص على ذلك المادة (1) من الدستور. وهنا ينهض السؤال التالي : هل ان النظام البرلماني الذي اوصلنا الى ما نحن فيه سببه سوء التطبيق من قبل السياسين للنص الدستوري ؟ فاذا كان الجواب بالايجاب فهذا مؤشر على الخلل الذي اصاب عمل هؤلاء وبالامكان تلافي الخلل اداريا. ولكن اذا لم يكن الخلل من قبل هؤلاء وان الاداء كان سليما فمعنى ذلك ان العيب في النص الدستوري الذي يلزم المشرع الدستوري تبني نظام اخر كأن يكون النظام المختلط. واذ ثبت هذا الافتراض فالمراجعة الدستورية مطلوبة.
5 – الهيئات المستقلة – المفوضية العليا لحقوق الانسان الموزعة حسب الحصص وتحت خيمتها انتهكت الحقوق وقمعت الحريات، تحت سقف هيئة النزاهة ولد وترعرع الفساد وتمكن من الامساك بتلابيب الوطن ليبسط البطالة وينشر الجوع ويوطن المرض. والبنك المركزي الذي يفترض ان يكون واحدا من مؤسسات الدولة رفيعة المستوى والضابطة للايقاع المالي والنقدي للوطن الا ان واقع الحال يحوله الى دكاكين لتصريف العملة ويساهم في المشكلة المالية والنقدية، الادارة الانتخابية ممثلة في الهيئة العليا في الانتخابات التي افرزت لنا هذا الوضع السياسي العقيم حيث نشكوا فضلا عن بقية الهيئات. اذ وردت النصوص مرة تشير الى ارتباطها بمجلس النواب وتارة اخرى تخضع لرقابته او مسؤلا امامه. ومؤسسات بهذه الاهمية لم توضح النصوص الجهة المعنية بمحاسبتها والمسؤولة عن نشاطها من التاديب والمساءلة لذا يجب ان تكون النصوص المتعلقة بها من الشفافية التي تمكنها من تقديم خدماتها للمواطنين. المادة 102 من الدستور).
6- تجربة المحافظات غير المرتبطة باقليم - اثبتت التجربة فشل هذه التجربة منذ قيام الدستور الى يومنا هذا الخراب عم الجميع خاصة محافظات الوسط والجنوب فضلا عن الفساد الذي التهم كل ميزانياتها، فما يقرب من العقدين من الزمن امام الوضع المريع في تدني الخدمات وسؤء الادارة تجعلنا امام نصوص دستورية مؤسسة للهذا الوضعومن المنطق ان يجري التفكير جديا للبحث عن النصوص الدستورية البديلة.
7 – النصوص الدستورية المنحازة للهوية الجزئية والطائفية منها على وجه الخصوص رسخت حالة التشظي من خلال الاحتماء بالهوية الجزئية تلك، وهمشت موضوع المواطنة وفقد الوطن خيمته التي يحتمي بها الجميع، وجعلنا امام الحالة الصعبة التي تحول دون اعادة الاجيال الجديدة الى حضن الوطن - رغم التفاؤل الذي زرعته ساحات الاحتجاج – هذه النصوص الدستورية بحاجة الى مراجعة فعلا.

نظم الاقتراع السياسي

* من تعديل الدستور ننتقل الى نظم الاقتراع السياسي والعملية الديمقراطية: هل ان هذه النظم عندنا تفضي في رأيك الى الديمقراطية والحكم الرشيد ؟
منذ ايام ايام أثينا قال "ثراسيماخوس": "ان الاشخاص والعناصر الحاكمة في كل مدينة هم الذين يضعون القوانين من اجل منافعهم الخاصة ويصرحون بان تلك القوانين عادلة ويعاقبون من يخالفها معتبرين اياهم خارجين على القانون..".
هذا ينطبق تماما على تشريعات نظم الاقتراع السياسي التي شرعت من قبل النظام السياسي منذ اقامة الدستورفي 2005 حتى يومنا هذا سواء كانت نظم الانتخاب، او نظم التصويت، او نظم توزيع المقاعد التمثيلة أو نظم الادارة الانتخابية، وتنتج قوانين تحقق المنافع الخاصة يعتقدون انها عادلة وهنا لا نريد الدخول في تفاصيل تلك القوانين الا انا نورد نصا واحد على سبيل المثال لا الحصر يعطي الصورة كاملة عن الواقع التشريعي الانتخابي المغاير لارادة الجماهير وطموحاته هو نص البند رابعا من المادة الثالثة من القانون رقم 26 لسنة 2009 المعدلة لقانون الانتخابات لقانون الانتخابات رقم 16 لسنة 2005 التي تنص على الآتي:"تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد بحسب ما حصلت عليه من الاصوات".
من هذا النص يفهم ان الكيانات السياسية الصغيرة غير المحققة للقاسم الانتخابي في الانتخابات، لا تستطيع الوصول الى قبة البرلمان وتذهب اصوات ناخبيها الى الكتل السياسية صاحبة الاصوات الاكثر حتى لو كانت خصوما سياسيين لها. وهذا النص ليس فقط مجحف بحق من لم يحصل على المقاعد التمثيلية، بل انه حمل الى عضوية البرلمان البعض من الكتل الكبيرة رغم فشلهم في الانتخابات. وقد حكمت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية هذا النص لكونه يتجاوز على حرية التعبير عن الرأي لمخالفته لنص المادة 20 و 38 \اولا من الدستور. لذا قررت الحكم بعدم دستورية النص المذكور بحكمها المرقم 12 \ اتحادية \2010 والذي بموجه طلب من مجلس النواب ايجاد نص بديل.
وامام حكم المحكمة الاتحادية وقرب انتخابات مجالس المحافظات حينئذ، اصدر مجلس النواب قانون سانت ليغو بنسخته الاصلية التي بموجبها تمكنت الكتل السياسية الصغيرة من احتلال مقاعد محدودة في مجالس المحافظات. وعندها اقيمت الدنيا ولم تقعد، وشعرت الكتل الكبيرة بان الاعضاء الجدد - على قلتهم - في مجالس المحافظات يهددون مواقعها ويهددون مصالحهم ومكاسبها. ومن اجل ايقاف ما اعتقدوه خطرا عليهم فرضوا سانت ليغو 7 |1 وكذلك 9 \1 الذي اعادهم الى نفس احكام ونتائج النص المحكوم بعدم دستوريته.