أزمة الرأسمالية في مرحلتها الحالية لن تكون نتائجها متمثله فقط في الركود العالمي وانهيار البورصات وزيادة أسعار السلع والخدمات، لكنها قد تؤدي إلى تفكك أمريكا كدولة ذات سيادة وقانون وتحولها دول ضعيفة ، وذلك لأن المقوم الاساسي الذي تقوم عليه أمريكا هو الاقتصاد الرأسمالي واقتصاد السوق الحر وطبيعة تكوين وعلاقات المجتمع الأمريكي هو الاقتصاد والمنفعة الاقتصادية، فالشعوب الأمريكية تتكون من خليط من ثقافات ولغات وأديان مختلفة عن بعضها البعض بل في بعض الأحيان متنافرة ومتصادمة ولا يوجد ما يجمع بين هذا الخليط سوى الاقتصاد حيث تحتفظ كل قومية في الولايات المتحدة بلغتها وثقافتها ودينها وتراثها وآدابها وفنونها ويجمعها مع القوميات الأخرى نسق اقتصادي رأسمالي وقانون دولة يقوم على حقوق وواجبات خلفيتها أيضا اقتصادية رأسمالية حيث العلاقة بين المواطن والمواطن الآخر، والمواطن والدولة، والمؤسسة والمؤسسة الأخرى، والمؤسسة والدولة تقوم على ذات النسق الاقتصادي الرأسمالي ومضاف إلى ذلك تكوين عقلية وأخلاق وتربيه المواطن الأمريكي الفردية التي تغلب مصلحة الفرد على المجتمع وحيث لا وجود لمفهوم دين أو قيم عليا سوى المصلحة الشخصية ويضاف إلى ذلك التباين الكبير بين الأغنياء والفقراء وانتشار السلاح بين أيدي المواطنين دون رقابة. بعد تفكك الاتحاد السوفيتى، وبعد الحرب على العراق عام 1991 أعلن الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الاب عن قيام نظام عالمى جديد وذلك فى خطابه أمام الامم المتحدة، وكان يقصد بالطبع نهاية نظام القطبية الثنائية وأنتهاء الحرب الباردة ونهاية عصر الحروب بالوكالة.
وبالغ البعض فى التفاؤل وكتب فوكوياما اطروحته نهاية التاريخ معتبرا أن الليبرالية الرأسمالية قد حسمت الصراع بلا منازع. ولكن بعد ذلك ظهرت مشاكل كبيرة أثرت على القيادة الأمريكية ومن وراءها على اوروبا الغربية واليابان من هذه المشاكل الحرب على ألإرهاب وما تبعها من حروب فى أفغانستان والعراق ومن نفقات مالية باهضة تقدر بالترليونات من الدولارات مما أثر بشكل كبير على الأقتصاد الأمريكى وأيضا على نظرية المجتمع المفتوح التى قامت عليها التجربة الأمريكية بالاضافة الى الأزمة المالية الرهيبة التى ضربت أمريكا والغرب عامى 2007 و 2008 وأمتدت أثارها المدمرة حتى هذه اللحظة. ألذي يهيمن على النظام الدولي هو القوي إقتصاديا، وهو ما تجمع عليه معظم التحليلات الأمريكية والغربية. الولايات المتحدة الأميركية واجهت أزمات اقتصادية في ثلاثينيات وسبعينيات القرن العشرين لكنها مع كل أزمة تخرج أكثر قوة وازدهارًا عما قبل. فرغم الأزمة الاقتصادية وتراجع معدل النمو الأمريكي إلا أن مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية لم تتغير فما زالت نسبة مساهمة الولايات المتحدة في الناتج العالمي مستقرة ليس خلال العقد الماضي فقط ولكن خلال العقود الأربعة الماضية؛ ففي عام 1969 أنتجت الولايات المتحدة حوالي ربع الإنتاج العالمي واليوم ما زالت تنتج الربع تقريبًا، وصعود القوى الاقتصادية الصاعدة: الهند والصين لا يأتي على حساب الولايات المتحدة بل على حساب أوروبا واليابان اللتين تراجع نصيبهما في الاقتصاد العالمي. ومع كل الذي ذكرناه لكن العالم بعد فيروس كورونة ليس كما العالم الان او عالم ما قبل الفيروس فامريكا لم تعد تقود العالم اقتصاديا وعسكريا فقد جاء دور المارد الاسيوي لقيادة العالم انها الصين الشعبية فخرنا كآسيوين.
أمريكا تطالب الحكومات بالعدل واحترام حقوق الانسان وتقوم هي بإنتهاك حقوق الانسان ولا تحترم ولاتطبق القانون الدولي الانساني. امريكا صاحبة خطاب غوغائي زائف وبه ستقود العالم لنهايته الحقيقية وزواله ليس كما يدعي فوكوياما بأن نهاية التاريخ هو انهيار القطب الآخر وهيمنة امريكا علي العالم وهي القوة العظمي وناشر الديمقراطية الليبرالية وكل العالم عليهم الاتباع والسمع والطاعة. وتقدم الولايات المتحدة الارهاب كوجه جديد لصراع الخير ضد الشر فهي تريد أن تعبئ العالم وتحت أي اسم ، حول سياستها وتحليلاتها . وليس من دلالة اكبر بهذا الخصوص من قائمة الدول التي حددوها كدول داعمة الارهاب ,إيران وكوريا الشمالية . وتبدأ لغة المصالح وليست لغة المبادئ، ومن هنا تنكشف أمريكا التي تطالب شعوب الأرض بمكافحة الإرهاب وهي الراعي الأكبر للإرهاب والعنف الراديكالي، فإذا كانت واشنطن ترى أن ثمرة الربيع العربي هي الديمقراطية، إلا أن هذه الروح الوثّابة لن تتجاوز الحدود والثوابت العقدية والقومية والوطنية. الولايات المتحدة الامريكية تمارس الإرهاب بأبشع صوره من غطرسة وتدمير وقتل ونهب وتحقير لكل شعوب الأرض. وفي الوقت الذي تتحدث فيه أمريكا عن حقوق الإنسان نراها تسحق الإنسان، تجوع الأطفال حتى الموت ، وتفرض الحصار على الشعوب كما فعلت في السودان وليبيا والعراق وكوبا وباكستان وغيرها من دول العالم ومافعلته بفيتنام في ستينات القرن العشرين ، وتفرض علينا التخلف في كل الميادين وعلى رأسها ميدان الصناعة حتى نبقى سوقا لمنتجاتها، ونراها تمارس التمييز العنصري البغيض بأبشع صوره، فهناك الملايين الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء على الأرصفة من الطبقات المعدومة، بالاضافة الى دعمها للعنصرية التي تمارسها الصهيونية ضد العرب. ولإقناع العالم على انها ترعى الديمقراطية انفقت البلايين من الدولارات لكنها لم تنجح لانها مكشوفة للعالم وماضيها معروف مازالت هيروشيما وناكازاكي وصمة عار تلاحقها على مر العصور. الرؤساء الامريكان لا يستطيعون الخروج عن النهج الصهيوني الذي يحافظ علي بقاء اسرائيل رغم انها دويلة جاءت بعد اغتصاب الارض من اهلها وقتلهم وتشريدهم في انحاء العالم وعدم السماح لهم بالعودة وحتي ولو صدر القرار من مجلس الامن الدولي المنوط به حفظ السلم والامن الدوليين فلا ننسى الفيتو الامريكي لتعطيل اي قرار في صالح الشعب الفلسطيني.
وعندما اصبحت المنطقة تموج بالعنف وبسبب تجاهل الولايات المتحدة الى القضية الاهم وهي قضية الاحتلال الاسرائيلي وهي القوة العظمى وسلّمت المنطقة سواءا بارادتها الى المتطرفين ووسط كل ذلك تتقدم بمبادرات متلاحقة للتغيير الشامل في الشرق الاوسط تحت مسميات متعددة وتشخيصات عديدة من الديمقراطية الى الشراكة الكاملة او الشرق الاوسط الكبير مستخدمة اساليب ووسائل مختلفة من الاقناع الى القمع ومن الحصار الى التهميش وصولاً الى التهديد والعقاب، وتجاهلت الاسباب الحقيقية لحالة العداء لها في المنطقة. المشروع الامريكي للشرق الاوسط الكبير ما هو الا مشروع للوصاية على الدول العربية ومشروع للاستعمار والسيطرة على مقدرات شعوب هذه الدول وبالتالي فان الدول العربية مطالبة بمشروع يواجه هذه التحديات ويحافظ على استقلالية القرار العربي في ظل هذه الهجمة الشرسة. استنادا إلى الوقائع التاريخية فإنّ الرسالة الأمريكية عن ممارسة الديمقراطية والحرية ما هي إلاّ تغطية لأهداف ومصالح أبعد ما تكون عن اختيارات وأهداف ومصالح الشعوب. المنطق الأمريكي الذي تسلّح به اليمين المحافظ في زمن إدارة (بوش الابن) هذا المنطق منطق يهيمن لا يتأثر بالبيئات الأخرى بل ينتج مؤثرات في تلك البيئات وجاء الان ترامب ليكمل ما بدأه سلفه بوش الابن في الاعتراف بالقدس عاصمة لدويلة اسرائيل وبالجولان ايضا انها ارض اسرائيلية . وبناء على تلك الوقائع فإنّه يمكن القول أنّ الولايات المتحدة بقيت تتربص الدوائر بحريات الشعوب بل بنزوع هذه الشعوب إلى الديمقراطية. في المنطقة العربية تحالفت وتتحالف مع أكثر الأنظمة استبدادا وتخلفا وقمعا. مقدمة المشروع التي ترى ان دول الشرق الاوسط الكبير تعاني من نواقص في الممارسة الديمقراطية ولذلك يجب اجراء اصلاحات في المنطقة لحفظ استقرارها وحفظ مصالح الدول الثمانية الكبرى وذلك من خلال تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح ويتم بعد ذلك بعدة امور منها( هذه إدّعاتهم ليس الاّ) : تعزيز الانتخابات الحرة في المنطقة والاهتمام بوسائل الاعلام - تشجيع تبني الشفافية ومكافحة الفساد - تشجيع هيئات المجتمع المدني. وعن دوافع المشروع ومخاطره هو لتكريس الوجود الاسرائيلي في المنطقة ,ويهدف الى استغلال مناطق العالم ونهبها لتغذية الاقتصاد الامريكي .ان الواقع السياسي يتطلب اصلاحات واسعة لمواكبة التطورات ومقاومة المشروع الامريكي المتمثل بالشرق الاوسط الكبير و مقاومة المشروع والوقوف بوجهه والمطلوب من الدول العربية ان تبادر لصياغة مشروع حضاري ينطلق من معطيات العصر ويستوعب منطقه وانجازاته المتلاحقة وقوة الشعب التي تقف سدا منيعا امام المشروع الامريكي.