يعيش عالمنا المعاصر بقلق متصاعد بسبب الجائحة المرضية وتأثيراتها على مصائر البشرية بعد أن عجزت دول العالم المتطورة منها والفقيرة من وضع حد لخسائرها البشرية المتلاحقة وتأثيراتها السلبية على اقتصادات دول التشكيلة الرأسمالية العالمية.

-- وطبقاً لذلك تواجه دول العالم حزمة من الأسئلة (الحارقة) منها - ما هي تأثيرات الجائحة المرضية على الدول الوطنية وشعوبها الفقيرة؟ وما هي امكانات الدول الوطنية وقدراتها لصد الصعوبات الاقتصادية على تشكيلاتها الاجتماعية؟ ما هي أشكال المساعدات الدولية التي تقدمها دولة العالم لشعوب الدول الوطنية بهدف إعانتها على تجاوز محنتها الإنسانية؟.

محن كبيرة، واسئلة كثيرة ، واراء مختلفة لكننا نحاول تقديم رؤيتنا وفق المحاور السياسية  التالية -

أولا - الجائحة المرضية وتطور الدول الوطنية.

ثانيا- الدول الرأسمالية المعولمة وانهيار مسؤوليتها الأخلاقية.

ثالثا - الجائحة المرضية وتأثيراتها على تبدل العلاقات الدولية.

استنادا الى محاور المداخلة السياسية نتوقف عند مفصلها الاول الموسوم

أولا - الجائحة المرضية وتطور الدول الوطنية.

تعاني اغلب الدول الوطنية من مظاهر سلبية في أبنيتها السياسية يمكن ايجازها بالعناوين التالية –

العنوان الأول- تتسيد النظم السياسية الفاقدة للشرعية الوطنية في الأبنية السياسية للدول الوطنية حيث يتميز الكثير منها بأنظمة استبدادية أو ديمقراطية شكلية.

العنوان الثاني - تفاقم الفساد الإداري في معالجة ازماتها الاقتصادية فضلا عن ان الكثير من الدول الوطنية غير قادرة على معالجة مشاكلها السياسية - الاقتصادية.

العنوان الثالث - سيادة المؤسسات الاهلية – الطائفية -- العشائرية في تشكيلتها الاجتماعية وما تحمله تلك السيادة من مخاطر اندلاع الحروب الاهلية والنزاعات الاجتماعية.

العنوان الرابع -ازدياد مخاطر الوصاية الأجنبية على الدولة الوطنية والهيمنة على اقتصاداتها وسبل تنميتها الوطنية.  

المؤشرات التي جرى تأكيدها تشترط اصلاحات اقتصادية -- سياسية أرى   أهمها في المعالجات التالية–

(أ) تطوير الدورة الاقتصادية الوطنية بمساعدة دولية. (ب) إرساء علاقات دولية مع الخارج الرأسمالي المتطور ترتكز على عدم التدخل بالشؤون الداخلية واحترام السيادة الوطنية. (ج) تلبية مصالح الطبقات الاجتماعية الفاعلة في الدورة الانتاجية فضلا عن تحجيم دور الطبقات الفرعية وتحالفاتها الدولية.

أفرزت الجائحة المرضية العالمية سلبيات عديدة على الدول الوطنية تمثلت بإفقار شعوبها وإشاعة البطالة في قواها المنتجة وتزايد نزاعات طبقاتها الاجتماعية، ناهيك عن محاولات الدول الرأسمالية الكبرى الاستحواذ على ثروات الدول الوطنية والسيطرة على توجهاتها السياسية .

  ثانيا- الدول الرأسمالية المعولمة وانهيار مسؤوليتها الاخلاقية

كما نشاهد اليوم أصبحت غالبية الدول الرأسمالية   المتضرر الأكبر بسبب الظروف العامة التي افرزتها الجائحة المرضية وبهذا المسار يمكننا رصد تلك الاضرار بالموضوعات التالية-

أولا - انتجت الجائحة المرضية الدولية ركودا اقتصاديا في الدول الرأسمالية الكبرى وما حمله ذلك من افلاس الكثير من المصانع والمؤسسات الإنتاجية وتباطء الدورة الإنتاجية.

ثانيا – اتساع نطاق بطالة القوى المنتجة وما نتج عن ذلك من تأجيج النزاعات الطبقية وما تحمله من مشاكل اجتماعية قادمة بين العمل والرأسمال.

ثالثا - ازدياد نزعات السيطرة والتفرد لدى الولايات المتحد الامريكية وتأثيرات ذلك على طبيعة النظم السياسية وتطور العلاقات الدولية.

رابعاً - تكاثر الميول الديكتاتورية لدى السلطات السياسية في الدول الوطنية وتشجيعها من قبل دول الرأسمالية المعولمة

خامسا - زيادة حدة تدخلات الدول الكبرى في الشؤون الوطنية واحتضان القوى الهامشية والفرعية في التشكيلات الاجتماعية الوطنية.

ان الموضوعات المعتمدة في التحليل المشار اليه تساندها مساعي الدول الرأسمالية الساعية الى تجاوز ازماتها الاقتصادية عبر الاعتماد على نهب ثروات البلدان الوطنية وبهذا السياق نشاهد كثرة من الوقائع التي تكشف عدم اهتمام الدول الرأسمالية بمصير شعوبها اعتماداً على المعطيات التالية-

1– عدم قدرة الدول الرأسمالية الكبرى بالحد من الجائحة المرضية وما نتج عن ذلك من ضياع أرواح بشرية كثيرة فضلا عن تعطيل الدورة الإنتاجية في هذه البلدان.

2 -- تدني التضامن الدولي في مواجهة المحنة الدولية حيث عملت الدول الرأسمالية الكبرى بمفردها في معالجة اضرار الجائحة الدولية.

3 -- أعباء جديد أضافتها الولايات المتحدة على منظمة الصحة العالمية بعد حرمانها من المساعدات المالية الامريكية الامر الذي اثار موجة من الاستنكار الدولي.  

4– تصاعد الروح القومية لدى دول التشكيلة الرأسمالية العالمية الهادفة الى تعزيز دورها في العلاقات الدولية.

5 – عدم مساعدة الدول الوطنية في التصدي للجائحة الدولية وما حمله ذلك من انحسار تشكيلاتها الطبقية وتفتيت أبنيتها السياسية.

6 – انهيار المسؤولية الأخلاقية للنظم الرأسمالية المعولمة بسبب حرصها على سيادة القوة في العلاقات الدولية وعدم الاهتمام بمصائر شعوبها وتشكيلاتها الاجتماعية.

ان الازمة الأخلاقية المتجسدة بالدفاع عن الهيمنة الدولية والاستهتار بالروح الإنسانية تعني انعدام شرعية التطور الرأسمالي وما يشترطه ذلك من بناء عالم جديد مبنى على التعاون المشترك واحترام الروح البشرية.  

 ثالثا - الجائحة المرضية وتأثيراتها على تبدل العلاقات الدولية.

من المؤكد ان عالمنا المعاصر لن يستمر بنفس اشكاله القديمة قبل انتشار الجائحة الدولية بل سيتغير نحو مزيد من التضامن والانفتاح المرتكز على الرؤى التالية-

أولا – ازدياد حدة التضامن الدولي لمواجهة التغيرات الطبيعة والأوبئة المرضية على أساس التعاون والمصالح الدولية المشتركة.

ثانيا – احترام مبدأ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤن الوطنية وما يشترطه ذلك من بناء دول العالم الوطنية على اسس الشرعية الانتخابية المنبثقة من الشرعية الديمقراطية.

ثالثاً- بسبب الازمة الاقتصادية ستنشأ تحالفات جديدة بين الطبقات الاجتماعية في الداخل الوطني بهدف بناء أنظمة سياسية ديمقراطية تعني بالإنسان ومستقبله.

رابعاً – نهوض قوى اليسار الاشتراكي المستند على تحالفات وطنية تسعى الى صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتهميش. 

خاسا - قيام تحالفات جديدة بين الدول الوطنية والرأسمالية الكبرى تبنى على رعاية المصالح الوطنية المشتركة.

  سادسا -انهيار تحكم وسيادة الولايات المتحدة في العلاقات الدولية وانبثاق تحالفات دولية جديدة تستمد قوتها من العلاقات الاقتصادية – التجارية المشتركة.

سابعاً – تزايد الأدوار الاقتصادية والسياسية للدولتين الصينية والروسية وتنامي دورهما في العلاقات الدولية.

ثامنا – انتهاء مبررات الهيمنة والسيطرة في العلاقات الدولية بسبب اعتماد العلاقات الدولية الجديدة على أقطاب دولية جديدة اولهما الصين الشعبية، وثانيهما الولايات المتحدة الامريكية ، وثالثهما روسيا الاتحادية .

-- ان انهيار القطبية الواحدية في العلاقات الدولية وتنامي دور الثالوث الدولي المتمثل ب - الصين الشعبية والولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية-في العلاقات الدولية والتغيرات الوطنية المرتكزة على سيادة الديمقراطية السياسية ستجعل قوى العالم ودوله الرأسمالية اشد تضامنا وتعاونا امام الكوارث الطبيعة والاوبئة العابرة للحدود الوطنية.  

عرض مقالات: