أخيرا تمخّض جبل التحالف الطائفي الشيعي ومعه قطبا المحاصصة الكوردي و السنّي وبعد مخاض عسير ومخالف للدستور عن إسم مرشّح لرئاسة الوزراء، إثر إستقالة السيد عادل عبد المهدي تحت الصغط الجماهيري الذي تراجع بشكل مؤقت لشيوع جائحة كورونا، وبعد رفض هذا التحالف لشخصيتين شيعيتين لإختلاف وجهات النظر الإيرانيّة حول مدى كفاءتهما في تحقيق أهدافها بالعراق والمنطقة من خلال أذرعها العسكرية، وليس من خلال برنامجهما الحكوميين ومدى قربها من مصالح الناس وتحقيقها. لقد جاء المخاض بعد أشهر من الإحتقان السياسي بشخصية جدلية هي رئيس جهاز المخابرات العراقي السيد مصطفى الكاظمي، الذي رُفض قبل فترة من ميليشيا حزب الله "العراقي" المدعوم من قبل حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني، بعد توجيه أصابع الإتهام إليه في دور ما بإغتيال سليماني والمهندس من قبل المسؤول الأمني في هذه الميليشيا المدعو أبو علي العسكري!!

 عملية تمرير ملف الكاظمي لم تنجح الا بعد زيارة قاآني للعراق، وهذا يُثبت من أنّ الجبل لم يتمخّض الا عن شخصية ضعيفة أمام إرادة ولي الفقيه وميليشياته التي تتحكم بمسرح الأراجوزات السياسي بالعراق كما هي العادة، كما وأنّ موافقة إيران عليه تعني تحرّكه أو بالأحرى تحريكه بما يتناغم ومصلحة طهران وليس "العمل على تشكيل حكومة تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها" مثلما غرّد بعد تكليفه في التاسع من نيسان الجاري. علاوة على ذلك فأنّه وعلى الرغم من عدم سعة برنامجه الحكومي من حيث التفاصيل، الا أنّه فتح على نفسه أبواب جهنّم وهو يحدد ثلاث أهداف لن يستطيع إنجاز حتّى نسب بسيطة منها، ما سيجعله أمام تساؤلات لا إجابات لها مستقبلا.

 السيد الكاظمي يقول من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها"، الا أنّه لم يتطرق الى تطلّعات المتظاهرين في إنتخابات مبكّرة والتي أوصلته الى ما هو عليه اليوم، متحججّا بالوضع الصحي بالبلاد وإنهيار أسعار النفط. فماذا لو إستمرت اسعار النفط بالهبوط أو بقيت على ما عليها اليوم، فهل سيلغي الكاظمي مبدأ الإنتخابات بالكامل لأنها تكلّف الدولة مليار دولار كما يقول، خصوصا وأن العراق بلد ريعي ولا يمتلك موارد غير بيع النفط!؟ هنا يكون الكاظمي قد فشل في أولى نقاطه الثلاث.

 يعود الكاظمي ليقول من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تصون سيادة الوطن وتحفظ الحقوق"، فهل الحكومة التي تشكلها وتفرضها طهران التي قبلت به رئيسا للوزراء، فيها شيء من السيادة العراقية ولا نقول الكرامة!؟ كيف ستحفظ حقوق شعبنا ووطننا وهي لا تمتلك القرار السياسي والعسكري، وهل بإمكانه مواجهة زعماء الميليشيات وتدخلات رجال الدين في الشأن السياسي، وهل يستطيع مواجهة قاآني أو أي مسؤول من حزب الله اللبناني ولو عبر الهاتف ليقول لا لما يطلباه!؟

  أخيرا يقول السيد الكاظمي من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تعمل على حل الأزمات، وتدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام"!! هل يعرف السيد رئيس الوزراء المكلّف عمق الأزمات في بلدنا، هل يستطيع جمع السلاح من الميليشيات وحلّها؟ هل يعرف حجم الفساد بالبلد، وهل هو قادر على محاسبة كبار الفاسدين وعدم الإكتفاء بصغارهم، هل بإستطاعته إلغاء المكاتب الإقتصادية للأحزاب السياسية المتنفذّة، هل يستطيع إسترداد الأموال المنهوبة من قبل حيتان الفساد والتي يعرفها جيدا بحكم موقعه؟

  السيد الكاظمي لو إستطعت أن توقف تفريخ الأزمات وليس علاج ما موجود منها اليوم، ستكون حينها قدّمت لشعبنا الكثير. كما وأنّ حكومتك ميْتة قبل ولادتها القيصرية في مشفى طهران.

 العمليّة السياسية بالعراق ستظلّ رهن صراعات حزبيّة داخليّا، وصراعات إقليمية ودولية خارجيا. وفي كلتا الحالتين فأنها ستظل في نفس المستنقع الذي تعيش فيه. فلعبة تنصيب رئيس وزراء بالعراق لا علاقة مباشرة لها بالإنتخابات مطلقا، فسواء جرت إنتخابات أم لا وإن كانت الإنتخابات نزيهة أم لا. فأن ما يترشّح عنها لا يختلف بالمرّة عن التي سبقتها أو التي تليها، لأنّ نظام الدولة السياسي مبنى على أساس إستمرار تحكّم الميليشيات والفساد ونهب ثروات البلد.

 

عرض مقالات: