ينتمي عزيز شريف الى اسرة دينية معروفة في عانه، والده كرّس حياته في دراسة العلوم الدينية، يقول عنه حسين جميل عندما كان قاضيا في عانه عام 1936:لو كان الحاج شريف في بغداد لفاق علماءها ، لما عرف عنه من ورع وتقوى، فضلا عن مهارات اخرى في بعض الحرف، اذ كان يصلح الساعات القديمة والمكائن العاطلة، قيل انه فكك سفينة بريطانية اغرقها مقاتلو ثورة العشرين في نهر الفرات قرب عانه، فأصلح محركها وحوله الى مضخة لرفع المياه من النهر.
عزيز ابنه البكر، درس القرآن والحديث منذ طفولته، وظلت هذه الثقافة ملازمة له، متأثرا بها في نهجه السياسي الوطني والقومي فيما بعد، وفي أغلب القضايا التي خاض غمارها.
تخرج من الاعدادية المركزية متفوقاً على زملائه، وكانت رغبته اكمال دراسته في كلية الطب، غير انه التحق بكلية الحقوق لعدم تمكنه من توفير نفقات الدراسة في الطب،
وإثر ذلك مارس المحاماة في بغداد، ثم انتقل الى البصرة، وعمل في مكتب المحامي والسياسي المعروف سليمان فيضي، وتزوج كريمته نورية.
كان في شبابه متأثراً بالفكرالقومي وبشخصيات امثال جعفر ابو التمن، وفيضي، وكذلك شخصية الزعيم الهندي نهرو، ومنذ بداية العشرينات بدأ عزيز يتبنى افكاراً جديدة اقرب الى الماركسية، لكنه لم ينضم لاحزابها، حسب عبد الرزاق الحسني، يقول شريف عن نفسه : انه ديمقراطي مستقل، ولم يذكر انه شيوعي او ماركسي، يذكره حنا بطاطو : ان من يتهم عزيز شريف بالشيوعية ليس صحيحا، لانه كان تجسيدا حيا للوسطية والانتقالية، على الرغم من ان عزيز شريف شكل تكتلا او حزبا هو (وحدة الشيوعيين) عام 1949، بعد اعدام فهد ورفاقه واصدر جريدة سرية بإسمه هي (النضال)، ظلت تصدر حتى عام ٥٦، بعد توحيد الجماعات (القاعدة، راية الشغيلة، وحدة الشيوعيين)، تشكيل الحزب جلب لعزيز متاعب واشكالات عديدة، عكّرت علاقته مع الشيوعيين، واتهم بالشوفينيية والانتهازية.
ان شخصية عزيز شريف ودوره السياسي في العراق، تستحق المراجعة والتأمل، في العديد من المحطات ، لعل ابرزها علاقته بالقوى والاحزاب الوطنية، وفي مقدمتها الحزب الوطني الديمقراطي، وتحديدا علاقته بشخص كامل الجادرجي، وجريدة الحزب (الاهالي) ، ثم مساندته لحركة مايس، وتأسيس حزب الشعب (اليساري)، انتقاله من تيار لآخر، وتبنيه الديمقراطية مع تأييد انقلاب بكر صدقي في عام ٣٦، انتخابه نائبا عن البصرة، واسقاط الجنسية العراقية عنه عام ٥٤.
ان مؤلفاً للدكتور وسام هادي عكار، صدر مؤخرا عن دار الشؤون الثقافية في بغداد (عزيز شريف، دوره الفكري والسياسي في العراق حتى عام ٥٨)،قدم عرضاً جيدا لحياة عزيز السياسية، ومجمل مواقفه من احداث تلك الفترة، الا ان المبالغة في الدور الفكري، تبدو هشة وضعيفة الى حد ما، فتراث الرجل في هذا المجال لا يتعدى سوى رسائل وكراسات، ومقالات في الصحافة عن بعض الأحداث، تم جمعها وطبعها في مناسبات متعددة، الا ان القضية التي لا جدال فيها حرصه واخلاصه لنفسه ولافكاره، وان تغيرت بتغير التشكيلات السياسية،فهو سياسي بإمتياز، ومن غير الممكن الجزم بأفكاره الماركسية، كان على خلاف مع (فهد)، ولزكي خيري رأي غير إيجابي في سلوكه السياسي، كما انه رفض فكرة توحيد حزبه(الشعب) مع الحزب الشيوعي، مطالبا الشيوعي بالإنضمام لحزبه، معترضا على العمل السري، و خلافه الايديولوجي معه.
بتقديري ان المحور الاهم في حياة عزيز شريف، ذلك المرتبط بعلاقته مع الحزب الوطني الديمقراطي وجريدته الأهالي، منذ ثلاثينات القرن الماضي، ولا بد لي من التساؤل، قبل الخوض في تفاصيل العلاقة، عن مغزى عدم الإحتفاء بجريدة مثل الاهالي على غرار الإحتفاء بالصحافة العراقية الوطنية الأخرى، علنية كانت أم سرية؟! كونها مدرسة في الصحافة، كتب فيها اغلب السياسيين الوطنيين العراقيين، واسهم بالكتابة فيها جيل من المثقفين والادباء، أغنوا تجربتها المهنية والوطنية، وعملوا على تأصيل نهجها لصالح قضايا الشعب الكبرى.
أعود بالقول الى ان تجربة عزيز شريف بالحزب الوطني الديمقراطي بدأت منذ ثلاثينات القرن الماضي، وكان من اوائل المنتمين لجماعة الاهالي الذي يمثل تجمعا وطنيا تقدميا، معنيا بالاصلاح، يضم عناصر من اليسار والوسط، امثال عبد الفتاح ابراهيم ومحمد حديد وجميل توما، وبالتقارب مع تجمع بغداد الذي يضم شريف وحسين جميل وعبد القادر البستاني وجميل عبد الوهاب، وصدر العدد الاول للاهالي في ٢ كانون الثاني ١٩٣٢، صاحبها ومديرها حسين جميل، وكان لصدورها صدى واسعا في الشارع العراقي، واللسان الناطق للقوى الوطنية التحررية في العراق، كما يصفها عبد الرزاق الحسني، اعتمدت التقارير والاخبار عن طريق مراسلين لها في مدن العراق، ومن ابرزهم (فهد) مراسل الجريدة في الناصرية، كان يكتب بإسم(مراسلكم) دون ان يفصح عن اسمه.
تحولت جماعة الأهالي الى ثلاث مجاميع في اواسط الثلاثينات، فظهر كامل الجادرجي ممثلا لتيار الوسط (الثالث) مع محمد حديد، وكانت مواقف شريف حتى حركة مايس الى جانب انقلاب صدقي مؤيدا، ومنددا بالاستعمار البريطاني، ثم اعلن معاداته للنازية ودكتاتورية هتلر، ومناصرا للاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية، وحاول ان يجمع العناصر الشيوعية واليسارية لتاسيس حزب الوحدة الوطنية الديمقراطي عام ٤١ ومن هذه الاسماء؛ محمد صالح بحر العلوم، فهد، عبد الله مسعود، داود الصائغ، ذنون ايوب، وعد هذا التوجه البداية لعزيز شريف في تاسيس حزب سياسي.
ثم يعود الى جماعة الأهالي عام ٤٢لينضم الى هيأة تحرير صوت الاهالي التي رأس تحريرها كامل الجادرجي، بيد ان خلافا بدأت تظهر ملامحه بين مؤسسي الجريدة، يمثله الجادرجي وحديد من جهة، وعزيز وعبد الفتاح ابراهيم من جهة اخرى، ترجع اسبابه كما يذكر محمد حديد الى دورعبد الرحيم شريف (شقيق عزيز) في تحويل اتجاه الجريدة نحو اليسار، مما دفع شريف الى الانسحاب من التجمع والجريدة، عام ٤٣، بعد ان تصاعدت حدة الخلافات وتبادل الاتهامات بينه وبين الجادرجي، حسب رواية القائد الشيوعي سالم عبيد النعمان. فقدم طلبا لتأسيس دار البعث العراقي، رافقه اصدار عدد من الرسائل بهذا العنوان مع توفيق منير، وناظم الزهاوي، ورحب بها النعمان ممثلا لحزبه بتوجيه من فهد، وسرعان ما ظهر خلاف جديد حول تاسيس حزب يضم اليساريين عام ٤٥،كما واجه حزب الشعب الذي انضم اليه شريف انتقادا شديدا من الجادرجي، واصفا اعضاءه بغير المتجانسين، ويرى بعض السياسيين ان الحزب، من بنات افكار فهد، ذكر ذلك مالك سيف، كمحاولة للخروج بالعمل الحزبي الى العلن، وكان عزيز شريف محط قبول وترحيب من الحزب الشيوعي، ووصف حسين الشبيبي، شريف بانه صديق الحزب والمؤهل لقيادة حزب الشعب، الا ان خلافا ايديولوجيا وتنظيميا ادى الى القطيعة بينهما، ولاسيما بعد لقاء فهد بعزيز شريف.
امتدت رحلة عزيز شريف سنوات طويلة مفعمة بالعمل والإنتماء للقضايا الوطنية والانسانية، أهّلته ان يكون شخصية عربية وعالمية لها حضورها اللافت في المحافل الدولية، حاول ان يحتوي كل الممكنات، انتهت بوفاته عام ١٩٩١ بنهاية(الإتحاد السوفيتي) اذ توفي في موسكو ودفن فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحته على فيسبوك