أكدت آخر البيانات الإحصائية لحد كتابة هذا المقال أن فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، أصاب أكثر من657 ألف شخص فيما يقترب عدد الوفيات من 30 ألف، وعدد المتعافين يتجاوز ال 141 ألف بقليل، وتتصدر أمريكا قائمة بلدان العالم من حيث حجم الأصابة حيث بلغت أكثر من 120 ألف أصابة ثم تليها أيطاليا أكثر من 92 ألف، والصين أكثر من81 ألف، وأسبانيا اكثر من 72 ألف، ثم ألمانيا اكثر من 57 ألف، ثم فرنسا اكثر من 37 ألف وبعدها ايران اكثرمن 35 ألف وتليها بريطانيا اكثر من 17 ألف، وهكذا بالتنازل في كل بلدان العالم العالم بأختلاف رقعته الجغرافية ونظامه السياسي، فقد اصاب كورونا العالم بأجمعه، ولم يكن أنتقائيا بتوجيه أهدافه، أو كان في نيته أن يستثني دول ومجتمعات دون أخرى.
وفي ظل عدم المعرفة الدقيقة لحركة الفيروس فأن الشائعات تزدهر في أجواء الخوف واللايقين، وان تفشي الفايروس يوفر الكثير منها. خلال اسابيع من الحالات المرضية، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي بأن الفايروس كان سلاحا بايولوجيا–اما صيني هرب من المختبرات في مقاطعة وهان الصينية او امريكي اُلقي به في وهان. ومع ان مثل هذه الشائعات غير موثوقة، باعتبار ان لا الولايات المتحدة ولا الصين لديهما الحافز لتطوير أسلحة بايولوجية، لكن مع ذلك يصعب ازالة تلك الشائعات، لأن المسؤولين العسكريين في كلا الجانبين لايزالون ينظرون بالشك لكل منهما في بناء برامج الأمن البايولوجي. الثغرات في تعليمات السلامة البايولوجية الصينية تسمح للشائعات في مزيد من الانتشار، كما ان فقدان الثقة بين الدولتين كما اتضح من رفض الصين زيارة الخبراء الامريكيين لـ وهان يضعف الجهود لإحتواء انتشار الفايروس. عدم تعاون الدولتين العظمتين " الصين وأمريكا " يترك انطباعات صوب تعزيز نظرية المؤامرة، في أن كل من الدولتين يضمر للآخر لحظات فنائه. ومن السهولة الوقوع في هكذا فخ في ظل افتقاد المرونة والتنازل المشروع من قبل الدولتين صوب بقاء العالم صالح للعيش.
صحيح أن وباء كورونا العالمي مثلما وصفته منظمة الصحة العالمية، يعد من أخطر الأوبئة وأكثرها انتشارا وفتكا قياساً بالأوبئة التي ظهرت في فترات تاريخية سابقة، وهذا ما يلاحظ من حجم الحذر والحيطة التي عملت بها عدد من البلدان، ومنها البلدان المتقدمة في مجال البيئة والصحة، كالولايات المتحدة وبريطانيا وأيطاليا وفرنسا واسبانيا وبلدان الاتحاد الأوروبي، وصلت الحالة لغاية الآن إلى إعلان حالة الطوارئ في أغلب دول العالم وغلق الأجواء والمنافذ الحدودية، وتعطيل حركة التجارة، وحركة العالم اليومية في المدارس والجامعات، وغلق الجوامع ودور العبادة حتى التاريخية منها كالكعبة، والمسجد النبوي في المدينة، ومراقد أهل البيت الشيعة في مدن: النجف، وكربلاء ، ومشهد الأيرانية وكذلك اغلب الكنائس في اوربا، ثم ألغاء الشعائر والطقوس الدينية ذات التماس البشري الكبير، بل أطال حركة السياسين وتنقلاتهم واجتماعاتهم بعد اصابة العديد من الساسة البارزين في العالم.
حيث أن هذا الفيروس مثلما أكدت كل المصادر الطبية ومنظمة الصحة العالمية يعتاش على التجمعات البشرية، وتوفر له وسيلة مثالية للانتقال والانتشار إلى الآخرين بسهولة، وينتقل أيضا عبر التماس اليدوي والتنفس المباشر، وهذا لا يتوقف على أبناء البلد الواحد، وإنما التنقلات بين البلدان أيضا، وبذلك أوصت المؤسسات الصحية بحظر كل أشكال التجمعات البشرية حظراً كاملاً حتى لا تكون بيئة للقضاء على عدد أكبر من الناس، وتتحول المدن إلى مدن موبوءة بالفيروس القاتل، يتساقط فيها الناس بالشوارع والأسواق، ومن هنا نادت المؤسسات الصحية بضرورة حضر التجمعات، واتخاذ التدبير الصحية الأولية كالمعقمات والتعفير وما شابه.
ومن عجائب ما نُشر ذلك الذي روجه الإسلامويون بقولهم إن الفايروس لا يصيب المسلمين بل هو انتقام إلهي من الصين، على ما زُعموا أنه قمع للمسلمين الإيغور في مقاطعة تركستان الصينية، لكن المضحك أن هؤلاء قد عادوا بعد انتشار الفايروس في الدول العربية والإسلامية ومنع بعض الدول ومنها السعودية، العمرة وصلوات الجماعة إلى تغيير أقوالهم إلى النقيض، وادعوا أنها مؤامرة على الإسلام والمسلمين بغرض إبطال فرضي الصلاة والحج. لكن ما يدحض هذه النظريات أو الفرضيات رغم وجاهة الأفكار والشكوك التي تراود الناس، هو أن الفيروس انتشر شرقاً وغرباً ولم يوفر أحداً من الدول والأجناس، فهو لا يصيب العرق الأصفر فقط كما أُشيع، ولايستثني الأبيض أو الأسود، بل يضرب في كل مكان في الصين وروسيا وإيران والولايات المتحدة، الفايروس ليس عنصرياً، الفايروس يستوطن أينما وجد بيئة صالحة لتكاثره، وتتصدر اليوم أمريكا و إيطاليا، واسبانيا مع إيران والصين قائمة الدول الأكثر استهدفاً للفايروس، فقد انتشر فيها بسرعة كبيرة فاقت التوقعات، وأسقط الفايروس المعادلة الشيطانية الأزلية التي تقول إن كل المصائب تأتي من وراء بعض الدول أو الملل الدينية والمذهبية، فحتى اسرائيل " شعب الله المختار " لم تنجو، فقد ضرب الوباء كيان اسرائيل، وهناك عديد الإصابات حتى بين جنود الاحتلال الذين فرض على الآلاف منهم الحجر الطبي، وقد بلغت الأصابات لديهم تقترب من 3ألف وخمسمائة أصابة بتاريخ اليوم..
ومن المؤكد أن الفيروس مخيف، فقد تصدرت أخباره نشرات الأخبار المحلية والعالمية، وبات محور أحاديث الناس، وباتت الأجواء على مستوى العالم مشحونة بالقلق والحذر والترقب بل والخوف والحزن الشديد المقترن بفقدان الأمل، وتثار عديد التساؤلات عما سيحدث غداً في ظل فرض إغلاق شامل على عديد المدن في أوروبا وآسيا خصوصاً الصين وإيطاليا وبريطانيا واسبانيا وفرنسا وإيران وكوريا الجنوبية، وإغلاق للحدود، ومنع السفر وإعلان حالة الطوارئ، أنها حالة من الهلع والخوف المشروع في ظل عدم العثور الى الآن على لقاح او علاج لهذا الفيروس القاتل.
في خضم موضوعية الأحداث وجب علينا أن نعرف أن الإيمان بنظرية المؤامرة يختلف عن الإيمان بوجود استراتيجيات سياسية وخطط تتبعها كل الأمم والمجتمعات منذ فجر التاريخ لتحقيق مكاسبها ولتعزيز قدراتها، الفرق بينهم أن الأول يقودك الى إغلاق عقلك وترجيح نظرية المؤامرة على كل المواقف الخارجة عن المألوف وعدم التفكير بأي تفسير للأحداث وعدم الاطلاع على أي نوع من المعرفة وعدم بذل أي جهد في التقدم للأمام لأن كل جهد هو لصالح المؤامرة وقد يمنح كورونا فرص اعظم للبقاء والتمدد، أما الثاني يختلف لكونه يحثك على فهم حقيقة أن المواجهة تتم بالإعداد والتخطيط والتطوير وأن هذه الأمم لم تصل الى ما وصلت له إلا لأنها بذلت جهدها في مجابهة أعدائها والتقدم عليهم وتحقيق مكاسبها على كل الأصعدة، وهذا التفريق هو ما يجعلك قادراً على أن تكون جاد في عملك لتحقيق التغيير، وبالتالي نحن امام ظرف زمني مفصلي يستدعي منا يقظة العقل والابتعاد عن الانفعالات الضارة التي ترى في بعض من الدول عدو مطلق والآخر صديق وفي، فأن كورونا تعادي الجميع وتلغي بقاء العضوية الأنسانية صالحة للعيش والعطاء.
ان مدى التفاعل مع فيروس كورونا الذي ضرب العالم كله تتوقف على درجة الوعي الذي يتمتع به مجتمع دون آخر، اذ نلاحظ هنالك بعض المجتمعات تعاملت مع الوباء بحذر كبير وأدركت مدى الخطورة التي من الممكن ان تنتج عنه، وتفاديا لذلك وضعت مجموعة من الإجراءات الاحترازية وبالتالي سيطرت في منعه من التفشي. وهنا تأتي الحاجة الماسة لزرع الثقافة المجتمعية الرصينة والقادرة على السير بالمجتمع نحو بر الأمان، اذ مع افتقار هذه الثقافة سيكون المجتمع غارق في دوامة لا يستطيع الخروج منها مالم تتظافر الجهود وبجدية للخلاص منه. أن فيروس كورونا هو اختبار ليست فقط للصحة الفردية في مقارعتها لهذا الفيروس، بل انه اختبار للوعي المجتمعي في ظل صراع العالم المتعدد المصالح والتوجهات السياسية والاقتصادية، بل ويعبر عن الادراك المجتمعي لصيرورة البقاء والابتعاد عن ما يفسر الأحداث بغير مسبباتها الحقيقية. أن الوعي الأجتماعي هنا هو صمام أمان لتفادي مخاطر الفناء الشامل، وببساطة فأن التخلف في الوعي يعيد انتاج المأساة أضعافا عبر حرف الأنظار عن مما يجب ان تفعله الأنسانية الآن لتفادي كورونا بعيدا عن من هو السبب في هذا كله، ولكل مناسبة حديث، ما دام كل الأطراف المتصالحة والمتخاصمة تدعو الى التضامن والعمل المشترك للحد من هذا الوباء.
مع انتشار فيروس كورونا الذي اجتاح العالم منذ كانون الأول/ ديسمبر 2019، وخلق حالة من الرعب وعدم الاستقرار النفسي والاقتصادي المتصاعد، انتشرت ايضاً نظرية المؤامرة وتصاعد حدة الاتهامات بين بعض الدول، فهناك من قال ان هذا الفيروس هو سلاح بيولوجي اصطناعي واتهموا دولا بالمساهمة في نشره من اجل السيطرة واسقاط الخصوم، حيث تواصلت الحرب الكلامية والاتهامات المتبادلة بين واشنطن وبكين ودول اخرى حول كورونا المستجد وقد اتهم مسؤول صيني الجيش الأمريكي بأنه قد يكون وراء انتشار فيروس كورونا في الصين، بينما ترى الولايات المتحدة بأن بكين تتعمد الدعاية لنظرية المؤامرة ضدها واستهدافها. من جانب اخر قال الخبير البيولوجي الروسي، د.ايجر نيكولن: إن فيروس (كورونا) سلاح بيولوجي بجيل جديد، وصناعة أمريكية، تستهدف دولاً بعينها. كل هذه الأتهامات لا تنمي عن مسؤولية انسانية عن ما يحصل يوميا من عدوى وموت بطيئ، وعلى الجهد الانساني ان يركز على المخرج من تلك المحنة العالمية بعيدا عن التهم المتبادلة، فالأنسان أثمن رأسمال في العرف الماركسي، صينيا وروسيا، وكذلك براغماتيا في عرف الغرب وامريكا.
أن كل النظم السياسية في العالم اليوم امام اختبار وامتحان عسير بغض النظر عن توجهاتها السياسية والاقتصادية، فهي مطالبة اليوم بأيقاف الحروب والتسلح الباطل لمحاربة عدو مفتعل لا يعني شيئ امام بقاء الانسان والانسانية جمعاء، واليوم تقف الانسانية ونظم العالم كافة امام مفترق طرق، فأما البقاء أو الفناء، وبالتالي على امريكا والصين وروسيا أن تدرك أن الغرق في بحر التفكير المؤامراتي لا يجلب للأنسانية إلا الفناء، وان المدخل السليم لأنقاذ الأنسانية هو المصالحة مع الذات اولا ومع الآخر المختلف ثانيا، وإلا فأن كل دعوات اسعاد الأنسان هي كذب ورياء أذا لم يجري التضامن والتحالف الدولي وغير المشروط للنضال من اجل وضع حد لكورونا وتداعياتها السوسيو اجتماعية والسيكولوجية.