سنوات كثيرة مرت، ولازالت افكاره التحريرية تعيش معنا، عيشنا الغرائبي العراقي، وكان يشعر ما نشعر به الان تماما. كان يرغب في التبصر في فحوى حياتنا الدينية والاخلاقية، في امورنا وكشف غموضها. انه المناضل الشاعر ورجل الدين إرنيستو كاردينال. مات هذا الرجل الرائع قبل ايام في بلده، نيكاراغوا، عن عمر 95 سنة. التقيته شهر حزيران عام 1986في روما، كنت مراسلا لمجلة " الأفق" الفلسطينية من روما ، بعد انتهاء لقاء صحفي جماعي في نقابة الصحفيين الاجانب في روما ،اختليت به وطلبت منه ان نلتقي سوية، فوافق الرجل بعد ان عرف باني عراقي واعمل مراسلا للصحافة الفلسطينية، فجلسنا بعيدا عن الانظار في احدى بارات الاحياء القديمة " سان لورينسو" التي كنت اسكن فيها .  أرنيستو كاردينال ، جمع بين الإبداع الأدبي وتزعم مع رفيق دربه  القسيس"ليوناردو بوف" ثورة لاهوت التحرير، التي جعلت من الدين المسيحي عنصرا للتحرر في منطقة أمريكا اللاتينية، ويعد من الوجوه الثورية البارزة. ثار في وجه ديكتاتورية ساموزا، وانتقد تورط الكنيسة في دعم الديكتاتورية، ودفعه كل هذا إلى الدعوة إلى التحرير، اعتمادا على ما يعرف بلاهوت التحرير . ويعتبرا لشاعر الثائر والقسيس كاردينال من أبرز عناصر هذا التيار الديني، الذي انخرط فيه الكاثوليك والبروتستانت منذ الستينيات في أمريكا اللاتينية، للدفاع عن أطروحة أن إنقاذ الكائن لن يتم بدون التحرر الاقتصادي والأيديولوجي والسياسي، الذي يضمن كرامة الإنسان. ولهذا السبب، يدعو لاهوت التحرير رجال الدين إلى اكتساب وعي بالوضع الاقتصادي والسياسي في أمريكا اللاتينية، والنضال ضد كل أنواع الظلم لاسيما الأنظمة.

وتجسيدا لهذه التعاليم، انخرط في الثورة السندينية في نيكاراغوا، التي كانت ثورة مسلحة، وبعد نجاحها سنة 1979 تولى منصب وزير الثقافة فيها، بينما تولى رجال دين آخرون مناصب وزارية، وهو ما أغضب الفاتيكان، إبان عهد البابا يوحنا بولس الثاني (الرجعي )، الذي عاقب دينيا كل من الأب بوف ولأب إرنيستو كاردينال سنة 1984 بمنعهما من لقب القسيس والصلاة بالناس، لكن البابا الحالي " فرانشيسكو" أعاد لهما اللقب، خلال فبراير/شباط من السنة الماضية. ونظرا لانحياز الكنيسة التاريخي إلى الأنظمة الحاكمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية، كان كاردينال يؤكد أن الفاتيكان لا يمثل بالضرورة المسيح.

ويعد إرنستو كاردينال من الشعراء الكبار في أمريكا اللاتينية، خلال القرن العشرين، ما أهله الى دخول الأكاديمية الإسبانية، لكن الصورة المعروف بها وسيحتفظ له بها التاريخ، هي شخصية رجل الدين الذي ساهم في جعل الكنيسة إلى صف التحرر الاقتصادي والفكري، بدل خدمة الأنظمة الديكتاتورية. ويقدره المفكرون في أمريكا اللاتينية لنجاحه في تجسيد مبادئ لاهوت التحرير على أرض الواقع، بإعطاء الكنيسة طابعا تقدميا مخالفا لطابعها المحافظ الداعم للأنظمة الرجعية.

" نطالب باسم الرب بجمع مليون توقيع من المترجين لقداسة البابا جوفاني باولو الثاني، وسوف لن نقف عند حد هذا الطلب، بل سوف نتواصل للعمل نحن كاثوليك كنيسة يسوع، ومريم العذراء، وبطرس، لاجل مضاعفة هذا الرقم ليصل الى مليونين من التواقيع المؤمنة بمحبة البابا والكرسي المقدس". هذا هو مقطع صغير من المقالة المطوّلة التي نشرت في الصفحة الاولى من الجريدة اليومية ( ساوباولو) التي تصدر في البرازيل، ونشرت في ابرز صحف العالم ، حيث اقيمت حملة مكثفة لجمع التواقيع تقدم بها مجموعة من الاساقفة الكاثوليك البرازيليين من اجل رفع العقوبة التي فرضها الفاتيكان ضد ليوناردو بوف وارنيستو كاردينال، ابرز من يمثل اللاهوت المتحرر في البرازيل. بابا الفاتيكان البولندي، الذي ساهم مساهمة كبيرة في تهديم الاتحاد السوفياتي، رفض مثل هذه الدعوات التي طرحها لاهوت التحرر، ورفض استخدام افكار الصراع الطبقي، وتصوير المسيح على انه مناضل نشيط ضد السيطرة الرومانية والسلطات الاستغلالية، كما ان البابا قد صرح علانية في اكثر من مناسبة حول ضرورة النضال ضد الماركسيين داخل الكنيسة الكاثوليكية، وضد افكار الصراع الطبقي وقال" ان الخطوة التي يحملها لاهوت التحرر تكمن في اخضاع تعاليم الانجيل لبعض المقاييس السياسية مما يعني افقاد الكنيسة لواجهتها الدينية المسيحية". والكل يعلم ان البابا البولندي، كان من انشط البابوات سياسيا، فله مواقف وتصريحات حول بولونيا، واحداث نقابة التضامن تشهد على ذلك، وكان اليسار الايطالي يعتبر بان البابا يناقض نفسه حين اكد بشكل مباشر وبعد دعوة الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في ايطاليا قبل الانتخابات منتصف الثمانينات، الى ضرورة التصويت لمنع تحريم قانون الاجهاض الذي جاء نتيجة للنضال القوى اليسارية في البلاد، بل ان اطروحة" ما لقيصر لقيصر وما لله لله" كانت له واجهة متناقضة.

كنيسة رسمية للطغاة واخرى للفقراء

مع هبوب رياح الثورة في اوربا الرأسمالية، في الثمانينات من القرن الماضي، هبت رياح الهجوم العاتي على الكنيسة الكاثوليكية ورجالاتها، الذين صاروا رمزا لكل فساد وسوء طوية وضلال. صار رجل الدين، وخاصة المسيحي الكاثوليكي، هو مصدر كل خراب. وصار وعظه بملكوت السموات للأعين حرفا لجهود الناس عن آلامهم الواقعية، وتضليلا لهم عن نضالهم بضرورة بناء عالم تسوده الكفاية والعدالة الاجتماعية، وتنتفي منه اشكال العسف والاستغلال الاقتصادي والسياسي. ومن المعروف ان الثورة الفرنسية عام 1789، دشنت عهدا او مرحلة جديدة بدأت باضطهاد حقيقي لرجال الاكليروس الذين نظر اليهم كحلفاء لنبلاء النظام القديم، الملكي الاقطاعي، وكمسّوغين لفساده واضطهاده، بالاضافة، طبعا، الى تصويرهم كمصاصي دماء الشعب ومستغلي فلاحيه وحرفييه وقواه المنتجة ومناهضي حركة التقدم الضرورية للمجتمع الجديد، الذي ستقوده الطبقة الرأسمالية الصاعدة، بنظرتها الكونية المنفتحة على العالم وعلى العلوم الجديدة، والاكتشافات والاستثمار، وفي النهاية، الاستعمار.

من يقرأ التاريخ الفكري والسياسي الاوربي خلال القرن التاسع عشر وبعض من القرن العشرين، يدرك جيدا حجم الهجوم الكبير الذي انصب على الكهنة والاساقفة، وعظم الحركة التي تمكنت، عمليا، من دفع الكنيسة كثيرا الى الخلف، وفي اجبارها على التراجع والتقهقر، وحتى غير المنظم منه، بحيث غدت البابوية، وهي التي كانت تعيّن الملوك وتتحكم بمعظم اراضي القارة الاوربية تحكما مباشرا، بحاجة الى ان ترضى بجزء صغير من مدينة روما كمقر لمركزها وادارتها ودولتها، يطلق عليه اليوم اسم دولة الفاتيكان.

كل الآراء التي تستجيب للتطور التاريخي للمجتمع هي آراء ثورية ما دامت تعيّ تلك المرحلة، وتحاول تجاوزها تأريخيا نحو الافضل، وهي ثورية مادامت تسعى، وتتوخى مصلحة الأغلبية. والفكر الرجعي السلفي يظل بمثابة تمثيل واستعادة للزمن الذي لم يعد له وجود في حياة تلك الاغلبية من الناس. وما بين الثورية والرجعية، ما بين زمن مرتبط بوعي الانسان للحياة وآخر يعتمد الهلوسة والأخيلة، ومصالح قلة من الناس. اثيرت في تلك الفترة التاريخية، عاصفة جديدة ما فتئت بدعاويها على سطح الصحافة الايطالية والعالمية لتدحض كل منها الاخرى، ورياح هذه العاصفة الجديدة تمتد  الى زمن الخمسينات من القرن الماضي حين اعلن البابا بيّو الثاني عشر" باجيلي" فتاويه ضد الشيوعية، حيث اشتملت تلك الفتاوي على مجموعة كبيرة من المحرمات تصدى لها آنذاك قائد الحزب الشيوعي الايطالي" تولياتي" بهجوم ضد الكهنة الرجعية، وضد سياسات الفاتيكان التي تستند على جذر اجتماعي قوامه النزوع خارج حدود الواقع، والنفور من عملية التوفيق بين الحداثة والكنيسة.

وقد تقدم الأب" جوزيف راتسنجر"( الذي اصبح بابا الفاتيكان من الفترة ما بين 2005ــ2013) بوثيقة اعلن فيها حربه على الماركسية، ووصفها بانها" عبارة عن خجل كبير يحمله عصرنا الراهن" كما رفض بوثيقته إشراك الكنيسة الكاثوليكية بالواقع السياسي مشيرا الى امريكا اللاتينية ولاهوت التحرر، كما ركز هجومه في وثيقته هذه على الأب " ليوناردو بوف" الذي سعى خلال السنوات العشر الاخيرة الى خلق التحول في فهم اللاهوت والحرية، وامكانية البحث عن اشكال جديدة للتعبير عن العلاقات والتحولات الاجتماعية الجديدة في ظل واقع علاقات الانتاج التي تسود العالم الثالث وامريكا اللاتينية.

وقد دعا الأب " ليوناردو بوف" الى أن تتخذ الكنيسة موقفا واضحا وصريحا ازاء المشكلات الاجتماعية الجوهرية لأوسع فئات المجتمع وهم طبقة الفقراء وحريتهم المفقودة، تستند على تعاليم جوفاني الثالث عشر الذي كان بابا الكنيسة الكاثوليكية في فترة الستينات، والذي ألغى مفعول وثيقة المحرمات التي تعود الى البابا " باجيلي"، وطالب" الأب بوف" في ان يصبح اللاهوت واقعا معاشا وتطبيقا متحققا لدى الناس، الذين يسعون ويناضلون من اجل حريتهم، لا ان يبقى اللاهوت مجرد واقع نظري. واكد بان من طبق ذلك هم فقط المسيحيون الاوائل، وحركة سان فرانشيسكو الاصلاحية حيث زاوجوا ما بين اللاهوت والواقع العملي. واشار بانه لا تعارض مع الماركسية من هذه الناحية من خلال دعاويها واستنادها الى ظواهر الحياة الموضوعية، وتعبيرها عن الحاجات الملحة للتطور وانتقال المجتمع الى نحو التقدم.  وساهم البابا البولندي الرجعي جوفاني الثاني بهذه الحملة بعنف، وصلت حد تحريم ممارسة الطقوس الدينية من قبل  قسسة لاهوت التحرر، وفرض عقوبات " تأديبية" بعزلهم وابعادهم عن الكنيسة الكاثوليكية. اصبحت الكنيسة في الواقع كنيستان تقفان على ارجلهما من اجل الحرب، كنيسة الفقراء وكنيسة الفاتيكان اوكنيسة البابا، حيث وصف احد قادة الحزب الشيوعي الايطالي  في مداخلة صحفية ما معنى ان تكون هناك كنيستان في الواقع الاجتماعي فقال " الكنيسة الاولى تعود للبابا وشلته وللقاذورات الاخرى وكنيسة ثانية، كنيسة اللاهوت والحرية والاخلاق، وما بين الكنيستين توجد هوة عميقة". ان الحملة الكبيرة لجمع التواقيع التي قام بها قساوسة لاهوت التحرر والتي شارك بها مئات الاساقفة قد حصلت على موافقة 300 منظمة كاثوليكية في عموم البلاد البرازيلية، وقد انظم الى تلك الحملة عدد كبير من الصحفيين والمثقفين والسياسيين والنقابات العمالية ومنظمات جماهيرية، وقد وصف العقاب المفروض على الاب " بوف" من قبل البابا بأنه" يأتي في وقت حرج جدا يمر به المجتمع البرازيلي والحضارة الانسانية، فهو عقاب للخضوع يحد من حقوق الانسانية في الحرية التي يقرها اللاهوت الانجيليكي".

اما الاب " بوف" الذي ألف 31 كتابا حول اللاهوت المتحرر والماركسية، كان اخرها كتاب" كنيسة آلهية والسلطة" والذي كان يشرف على اصدار جريدة يومية والذي اكد باستمرار على على عدم وجود تعارض ما بين اللاهوت مع دعاوي الماركسية في اسنادها للظواهر الحياتية وتعبيرها عن الحاجات الملحة للتطور وانتقال المجتمع الى مراحل متقدمة، صرح قائلا" أوضح بانني لست ماركسيا، الا اني اعيد مرة اخرى للأذهان بان الرسالة الانجيلية تميز بين الفقراء والطغاة على ضوء اقترابهم وتفضيلهم الى الرب، ان البعثة التبشيرية الكنسية يجب ان تكون من دون التباس او غموض، بعثة تبشيرية من اجل الحرية وسعادة الفقراء والمضطهدين، اقبل فترة الصمت المفروضة عليّ، لكن هذا العقاب المفروض سوف لن يحول دونه تقدمي نحو الدراسة والتعمق في اللاهوت المتحرر".

حملة صليبية ضد مناضلي لاهوت التحرر

شن الفاتيكان هجوما عنيفا ضد القساوسة النيكاراغويين الذين كانوا يشاركون في الحكومة الساندينية وخصوصا القس ارنيستو كاردينال يطالبهم بالاستقالة من منصابهم او الطرد من الكنيسة. وظلت الكنيسة الكاثوليكية في روما ( الفاتيكان) تصّر منذ العام 1979 على ضرورة تنحي رجال الدين من مناصبهم الرسمية التي لا تنسجم مع مهمتهم كقساوسة. والقساوسة الاربعة هم: وزير الخارجية ميغويل دي اسكوتو، وزير الثقافة ارينستو كاردينال، وزير التربية والتعليم فيرناندو كاردينال، وادغار باراليس السفير لدى منظمة دول اميركا اللاتينية

ويذكر ان كاردينال، الذي عرف قبل الثورة السندانية في اميركا اللاتينية على اساس انه شاعر، حاول تجنب المواجهة مع الكنيسة، فعندما زار البابا البولندي جوفاني الثاني  ماناغوا، انحنى كاردينال عند قدمي البابا وحاول تقبيل يده الا ان البابا سحبها واخبره مباشرة ان عليه ان يحسم وضعه مع الكنيسة في نيكاراغوا. ومن المعروف عن كاردينال، الذي عمل قسا في منطقة لايك ماناغوا، معارضته العنيفة للديكتاتور سوموزا، الذي كان يشير اليه بـ( القس الماركسي الذي يزور كوبا الشيوعية باستمرار).

وكان القس كاردينال من الداعين الى اسقاط نظام سوموزا الديكتاتوري بالوسائل السلمية حيث رفض قرار الكفاح المسلح ، ولكنه قرر فيما بعد ان " العنف هو الرد الوحيد في مواجهة حكم الارهاب السوموزي" وفرّ بعد ذلك من نيكاراغوا حيث اصبح السفير المتجول للحركة الساندينية يجمع لها الاموال لشراء السلاح.

لقد رأى كاردينال في السياسة الرسمية للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، والتي كانت تسعى للتوصل الى سلام بالتفاوض مع سوموزو، قضية ميئوسا منها. وعندما رفض البابا استقباله اثناء الحرب الاهلية، قال كاردينال" ان ليس لدى البابا ( البولندي) يوحنا بولس الثاني اية فكرة عن وسائل القمع والاضطهاد التي يمارسها حكام اميركا اللاتينية ضد شعوبهم. وفي زيارته الاخيرة لكولومبيا التي جاءت قبل وقت قصير من الانذار النهائي الذي اصدره الفتيكان، قال انه" لا يرى اي تعارض بين مهمته كرجل دين او دوره كسياسي "واضاف" فحيث وجدت ان هناك تعارضا بين مهمتي كقس او ان اكون غافلا عن قضايا الفقراء.. فانني أومن بالدعوة الى تحرير الفقراء". ويرى كاردينال عدم توفر امكانية تحسين العلاقات بين الحكومة الساندينية والكنيسة، فالسبب برأيه " في نيكاراغوا كما في بلدان امريكا اللاتينية، هو انقسام الكنيسة، فكما هو الحال في الولايات المتحدة واوربا وحتى روما نفسها( يقصد الفاتيكان الذي يفرض هيمنته على كل الكنائس في عموم ايطاليا)، هناك كنيسة يمينية واخرى يسارية".

وعن اتهام "القطاع الرجعي" في الكنيسة النيكاراغوية للنظام التعليمي في نيكاراغوا ووصفه بانه نظام يدعو للالحاد، قال كاردينال" ما الذي يريده هؤلاء اكثر من ان يكون قسا كاثوليكيا وزيرا للتربية والتعليم في نيكاراغوا" . وتابع قائلا" ان اشتراك القساوسة في الحكومة يدل على ان الكنيسة النيكاراغوية هي مع الثورة على الرغم من وجود البعض ضدهم، ويمكننا بذلك ان نكون مثالا للآخرين للدلالة على ان الثورة ليست ملحدة او ضد المسيحيين". واشار الى ان القسوسة العشرة الذين طردوا مؤخرا من نيكاراغوا كانوا متورطين في مؤامرة مضادة للثورة وتهريب السلاح. ان اي حكومة في العالم لها الحق في عمل ذلك بالنسبة للأجانب الذين يتدخلون في السياسة الداخلية للبلاد. وقد طردت حكومات اجنبية عديدة قساوسة اجانب دون ان يصدر اي رد فعل من الفاتيكان. وقال كاردينال ان الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل في نيكاراغوا ستكون " حرة تامة" وستتنافس فيها مختلف الاتجاهات والاحزاب السياسية في البلاد، وستتمتع كافة الاحزاب بالتغطية الاعلامية ولها الحق في عقد الاجتماعات العامة وتلقي اموال من الخارج لدعم حملتها الانتخابية. ورفض كاردينال الزعم ان الانتخابات جاءت ردا على الضغط الاميركي او انها ستؤدي بالضرورة الى سلام داخلي واستعادة البلاد لعافيتها الاقتصادية واضاف" ان اولئك المناوئين للثورة سيواصلون اعملهم التخريبية سواء جرت الانتخابات ام لا".

لقد ساندت الولايات المتحدة النظام الديكتاتوري في نيكاراغوا قبل الثورة لمدة تزيد عن خمسين عاما، وما زالت تواصل دعمها لدكتاتوريات امريكا اللاتينية التي اما جرت فيها انتخابات مزورة او لم تحدث فيها انتخابات ابدا. ان الولايات المتحدة ستواصل عدوانها على نيكاراغوا وسنصرّ على الحفاظ على استقلال البلاد.

حين سألت الشاعر الثائر ارنيستو كاردينال: الاتهام للايديولوجية الماركسية جاء في الوثائق الاخيرة التي اصدرها المجلس الفاتيكاني الثاني الذي عقد في الفترة الاخيرة؟ قال كاردينال" التحولات لا انكر وجودها، لكن من دون انكسارات، وخروقات مع الماضي، وببساطة فان هذا البابا ( يقصد البولندي جوفاني الثاني) يتكلم بوضوح اكثر من غيره. الوثيقة الاخيرة تحمل التهم للماركسية، كما هي الحال مع تلك الوثيقة التي اصدرت من قبل البابا" بارجيلي" وتحمل تحذيرا بكون الماركسية خطرة، وخادعة. اما الوثيقة الاخيرة التي صدرت قيل ايام فقد اكدت ان الماركسية مستحيلة، بل خطرة، ان كل هذه التسميات عمليا متشابهة ومتطابقة، لكن فقط في السنوات الاولى بعد المجلس الفاتيكاني الاول فقد كانت الاسباب متعددة. سألته: الا تعتقد بان الاتهام ذهب الى حد مبالغ فيه؟ واي نتائج يمكن جلبها من خلال الماركسية بكونها " خجل عصرنا الراهن" كما جاء في وثائق الفاتيكان، وكذلك الآراء المطروحة حول الحكومات الاشتراكية؟. اجاب كاردينال: لا يمكن ان ننسى انه خلال العشرين سنة الاخيرة لم ينتج هؤلاء اية حقائق مفضلة في حكومات الديكتاتورية البروليتارية. والسبب في ذلك كان ولا يزال واضح في الايديولوجية الماركسية- اللينينية ذاتها وفي بيوتها الام مثل موسكو وبكين. انها لم تتغير وانما العكس من ذلك حدث.

ملاحظات الفاتيكان على لاهوت التحرر

  1. لاهوت التحرر متأثر بالماركسية: التركيز على التحرر المادي، على العنف، على الصراع الطبقي... الخ

تقول وثيقة رسمية بهذا الصدد، اعدتها لجنة في عام 1985 ونشرتها الوثائق الكاثوليكية:

انهم ( لاهوتيو التحرر) يختزلون الفقر الى مظهره المادي، بل انهم يفسرونه، وهذا ما هو ادهى، بحسب سوسيولوجيا الصراع، وصار بذلك دمج الفقير بالبروليتاريا منظورا اليه وفق منظور صراع الطبقات وبحس روح متحزبة لابد ان ترافقه. انهم يجرون الى تصورات مستعارة من التيارات المختلفة من الفكر الماركسي؟

الانحراف الرئيسي في لاهوت التحرر هذا هو في التصور نفسه للمنهج اللاهوتي.. ان الخطاب اللاهوتي الحقيقي لا يمكن حصره ابدا في حدود كنيسة خاصة.

  1. وهو توريط للكنيسة في الظرفي، والآني، وفي السياسة المباشرة. انه يخرجها عن رسالتها الروحية لتغدو طرفا في الصراعات القائمة، بما يتضمنه ذلك من اخطار على مهمة الكنيسة ووحدتها... الخ
  2. وتضيف الوثيقة نفسها: يجب التأكيد في الان نفسه ان الوجود الانساني لا يمكن ان يختصر الى ابعاده السياسية ولا يوجد محوره الرئيسي في السياسة، بل هو في علاقته بالله.

 

عرض مقالات: