فجر، وسيفجر، تفشي «كوفيد 19» نقاشات عميقة حول مدى كفاءة النظم السياسية في البلدان المختلفة في التعامل مع تحدٍ بهذه الخطورة، لم تعهد البشرية مثيلاً له منذ زمن طويل، ليس هذا فقط. تفشي الفيروس أظهر هشاشة كثير من برامج الحماية الاجتماعية، وبشكل خاص الرعاية الصحية التي بدت عاجزة عن تأمين ليس متطلبات مواجهة هذا التحدي فحسب؛ وإنما حتى توفير الحدود الدنيا من العناية بصحة الناس.

ومع أن الأزمة ما تزال في بداياتها، كما يقول المتخصصون وصناع القرار على المستوى العالمي، فإن مطالبات آخذة في التزايد بضرورة ردّ الاعتبار إلى دور الدولة في الرعاية الاجتماعية، خاصة في الدول الرأسمالية المتطورة.

كشف الفيروس أيضاً عن ضعف منظومة الاتحاد الأوروبي، وانكفاء كل دولة على نفسها، وانصرافها نحو تدبير أمورها في المواجهة منفردة، غير معوِّلة على دعم من دول الاتحاد الأخرى.

وتبدو مفارقة أن كوبا؛ الجزيرة الفقيرة المعزولة المحاصرة من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى منذ عقود، ترسل طواقم طبية مؤهلة إلى إيطاليا لمساعدتها في مواجهة المحنة، ومثلها تفعل روسيا المطوّقة بعقوبات الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو»، حيث حملت تسع طائرات شحن عسكرية معدات وخبراء إلى إيطاليا للغرض ذاته.

ومن المفارقات أيضاً، أن الصين التي وقف الغرب متفرجاً، وربما شامتاً منها حين اجتاح «كوفيد 19» إحدى أكبر مدنها، نجحت في تجاوز التحدي، بينما يتخبط الغرب في ذلك.

الخبير الروسي في الشؤون الصينية سيرجي بورانوك، أورد سبعة أسباب لنجاح الصين في ذلك، سنلخصها في التالي: الخبرة الضخمة في تعبئة المجتمع والاقتصاد والعلوم لمكافحة الخطر، والاستثمار الهائل في العلوم، بما في ذلك الطب، وثقة الناس في المسؤولين الذين فعلوا ما وعدوا به حقاً، كإنجاز بناء مستشفيات مجهزة خلال أيام، ما جعل الناس يقبلون أقسى إجراءات الدولة، وشفافية المعلومات المتصلة بالفيروس مع الداخل والخارج، ودور أعضاء الحزب الحاكم الذين انخرطوا في العمل الميداني بكل تفانٍ، واستخدام التقنيات الجديدة، بما فيها إلزام كل صيني بتنزيل تطبيق على الهواتف المحمولة، يعرض الحالة الصحية للأفراد، وهذا التطبيق مراقب ويحدد موقع كل شخص.

أما السبب الأخير، ولعله الأهم، فيكمن في استراتيجية العزل الشديد والصارم للمناطق المصابة.

* صحيفة الخليج

عرض مقالات: