جاءت إيديولوجيا التغيير في المنطقة العربية لعدة أسباب وعوامل داخلية سياسية /اقتصادية /اجتماعية /ثقافية كان لها دور مهم وحاسـم في تغـيير الأحداث، هذا بجانب عوامل خارجية لا يمكن إغفالها، لأن البعض يرى أن الثورات العربية إندلعت من المحيط العربي الداخلي ولم يكن لأي عنصر خارجي دور في ذلك. ويشير مفهوم التغيير السياسي إلى مجمل التحولات التي تتعرض لها البنى السياسية في مجتمع ما بحيث يعاد توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة نفسها أو دول عدة، كما يقصد به الإنتقال من وضع إستبدادي إلى وضع ديمقراطي. تعاني معظم دول الشرق الأوسط من التخلف الاقتصادي خاصة الدول العربية، فهي غالباً ما تعتمد على واردات النفط أو السياحة والمعونات الخارجية في حين تغيب التنمية الحقيقية بسبب صعوبات تتمثل في إرتفاع معدل تزايد السكان، نقص الكوادر الوطنية، التفاوت في مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي، إنخفاض مستوى الإدخار. وفي ظل هذا الوضع المتردي فأن دخل الفرد سيكون متدنيا. معظم بلدان الشرق الأوسط هي ذات نظم تسلطية وإستبدادية يقع بعضها في جغرافية العالم العربي، وبالتالي في ظل هذه الأنظمة تنعدم مظاهر التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والإعلام، وبالتالي كلها اسباب ادت إلى إندلاع الاحتجاجات المصحوبة بالعنف المفرط. إن فكرة الإصلاح فكرة قديمة قدم الإنسانية ، حيث وجدت في كتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو الكثير من الأفكار الإصلاحية مثل العدالة والقوانين وتنظيم المجتمع والدولة والاستقرار السياسي والتوزيع العادل للثروة وغيرها، ويمكن القول إن فكرة الإصلاح كانت ومازالت الهدف الأسمى للعديد من الفلاسفة والقادة والحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم ، فضلاً عن كونها موضوعاً رئيسياً في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ أيام ميكافيلي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن التاسع عشر . أما في العالم العربي فان فكرة الإصلاح بدأت في الدولة العثمانية في المجال العسكري بعد الهزيمة التي تعرضت لها أمام روسيا القيصرية عام 1774، ثم امتدت لاحقاً إلى المجالات السياسية والإدارية والاجتماعية. والإصلاح هو التغيير والتعديل نحو الأفضل لوضع شاذ أو سيء، ولا سيما في ممارسات وسلوكيات مؤسسات فاسدة أو متسلطة أو مجتمعات متخلفة أو إزالة ظلم أو تصحيح خطأ. والإصلاح السياسي هو خطوات فعالة وجدية تقوم بها الحكومات والمجتمع المدني نحو ايجاد نظم ديمقراطية حقيقية تكون فيها الحرية القيمة العظمى والأساسية وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلال التعددية السياسية التي تؤدي الى تداول السلطات، وتقوم على إحترام جميع الحقوق مع وجود مؤسسات سياسية فعالة على رأسها التشريعية المنتخبة، والقضاء المستقل والحكومة الخاضعة للمسائلة الدستورية والشعبية والأحزاب السياسية بكل تنوعاتها الفكرية. والحقيقة أن الاصلاح السياسي يحتاج الى ارادة والى عمل يرافق هذه الارادة وان تكون هناك توجهات تجري في جو وفضاء المجتمع المدني والاستقلال بالنسبة الى الجهات المنوط بها اجراء تحديث واصلاح وبشكل علمي جدي وليس بشكل عاطفي رغبوي يطور هنا ويستثني هناك وهكذا تكون العملية مبتورة وبالتالي لا يكون هناك أي نتائج مرجوه من هذا الإصلاح.                      

فهنالك من يعتبر ان العالم حقيقة متغيرة لأن التغيير هو سنّة الكون ، لذلك فان الإصلاح السياسي هو عملية حضارية وطبيعية لابد من الدخول فيها من أجل تغيير الوضع الراهن بواقع أفضل ، وهنالك فريق له نظرة أخرى خاصة بعد تبني الولايات المتحدة الأميركية لعدد من المبادرات والمشاريع الإصلاحية ، حيث يرى أن الإصلاح المفروض من الخارج الذي نادي به الغرب هو حلقة جديدة من حلقات الهيمنة والتآمر على العالم العربي ، وهو يهدف إلى تحقيق أجندة خفية خاصة بمصالح الدول الغربية ، لذلك يؤمن هذا الفريق بان الإصلاح لابد وان يكون ذاتياً ولا يأتي من الخارج.

فمن تجربة الاصلاح السياسي في العالم الأوربي نجد هناك تلازما وتفاعلا بين عالم السياسة وعالم الاقتصاد والانساق الثقافية في التركيبة السياسية التي شاخت مع عملية تغير حتى لرجالات السلطة وهذا امر مهم جدا لأنه لكي يقتنع المجتمع بجدوى الاصلاح يجب استبعاد الاناس المسؤولين عن آثار التردي والفساد وهو ظاهرة مستشرية في العالم العربي ومحاسبتهم قانونيا، وحلول اناس وخبرات جديدة حديثة ويتولون عملية رسم آفاق جديدة لإصلاح ما فسد او ما أفسده غيرهم وهكذا تستمر الحياة ويتابع البلد والمجتمع مسيرته نحو الافضل.  

عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في العالم العربي هي عملية ضرورية جداً وذلك ليس مجرد رغبة بل هي ضرورة لان الانماط والأشكال السياسية الحالية السائدة في العالم العربي لم تعد تناسب المرحلة المعاصرة وهي بالتالي قد انتفت الحاجة لها ولان السبب الذي كان يضمن للنخب الحاكمة الاستمرار في الحكم وفي السلطة بهذا الشكل مثل ان تحتكر السلطة الحكم لثلاثة عقود او عقدين لم يعد مقبول في مرحلة العولمة وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية وانتهاء الحرب الباردة, ولان العالم بشكل اجمع يمر بمرحلة انتقالية جديدة من الحياة اذ ان التغيير السياسي والاقتصادي هو كالسيل الجارف سيجرف معه كل اشكال السلطات والتشكيلات التي لا تتلاءم مع معلم الحياة الجديدة.

ظهر المجتمع المدني في الدول العربية بعد 2011 باعتباره قوة مركزية في إحداث التغيير السياسي في المنطقة.  إن الجهود التي بذلت في السابق للتصدي لتحديات العالم الإسلامي كانت في الغالب متناقضة فيما بينها وكانت تعمل لخدمة أغراض متعارضة. وثمة سوء فهم واضح للثقافة السياسية للمنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بقضايا الإرهاب، والتطرف، والإصلاح السياسي. وقد أدى التعاون الأمني مع أنظمة استبدادية لمواجهة التهديد الإرهابي إلى تعزيز المواقف السلبية تجاه الولايات المتحدة وسياساتها. ويحتمل لجهود النهوض بالديمقراطية أن تمكن الأصوليين من تولي زمام الأمور في العديد من البلدان، فإنها قد لا تمثل أفضل الآليات لتسوية القضايا السياسية الجوهرية، خاصة وان شكوكا عميقة مازالت قائمة تجاه هياكل السلطة الرسمية في المجتمعات المسلمة. والذي سيقرر نتيجة هذا النزال الديني والعقائدي هو ميزان القوى والنفوذ بين الإسلاميين الراديكاليين، الذين يصرون على فرض شكل متزمت من الإسلام من خلال العنف والترهيب، والمسلمين المعتدلين، الذين يهدفون إلى تجديد الإسلام من الداخل.