جوهر عملية التنمية السياسية مرتبط بالتنمية الاقتصادية، والتنمية السياسية ضرورية لإحداث تنمية اقتصادية مع ما يصاحبها من تنظيم أجهزة الدولة في الجوانب الإدارية والقانونية واشتراك الجمهور في العملية السياسية وتفعيل المؤسسات. من هنا عرّف لوسيان باي التنمية السياسية بأنها عملية تغير اجتماعي متعدد الجوانب غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية. من الواضح اي تقدم للدول المتخلفة نموذجاً واحداً لا مناص من الأخذ به، ألا وهو النموذج الغربي الأوروبي. ولم يحدد ما إذا كان الوصول الذي يعنيه إلى مستوى الدول الأوروبية الصناعية في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي هو خلاصة النموذج التنموي أم لا، بل ترك المجال مفتوحاً. هذا إضافة إلى أن الدول الأوروبية الصناعية تتفاوت في معدلات ونسب تطورها ونموها السياسي. الحديث عن أنماط موحدة للقيم السياسية، أو حتى النظم السياسية هو أمر لا يتسم بالمنطق ولا ينسجم معه. فالقيم رغم تشابهها في الفهم إلا أنها تختلف في الممارسة من مجتمع لآخر. لذا، فأيّ عملية تنمية سياسية يجب أن تأخذ في الاعتبار خصوصيات المجتمعات، والتمايز والتفاوت الموجودة بينها سواء في الثقافات أو العادات أو التقاليد أو الديانات. ورغم الحديث المتزايد عن العولمة، فلا يمكن لها أن تنجح في ظل تفاوت المجتمعات العالمية إلا في نطاق خلق أنماط متماثلة من السلوك والمعرفة دون التعمق في إحداث تغيرات جذرية مجتمعية. هي عملية تفاعل ثقافي سياسي تتداخل فيه العوامل المادية بالمعنوية متظافرة ومولدة حالة انتقال للمجتمع من وضع التخلف إلى التقدم السياسي، هي عملية معرفة بالأساس، حيث تزيد كماً ونوعاً في المجال السياسي لدى الفرد والمجتمع. يساعد النظام السياسي على وضع هذه المعرفة موضع التطبيق من خلال العمليات السياسية المتعددة مثل: الترشيح، الانتخابات، حرية التعبير والتصرف، تداول السلطة سلمياً، …. ألخ.
لقد واكب التطور السياسي في أوروبا والولايات المتحدة تطوراً اقتصادياً، بل أن كثير من المفكرين والمنظرين للتنمية يرون أن التطور الاقتصادي كان سابقا للتطور السياسي. هذا التقدم واكبه في نفس الوقت تخلف اقتصادي وسياسي في البلاد الأخرى, دول العالم الثالث التي هي غارقة في وحل الديكتاتورية السياسية والفقر الاقتصادي المدقع. لقد قُدمت النماذج الفكرية المقترحة للتنمية سياسياً واقتصادياً انبثاقاً من التجربة الأوروبية، بحيث جعلوا النموذج الأوروبي هو الهدف والغاية. وهذا يعني أن جوهر عملية التنمية يكمن في تحول المجتمعات المتخلفة من الحالة التقليدية (التخلف الاقتصادي) إلى حالة الحداثة على النهج الأوروبي.
إن نجاح أوروبا في الوصول إلى إفساح مجال أوسع من الحرية السياسية للأفراد في المجتمع لا يعني مطلقاً صلاح نظمها السياسية كيّ تكون نموذجاً. ومع اختلاف النظم السياسية الغربية إلا أنها جميعاً تؤكد على قضايا معينة ترسخ مبدأ مشاركة الجماهير في اتخاذ القرار السياسي، وإتاحة المجال لتفعيل دور الجماهير. فإذا تحققت هذه الأهداف من خلال أيّ نظام سياسي، فإن عملية التنمية السياسية تكون قد تحققت بصرف النظر عما إذا كان ذاك النظام أوروبياً أم لا. من الملاحظ أن هناك كثير من المجتمعات المتخلفة التي حققت نمواً سياسياً ذاتياً منبعثاً من الهوية التاريخية والخصوصية الحضارية، منها: المجتمع الهندي، الياباني، الصيني، مصر القديمة، وبلاد الرافدين.
يقصد بالتطور التغير التدريجي الذي يبدأ من بداية الظاهرة وحتى الوصول إلى نهايتها سواء كانت طبيعية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية. وعليه، فالتطور في المجال السياسي، هو انتقال النظام السياسي من مرحلة تغيب فيها الحرية ويسود فيها التشدد إلى درجة أكبر من الارتياح والحرية، ومساحة أوسع من المشاركة. وعندما نطبق التطور على الواقع السياسي، نجد أنه يعني أن المجتمعات العالمية تقع على تدريج صاعد تمثل أوروبا قمة هذا الخط. وتأتي الدول الأخرى على مواقع متفاوتة على هذا الخط الصاعد.
البعض يركز على وضع تصور مستقبلي للعالم، من خلال تركيزه على تطور المجتمعات الإنسانية. يستند هذا التصور على الامتداد المنطقي للكليات الاجتماعية القائمة. مثلاً، محاولة كارل ماركس الذي اقتنع بحتمية الصراع بين الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية. وأن نتيجة هذا الصراع في صالح الطبقة العاملة الأكثر عدداً، وهذا سيقود إلى دولة تٌحكم من قبل الطبقة العاملة البروليتارية. وهو يرى أنه في مرحلة الشيوعية لن يكون هناك حاجة للحكومات. ويرى أن التنمية عملية تاريخية في اتجاه واحد، وفي خط حلزوني صاعد إلى أعلى.
شهد النظام الدولي مع مطلع الخمسينيات تغيرات دراماتيكية حاسمة وسريعة. فقد أخذت تتزايد أعداد الدول المستقلة من دول العالم الثالث، ويتزايد إسهامها في السياسة الدولية. ومن ناحية ثانية، تزايدت درجة التنافس والاستقطاب والاحتواء بين الكتلتين الكبيرتين المتنافستين آنذاك (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفياتي)، إلى جانب سيادة الحرب الباردة في العلاقات بينهما. من هنا ظهرت الحاجة لوضع نظرية محددة لفهم دول العالم الثالث وسياساتها. لقد أدى بروز دول العالم الثالث (أو ما تسمى بالدول النامية) إلى إعادة النظر في المناهج والنظريات المطبقة. وقد ساعد على ذلك الدراسات السلوكية التي طورت المناهج المستخدمة. وأمام التوسع في الدراسات السلوكية، وتطوير مناهج البحث العلمي، تعددت النظريات المفسرة لظاهرة التنمية السياسية. لقد حفزت هذه التطورات اهتمام علماء السياسية لدراسة ظاهرة التنمية السياسية في تلك الدول. في البداية لم يكن علم السياسة مؤهلاً لدراسة هذه الظاهرة دراسة متكاملة. فقد تركزت الجهود في مجالات النظرية والحكومات والمؤسسات السياسية. اتسم المنهج الذي استخدم بالوصفية أكثر من الواقعية، وركز على الجوانب التاريخية والقانونية للمؤسسات، وقصر الاهتمام على الديمقراطيات الغربية.