-- اثار انهيار نموذج الدولة الاشتراكية الفعلية الكثير من المصاعب الفكرية والسياسية للأحزاب الاشتراكية والفصائل الثورية الديمقراطية وبالأخص منها أدوار تلك الأحزاب الثورية والفصائل الديمقراطية في بناء الدولة الوطنية في ظل قوانين التبعية والتهميش الملازمة للتوسع الرأسمالي وخيار مستقبلها السياسي – الاجتماعي.

انطلاقاً من تلك المصاعب السياسية - البرنامجية تثار حزمة من الأسئلة الفكرية والسياسية منها --هل ما زالت برامج الثورة الاجتماعية ذات المرحلتين - الثورة الوطنية الديمقراطية والثورة الاشتراكية مترابطة في شروط العولمة الرأسمالية؟ وهل الحزب الشيوعي قادر بمفرده على بناء الدولة الاشتراكية؟ وهل وحدانية الحزب الاشتراكي في قيادة السلطة السياسية قادرة على مناهضة أسلوب الإنتاج الرأسمالي المعولم .؟ هل تستطيع الثورة الاشتراكية (الانتصار في دولة وطنية واحدة؟ أم انها ستندلع في البلدان الرأسمالية المتطورة)؟

--هناك الكثير من الأسئلة المنهجية الملتهبة القديمة منها والجديدة التي تحتل حيزا كبيراً في المناقشات الفكرية الجارية في الأحزاب الاشتراكية وذلك بهدف الوصول الى إجابات علمية تشكل برنامجاً فكريا– سياسيا يساهم بتطوير الفكر الاشتراكي ويساعد الأحزاب اليسارية الديمقراطية على رؤيتها السياسية الهادف الى صياغة مستقبل دولها الوطنية.  

استناداً الى تلك الأسئلة الملتهبة وغيرها احاول متابعة بعض الموضوعات الفكرية التي أراها دافعة لأثارة السجال الفكري الهادف الى   تحفيز البحث الاشتراكي لغرض المساهمة في بناء عدة فكرية -- سياسية قادرة على تنفيذ برامج الوطنية -الديمقراطية.

بهذا السياق تهتم مداخلتي بعلاقات القوى الطبقية الفاعلة في التشكيلة الاجتماعية الوطنية وآفاق كفاحها الوطني وكيفية تطوره متوقفاً عند المفاصل الفكرية - السياسية التالية—

أولا - القوى الطبقية الفاعلة في الدول الوطنية.

ثانيا – الحزب الاشتراكي ودوره في المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي.

ثالثاً – التحالفات الوطنية وأهميتها في التحولات – السياسية الاجتماعية.

على اسا س تلك العدة المنهجية أحاول وبرؤية مكثفة التوقف عند الموضوعات الفكرية المثارة.

أولا – القوى الطبقية الفاعلة في الدولة الوطنية.

تعيش التشكيلات الاجتماعية الوطنية أوضاعاً اقتصادية واجتماعية متردية بسبب كثرة من التراجعات في أدوار الطبقات الاجتماعية نتيجة التغيرات الاقتصادية العاملة على تحجيم تطورها ونموها الفكري وبهذا الإطار تبرز أهمية وضوح الرؤية الفكرية -السياسية في كفاح الحزب الاشتراكي كي يكون قادراً على بناء برامجه الوطنية - الديمقراطية الهادف الى تطوير تشكيلته الاجتماعية وصيانة دولته الوطنية من التبعية والتهميش.

- اللوحة الطبقية في التشكيلات الاجتماعية الوطنية تتسم في الظروف التاريخية المعاشة بالمواصفات التالية--

-- لازالت الدولة الوطنية بسبب هيمنتها على الاقتصاد الوطني تحتفظ بفروع إنتاجية كبرى واستناداً الى قطاع الدولة الاقتصادي تتطور شرائح البرجوازية البيروقراطية - الإدارية المستفيدة من قيادتها لملكية الدولة الاقتصادية.   

-- هيمنة الفئات البيروقراطية والبرجوازية الكمبورادورية والشرائح المالية الربوية على قطاعات الدولة الاقتصادية تشكل أداة السيطرة الطبقية للقوى المناهضة للتنمية الوطنية في النظم السياسية للدولة الوطنية.

-- تسعى الفئات الطبقية المهيمنة على قطاع الدولة الاقتصادي والمتحالفة مع الرأسمال المعولم الى منع الطبقات الاجتماعية الوطنية الأخرى من تطوير دورها بهدف تحجيم النشاط المناهض للهيمنة الرأسمالية الاجنبية.     

-- تعمل الطبقات والشرائح البيروقراطية المسيطرة على الاقتصاد الوطني على الحد من دور الدولة في التحولات الاجتماعية وتشديد النهوج التسلطية في الحكم.

-- التحالفات السياسية بين الطبقات الفرعية والبيروقراطية في السلطة السياسية تتسم بالفساد الإداري باعتباره محيطا ومحركاً لديمومة القوى المناهضة للتقدم الاجتماعي.

ثانيا – الحزب الاشتراكي ودوره في المرحلة الجديدة من التوسع الأسمالي.

استنادا الى اتساع الفئات والطبقات الاجتماعية المتضررة من التوسع الرأسمالي تتصدر الاحزاب الاشتراكية والتيارات الديمقراطية اليسارية طليعة القوى الاجتماعية الرافضة لنهوج التبعية والتهميش وطبقا الى ذلك تخوض الطبقة العاملة المتمركزة في مؤسسات الدولة الانتاجية -الخدمية كفاحها الوطني- الديمقراطي المناهض لميول التبعية والالحاق التي تسعى اليها القوى الطبقية المتحالفة مع الوافد الاجنبي.

-- فعالية الكفاح الوطني الديمقراطي تشترطها مضامين التناقضات الأساسية في المرحلة المعاصرة من التوسع الرأسمالي المتمثلة بين- الطبقة العاملة والشرائح الديمقراطية من الطبقات الوسطى وأقسام من البرجوازية الوطنية - وبين الطبقات الطفلية والبرجوازية الكمبورادورية الرافعة الاجتماعية للتبعية السياسية التي تتطلبها الرأسمالية المعولمة.  

ان فعالية كفاح الطبقة العاملة وقواها السياسية تشترطها كثرة من الوقائع أهمها كما أراها تتجسد في الموضوعات التالية --

-- بسبب انتشارها وتمركزها في المرافق الإنتاجية - الخدمية التي تملكها الدولة الوطنية تسعى الطبقة العاملة وحزبها الاشتراكي الى تطوير أساليب الكفاح الاجتماعية الديمقراطية بمشاركة الطبقات والفئات الاجتماعية الهادفة الى التغيرات الاجتماعية.

- التوجهات السياسية للحزب الاشتراكي المناهضة للنظم السياسية الاستبدادية تتجاوب ومصالح الطبقة العاملة والقوى الاجتماعية المتعاونة معها وما يشترطه ذلك من -  
أ—بناء تحالفات وطنية – ديمقراطية بين الطبقات والشرائح الاجتماعية المناهضة للتبعية والتهميش والقوى والشرائح الاجتماعية والسياسية الفاقدة لروحها الوطنية.

ب- تشكيل بنية وطنية ديمقراطية لمنظومة البلاد السياسية مناهضة للإرهاب والهيمنة الأجنبية.

ج– مكافحة الفساد الاداري الناتج عن تحالف الطبقات الفرعية مع بيروقراطية الجهاز الإداري والرأسمال الاحتكاري.

ان تحديد الطبقات والشرائح المناهضة للتبعية والتهميش تطرح على الحزب الاشتراكي ضرورة التعاون معها بتحالفات برنامجيه وطنية واسعة مناهضة للهيمنة الأجنبية.

ان الرؤية المتفائلة المرتكزة على التغيرات الدولية-- الوطنية تضيف اعباء ومهام كفاحية كثيرة على القوى الوطنية الديمقراطية الامر الذي يشترط ان يكون كفاحها الديمقراطي مستند اً على حركة شعبية ناشطة للتصدي للهيمنة والتهميش.

ثالثاً – التحالفات الوطنية أداة التحولات السياسية

قبل الخوض في المحور الثالث لابد لنا من تحديد طبيعة التحالفات السياسية في الدولة الوطنية وما هي ما هي أشكالها السياسية ناهيك عن تأكيد أهميتها لإنجاز برنامج الوطنية -- الديمقراطية.

استناداً الى ذلك يمكن حصر التحالفات الوطنية بشكلين رئيسين أولهما تحالفات وطنية موالية وثانيهما تحالفات وطنية معارضة آملين التوقف عندهما في الرؤى التالية.  

أولا – تحالفات وطنية حاكمة

بداية لابد من التأكيد على ان التجربة التاريخية المعاصرة للتحالفات الوطنية الموالية خاصة في العراق اثبتت فشلها انطلاقا من الوقائع التالية –

1 – انعدام المساواة الحقوقية بين الأطراف الوطنية المتحالفة بسبب امتلاك الحزب الحاكم للسلطة السياسية وهيمنته على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية فضلا عن قيادته لأجهزة الدولة الإدارية بينما الأطراف السياسية المتحالفة الأخرى لم تكن سوى منظمات سياسية لا تتمتع بسمات الهيمنة بل تسعى لتطوير بنيتها الديمقراطية وقاعدتها الشعبية.

2– استطاعت الأحزاب الحاكم عبر قيادتها للدولة على احتكار الأجهزة الإدارية والأمنية والعسكرية ناهيك عن تطور قدرتها في الاندساس والتخريب في صفوف الأحزاب الوطنية المؤتلفة.

3 – امتلك الأحزاب الحاكمة اجهزة امنية – وفصائل شعبية مسلحة بينما الأحزاب الوطنية المشاركة في الجبهات الوطنية سعت الى الاحتماء بمنظماتها الشعبية.

4-- تحددت السياسية الدولية للأحزاب الحاكمة بمصالح نظامها السياسي وقواه الطبقية بينما عملت الاحزاب المشاركة في التحالفات الوطنية على تطوير كفاحها الديمقراطي المناهض للأنظمة الاستبدادية الإقليمية والدولية.

استناداً الى تلك الوقائع   أثبتت التجربة التاريخية فشل التحالفات الوطنية مع القوى الحاكمة كونها غير متكافئة بل أفضت الى محاولات دمج الأحزاب الوطنية المؤتلفة في بنية الدولة وقيادة حزبها الحاكم.

ثانيا – تحالفات وطنية مناهضة للحكم

-- الشكل الثاني من التحالفات الوطنية منتشر في الدول الوطنية ولغرض تأكيد أهميته التاريخية نشير الى ارتكازه على برامج وطنية ديمقراطية هادفة الى بناء دولة وطنية –ديمقراطية لمواجهة تغيرات العولمة الرأسمالية.

انطلاقاً من التحديد المشار اليه نتوقف عند مفاصل برنامج الوطنية – الديمقراطية الضامن لهذه التحالفات عبر تسمية عنوانيه الأساسية المتمثلة ب-

أ -- بناء دولة وطنية ديمقراطية مستقلة

يشترط الطور الجديد من التوسع الرأسمالي توحيد القوى الوطنية الديمقراطية الهادفة الى مناهضة التبعية والتهميش الملازمة للعولمة الرأسمالية بهدف بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المستقلة.

ب – مناهضة التوحش الرأسمالي والهيمنة الخارجية.

ميول التبعية والتهميش الى تحملها الرأسمالية المعولمة لا تقتصر على تحويل الدولة الوطنية الى حارس للاحتكارات الدولية بل تسعى الى تهميش وافقار الطبقات الاجتماعية عبر تقليص مواقعها الإنتاجية.

ج- التوافق الطبقي بديلا عن الصراعات السياسية

تسعى العولمة الرأسمالية الى تسعير حدة النزاعات الاجتماعية من خلال مساندتها الأنظمة الاستبدادية واحتضانها الطبقات الفرعية السياسية وما ينتجه ذلك من صراعات وتوترات أهلية.

انطلاقا من ذلك فان اعادة بناء الدولة الوطنية وحمايتها من التبعية والتهميش تشترط التحالفات الوطنية بين القوى الفاعلة في حياة البلاد السياسية والاقتصادية.

ان برنامج التحالف الوطني الديمقراطي في مرحلة العولمة الرأسمالية يسعى الى تحقيق الأهداف البرنامجية التالية --

أولا-- إعادة بناء الدولة الوطنية وسلطتها السياسية المستندة الى الشرعية الانتخابية الديمقراطية التي تشكل الأساس القانوني لبناء الدولة الوطنية وسيادة سلطتها السياسية.

ثانياً – مكافحة التوحش الرأسمالي المتسم بالتهميش والإلحاق يتطلب بناء اقتصاد وطني متجاوباً ومصالح القوى الطبقية المؤتلفة في التحالف الوطني.

ثالثا-- بناء اقتصاد وطني يلبي حاجات البلاد الأساسية ويسعى الى اقامة علاقات مع دول العالم الرأسمالي على أساس المساواة ومراعاة المصالح الوطنية.

رابعاً– تلبية المصالح الواقعية للطبقات الكادحة من خلال بناء شبكة الضمانات الاجتماعية.

خامسا– مراقبة السلوك السياسي الاقتصادي للطبقات الفرعية وتحجيم نشاطها السياسي وعلاقاتها الدولية.

سادساً - تشديد الرقابة البرلمانية على نشاط الأجهزة الحكومية بهدف التزامها بالأهداف الوطنية.

ان البرامج الاقتصادية – السياسية التي تعتمدها قوى التحالف الوطني في كفاحها الديمقراطي تشكل أسساً وطنية قادرة على مواجه عوامل التبعية والالحاق التي يعتمدها الطور المعاصر من التوسع الرأسمالي إزاء الدول الوطنية.

عرض مقالات: