خلال عام 2019 استمرت معاناة العراقيين من الأزمة الاقتصادية الشاملة التي انعكست سلبا على شؤون البلاد حياة وشعبا. وبسبب تفشي آفة الفساد المالي والاداري وسوء الادارة والفشل في التخطيط وعدم وجود الخطط الاقتصادية والاستراتيجية والذي ادى الى عدم استغلال ثروات البلاد المتنوعة لصالح الشعب العراقي حيث يعد العراق اغنى تاسع بلد في العالم بموارده الطبيعية من نفط وغاز طبيعي ومعادن متنوعة ووفرة الأرض، لكن العراق أخفق في عام 2019 وكذلك في الأعوام السابقة منذ 2003 في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي.
لقد حل عام 2019 وانتهى والعراق ما يزال اقتصاده اقتصادا ريعيا متخلفا يعتمد على الاستيراد والاستهلاك وهو بعيد كل البعد عن الانتاج، وما يزال العراق محملا بأعباء الديون الكبيرة وفوائدها حيث تشير توقعات صندوق النقد الدولي الى ان ديون العراق سترتفع في العام 2020 الى ( 138) مليار دولار بعد ان كانت ( 132.4) مليار دولار ،وبات العراق يستنزف امواله واحتياطاته تحت ثقل المديونية الكبيرة وتراجع مؤشر النمو والاعتماد على مصدر وحيد للدخل القومي (النفط)في ظل زيادة سكانية وضغط خدماتي وتهديدات امنية واتساع شبكة الفساد المالي والاداري وتضخم الاستهلاك .
في عام 2019 أقر مجلس النواب الموازنة العامة بعد خلافات عميقة بين القوى المتنفذة الحاكمة حول التخصيصات وحصص الوزارات والمدن المدمرة والمحافظات واقليم كردستان ، وقد بلغت موازنة 2019 قرابة 112 مليار دولار بعجز يصل الى 23 مليار دولار يسدد من القروض الأجنبية والديون الداخلية. ويلاحظ استنزاف الموازنة من خلال نفقات الرئاسات الثلاث التي تقضم بحدود 45 في المائة منها وهي نفقات تتسم بالبذخ لا تراعى فيها مصلحة الشعب في الوقت الذي تقلص فيه التخصيصات المخصصة للقطاع الزراعي الذي يؤمن سلة غذاء العراقيين ومادته الأولية التي تحتاجها الصناعة اضافة الى تقليص التخصيصات الخاصة بالقطاع الصناعي والتعليم والصحة وغيرها. الى جانب ان النفقات التشغيلية تقضم 75 في المائة من الموازنة فقد بلغت الرواتب نحو 52 مليار دولار بينما بلغت المخصصات للاستثمارات والاعمار قرابة (27.8) مليار دولار فقط.
وفي عام 2019 بلغت معدلات البطالة المعلنة رسميا 16 في المائة بعد ان كانت 14 في المائة في عام 2018 ووفقا لبيانات صندوق النقد الدولي فإن معدل بطالة الشباب بالعراق بلغ اكثر من 40 في المائة في عام 2018 وهو ما يعني ان 14.8 مليون عراقي يقفون في طابور العاطلين عن العمل وهم اليوم اكثر من اسهموا في انتفاضة اكتوبر الشعبية. كما تشير احصاءات البنك الدولي الى ان نسبة الفقر في العراق تصل الى 41.2 في المائة في المناطق المحررة من داعش الارهابي و30 في المائة في المناطق الجنوبية و23 في المائة بالوسط و12.5 في المائة في اقليم كردستان.
اما بالنسبة للفقر في العراق فإن نسبته مرتفعة بنحو 22.5 في المائة على المستوى الوطني، وفي المحافظات التي تأثرت بداعش فتصل الى 41.2 في المائة. وقد صنف العراق بين البلدان الأكثر فسادا محتلا المرتبة 169 من اصل 180 بلدا حسب منظمة الشفافية الدولية، وبالرغم من ان مبيعات النفط تتراوح شهريا بين 6 -7 مليار دولار الا ان فاتورة توفير الوقود والغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء تستنزف ارباح النفط فالعراق يستورد ما بين 500 و 1200 ميغاواط من الكهرباء من ايران حسب فصول السنة بتكلفة تقارب 1.2 مليار دولار في السنة في حين ان العراق يهدر ما يقرب من 2.5 مليار دولار من الغاز الطبيعي سنويا نتيجة لحرقه ما يعادل 1.55 مليار قدم مكعب يوميا وهي عشرة اضعاف الكمية المستوردة من ايران . الا يعني ذلك سوء ادارة وفشل حكومي بامتياز في ادارة شؤون البلاد؟
وفي عام 2019 والأعوام التي سبقتها منذ 2003 لم تتمكن الحكومات من تحقيق التنمية الاقتصادية – الاجتماعية بل بالعكس فقد ازدادت ازمات البلاد وبقي الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا وحيد الجانب يعتمد كليا على تصدير النفط الخام دون تصنيعه وبقي اقتصادا استهلاكيا غير منتج يعتمد كليا على الاستيراد وتم تهميش الصناعة والزراعة والقطاعات الاخرى ولم يتحقق أي نمو وتطور اقتصادي ملحوظ. فقد اسهمت كل الحكومات المتعاقبة على حكم العراق بعد 2003 والى اليوم في زيادة تدمير اقتصادنا الوطني نتيجة غياب الرؤى والاستراتيجيات والسياسات الموحدة للدولة في مجال التنمية والمجال المالي ونتيجة نهج المحاصصة والطائفية الفاشل المتبع ، اضافة الى اضعاف دور الدولة في الميدان الاقتصادي والتدهور الأمني وعجز الدولة عن وضع الحلول الجذرية لأزمات البلاد، وتقزيمها الديمقراطية والسياسة التجارية المفتوحة لاستيراد كل شيء على حساب منتجاتنا الوطنية ، وقد دعا المنتفضون في ساحات الاحتجاج في بغداد ومدن الوسط والجنوب الى دعم المنتجات الوطنية مما اسهم في انعاشها وعودة الروح اليها .
لم تسهم الحكومة في عام 2019 اضافة الى الأعوام السابقة منذ 2003 بإخراج العراق من دائرة التخلف الى دائرة النمو وصنف العراق في احصائيات الأمم المتحدة ضمن الدول الأكثر فقرا رغم موارده الطبيعية المتنوعة.
ورد في برنامج حكومة عبد المهدي (المجبر على الاستقالة) في المجال الاقتصادي: (توفير الخدمات الأساسية للمواطنين (السكن والماء والكهرباء) وتوفير عيش كريم للمواطنين وايصال الخدمات الأساسية لهم من خلال تحسين نوعيتها من ماء وكهرباء وبناء مساكن اقتصادية واطئة الكلفة للفئات الهشة من المجتمع وانشاء مشروعات السكن الاعتيادي .... الخ)، البرنامج كان مجرد حبر على ورق ووعود شبع منها العراقيون المكتوون بالأزمات والمعاناة فما زال المواطنون يشترون الماء النقي الصالح للشرب مما يزيد من اعبائهم المالية. كما لم تتوفر الكهرباء المستمرة على الرغم من إنفاق أكثر من 40 مليار دولار على قطاع الكهرباء بسبب الفساد وسوء التخطيط وضعف الحكومة وهو عبء اضافي لمالية الأسر العراقية حيث يتحكم اصحاب المولدات الأهلية بأسعار الأمبير التي تميل للزيادة دائما بسبب انعدام الرقابة والمحاسبة الحكومية وفسادها. وما زالت البطالة مرتفعة بين الشباب واصحاب الشهادات العليا التي واجهتهم الحكومة الحالية بالرصاص الحي والماء الساخن والاعتقالات لأنهم يطالبون بتوفير فرص العمل التي هي حصرا لأبناء المسؤولين.
كان عام 2019 في العراق عاما سيئا بالنسبة للعراقيين وهذا ما دعا الجماهير الشعبية الى الانتفاض ضد الحكومة وضد القوى المتنفذة الفاسدة التي لم تقدم شيئا لجماهير الشعب سوى الخراب.