تسعفنا وسائل الإعلام أحياناً بالكشف عن الكميات الكبيرة من المخدرات التي  تُهرب للبلاد من قبل دول الجوار وبخاصة إيران وهذه العملية تكاد أن تكون متواصلة  على الرغم من الكشف عنها وعن طرق تهريبها التي باتت متطورة وحديثة ومبتكرة الأساليب ومن الصعب أن يتصورها العقل إلا أن المتابعة والمصادفة أدت إلى اكتشاف بعضها ففي خبر أكيد كشف علي الدايني رئيس مجلس ديالى ونشرته السومرية نيوز / بغداد في 13 / آذار / 2018 بوجود معلومات عن تهريب المخدرات عبر الحدود العراقية الإيرانية بواسطة طائرات مُسيرة أعدت لهذا الغرض وأشار الدايني " ، أن "الطائرات المسيرة ووفق المعلومات المتوفرة تنقل من 200-250 غم من المخدرات خلال رحلتها على الحدود العراقية- الإيرانية"، موضحاً أكثر أن " استخدام الطائرات المسيرة أسلوب جديد تنتهجه عصابات التهريب للإفلات من قبضة القوى الأمنية".

 هذا الأسلوب الذي اكتشفته البعض من القوى الأمنية استمر وقتاً غير قليل قبل أن يكتشف كأسلوب جديد للتهريب ، ولو دققنا بالكميات التي تم نقلها بواسطة هذه الطائرات في كل رحلة من رحلاتها لأيقنا أنها نقلت الكثير من المخدرات ووزعت على عشرات الالاف من المواطنين وجنت المليارات من الدنانير أو الدولارات وهي عملية إجرامية لها تداعيات مدمرة على حياة الملايين من المواطنين وبخاصة الشباب منهم وفي بلد مثل العراق الذي يعاني الأمرين من سوء الأوضاع الأمنية والخدمية والمعيشية والحروب ضد الإرهاب فهذه الظاهرة التي تنامت خلال فترة ما بعد الاحتلال والسقوط والهيمنة على السلطة من قبل أحزاب الإسلام السياسي وانتشار آفة الفساد فهي مأساة تضاف إلى المآسي الأخرى التي تعاني البلاد منها وهي لا تقل جريمة عن الجرائم الأخرى لا بل تعتبر من أخطرها لأنها ليست وقتية وسرعان ما تزول بل ستبقى تعاني منها البلاد لسنين طويلة إذا لم تجر معالجتها وفق أساليب وطرق علمية حديثة وإذا لم تجر متابعتها بشكل دقيق لكي يتم تجفيف مصادرها وبخاصة الخارجية منها، ومصادرها معروفة بدون لف أو دوران فقد أكدت تقارير مكتب مكافحة المخدرات في الأمم المتحدة،" إلى أن العراق تحول إلى محطة ترانزيت لتهريب المخدرات من إيران وأفغانستان نحو دول الخليج العربي، محذرة في الوقت نفسه من احتمال تحوله إلى بلد مستهلك"

أن التحذيرات التي أطلقها مختصون في مكافحة المخدرات وتحذيرات عديدة من قبل مكتب مكافحة المخدرات في الأمم المتحدة من أن العراق سيكون مستهلك المخدرات قد فات أوانها لأنه أصبح فعلاً من البلدان التي تستهلك هذا الوباء  ومن خلالها تصدير المخدرات لكونها أصبحت ترانزيت منذ فترة ليست بالقليلة، كما أن  قانون المخدرات لم يكن بالمستوى المطلوب ولم يعالج أساليب ترويج المخدرات وتأثيرها على أواسط واسعة من الشباب، وأشار رئيس المحكمة الجنائية المركزية احمد الأميري أن "المخدرات أخذت بالانتشار على المستويين التعاطي والتجارة وأصبحت تستهدف فئة الشباب من الذكور والإناث ما يعد سبباً رئيسيا في ارتكاب جرائم القتل والسرقة والاغتصاب". وعقب رئيس المحكمة الجنائية المركزية منتقداً القانون أن "مواد القانون الجديد جاءت بعقوبات بسيطة ومخففة جداً لجرائم المخدرات وحولت بعضها إلى جنحة بعد أن كانت بموجب القانون القديم كل جرائم المخدرات هي جرائم جنايات وبأحكام شديدة ورادعة لخطورة الجريمة". وهذا التوجه دليل على مدى التوغل في تجارة المخدرات وتنوعها ومساندتها من قبل البعض من المتنفذين السياسيين الذي أشار لهم النائب حاكم الزاملي بأنهم يدعمون تجار المخدرات ولهم أيادي طويلة في توسيع تجارة المخدرات نفسها، ودليل آخر لا  يمكن دحضه  بان ما جاء في قانون المخدرات من هزالة فيما يخص جرائم الاتجار والتوزيع والعقوبات التأديبية الرادعة ولقد أشير لها بأن "  القانون الجديد وفر الأرض الخصبة لتجار المخدرات لتصريف مخدراتهم نوعا ما".هذه المخدرات المتنوعة وأبرزها " هو الحشيش والأفيون وتأتي حبوب الكريستال وذراته  البلورية في المقدمة والتي دخلت عن طريق التهريب من الأراضي الإيرانية،  إضافة إلى مخدرات وحبوب مخدرة عديدة يتم توزيعها وجني الأموال الطائلة فضلاً عن مخاطرها الصحية بينما يتمتع تجار المخدرات والحلقات المتصلة بهم بما فيها حلقات التوزيع بنوع من الحماية من قبل البعض من المسؤولين مع العلم أن هؤلاء على الأغلب مكشوفين ومعروفين بما فيها أماكن التوزيع على المستهلكين والمتعاطين منهم، وكشف ناظم، قاضي تحقيق المحكمة المركزية إن "هناك طريقتين لترويج المخدرات الأولى عن طريق المقاهي فهناك مقاهي تقدم اركيلة تحتوي على مواد مخدرة بغية إجبار الشباب على الرجوع مرة أخرى لتدخين هذه الاركيلة" وقد ساهم في ترويج المخدرات لتصبح آفة من الصعوبة بمكان القضاء عليها هو ضعف المراقبة تزامناً مع انتشار الفساد ولا سيما في المنافذ الحدودية وانتشارها في المناطق الجنوبية من البلاد وقد يكون العراق حسب مصادر دولية ومحلية في مقدمة الدول في تجارة هذه الجريمة البشعة المنافية لأبسط القوانين والأعراف الإنسانية وقد تكللت جهود تجار المخدرات ومن يسندهم بالنجاح حيث أصبحت تقريباً جسراً يربط أسيا وأوربا ودخولها عن طريق إيران وقد ضبطت كبيرة من المخدرات القادمة إلى محافظة البصرة والقادمة من إيران كما تم القبض على كميات غير محدودة في مناطق أخرى وبخاصة محافظة ديالى وتشير تقارير رسمية من قبل القوى الأمنية وإعلانات الأجهزة الأمنية بشكل شهري تقريبًا عن عمليات ضبط لتهريب المخدرات من " المناطق الحدودية العراقية – الإيرانية" وان هذه الكميات أصبحت تتوارد على الرغم من الملاحقات الأمنية لأن المسؤولين عنها لهم أضلع قوية في أجهزة الدولة وهذا أمر أصبح معروف لا يمكن التغاضي والسكوت عنه لأنه يدر أموالا طائلة غير قليلة عليهم وعلى التجار والموزعين، إبراهيم المكصوصي صرح لبعض وسائل الإعلام كمثال على تجار المخدرات " إن احد المتهمين هو تاجر مخدرات كبير مطلوب للقضاء وقد تم ملاحقته ومتابعته ونصب كمين له في منطقة الصخرة في الأطراف الشرقية لناحية العزيز جنوب ميسان والقي القبض عليه متلبسا بحيازته لكمية كبيرة من مادة الكريستال المخدرة"وأشير على إحدى الحالات بأنهم ضبطوا تاجر مخدرات من البصرة " وبحوزته كمية من المواد المخدرة "فضلاً عن حوادث وضبط كثيرة خلفها تجار مسنودين من قبل البعض من المسؤولين المتنفذين في السلطة.

أن ترويج وانتشار آفة المخدرات أصبح ظاهرة غير اعتيادية تهدد المجتمع العراقي وبخاصة فئة الشباب وفي مقدمتهم العاطلين عن العمل والفقراء الكادحين منهم ، ويساهم في هذا الشيء اتساع ظاهرة استخدام المخدرات للهروب من الواقع المزري إلى جانب تزايد أنشطة مافيا التهريب داخل العراق وقد أشارت تقارير جديدة لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة وجود ممرات حدودية في مقدمتها ممرين رئيسيين وهما عبارة عن مخزن للتصدير " تستخدمه مافيا المخدرات" مستفيدة من ثغرات واسعة في حدود مفتوحة وغير محروسة مع إيران وكشفت التقارير عن مافيات إيرانية وأفغانية تستخدم الجانب الشرقي الذي يربط العراق بإيران أما الممر الثاني فهو التهريب من مناطق وسط أسيا للوصول إلى شرقي أوربا كما تستخدم الممرات البحرية في الخليج العربي للأغراض نفسها بهدف توسيع استخدام المخدرات والمردود المالي الهائل الذي تستغله المافيات في الاتجار والتوزيع، ولحق بالعراق دمار واسع للاقتصاد وللمنظومة الصحية للمجتمع العراقي وفي هذا السياق حذرت وزارة الصحة العراقية من انتشار المخدرات ومضار تعاطيها وطرق وأساليب ترويجها في المحافظات وأكدت على ضرورة المعالجة العصرية والحضارية للتخلص من أثارها الكارثية، كما دعى المختصين والناشطين والقوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني الحكومة العراقية إلى العمل الجدي لمحاربة تجارة المخدرات ومحاسبة المسؤولين عنها وملاحقة التجار الأساسيين والثانويين ومن يسندهم والقيام بإنشاء مصحات تأهيلية لمعالجة المدمنين وتأهيلهم إضافة إلى الاهتمام بالتنمية البشرية ، فالمستشفى الوحيد لمعالجة حالات الإدمان هو مستشفى " ابن رشد " حيث أوضح مدير المستشفى ابن رشد "إن أعداد المرضى بعد سقوط النظام السابق تزايدت بنسبة 70 في المائة، وأن الوضع العام للإدمان بات أكثر انتشاراً من قبل، وأصبح منظر المراهقين والأطفال في الشوارع أكثر بشاعة، خاصة وهم يقومون بشم مواد مخدرة بدائية عالية السمية، مثل البنزين والتنر وغيرهما. كما بات بعضهم يتعلم كيفية صنع مواد أخرى غير مألوفة تعطي الأثر نفسه، بإرشاد جانحين كبار".

كما يقع على عاتق الدولة والحكومة العراقية قضية التوجه للتخلص من البطالة الواسعة بين الشباب والتوجه لتقليص الفقر المنتشر بشكل واسع وهو يشكل نسبة عالية حسب الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية ومعالجات أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وهذا لن يتم إلا بالتخلص من نظام المحاصصة الطائفية وقيام حكومة وطنية تعتمد المواطنة أساس سياستها وتوجهاتها العامة .   

عرض مقالات: