ما يتسم به المشهد السياسي العراقي اليوم ، وحتى لا نذهب بعيدا واستعراض ما جرى للحكومات المتعاقبة !..

لنترك تلك الحقبة الكارثية التي مازالت أحداثها ونوائبها ، يأن منها ومن أثارها العراقيون والعراقيات ، على وجه الخصوص المحافظات الغربية ، وتمكين داعش من احتلال تلك المحافظات عام 2014 م بولاية السيد نوري المالكي زعيم حزب الدعوة الإسلامي .

وأدى الى نزوح 6 ملايين إنسان ومازال أكثر من مليوني نازح ومهجر مشردين في الخيام التي تفتقر لأبسط مقومات العيش وبعيدا عن مدنهم وبيوتهم ، وعشرات الألاف من القتلى والمعوقين والجرحى .

وضحايا سبايكر الذي راح ضحيتها ما يزيد على 2000 من المجندين ، وما ارتكب بحق الأيزيديين كان مروعا ، قتل إثرها أكثر من ثلاثة ألاف أيزيدي وأيزيدية وتم سبي نسائهم واستبيحت أرضهم وكرامتهم وممتلكاتهم ، وما زال أكثر من ثلاثة ألاف بعداد المفقودين !..

ناهيك عن الدمار الذي لحق بهذه المحافظات ، وعلى وجه التحديد محافظة نينوى !..

بالرغم من حجم تلك الجرائم المروعة في الأنفس وبالتراث والعمران والخسائر المادية الجسيمة ، التي تزيد كلف إعادة تعميرها الى أكثر من مئة مليار دولار !..

رغم كل ذلك فما زال هذا الملف في مواقع النفايات والإهمال ، وفتحه من المحرمات والخطوط الحمر !..

من يتحمل مسؤولية تلك الجرائم !.. ولماذا التغاضي عليها والتي أصبحت شيء من الماضي ؟..

لنبتعد عن تناول تلك الملفات الكارثية ، ونذهب الى انتخابات أيار 2018م ، وسوف نتخطى ما شاب تلك الانتخابات من تزوير وتدخل المال السياسي واستخدام مؤسسات الدولة وإمكاناتها لصالح قوى الإسلام السياسي الممسك بالسلطة من عام 2006 م وحتى الأن ، وقانون الانتخابات المفصل على مقاسهم وبما يضمن لهم الصدارة بالفوز بأغلبية المقاعد .

المفوضية الغير مستقلة والمنحازة ، وقانون أحزاب لا يلبي تطلعات العراقيين والعراقيات وولاء الأحزاب الى الوطن دون غيره ، أو هكذا يجب أن يتضمن هذا القانون من شروط لقيام أحزاب وطنية تعمل لصالح الشعب والوطن .

ما هو مصدر تمويل تلك الأحزاب ومصدر تلك الأموال ، ولماذا تغيب المسائلة من قبل القضاء والنزاهة ؟..

لماذا لم يشرع قانون من أين لك هذا ؟..

ولماذا يتم غض الطرف عن كثير من شروط إجراء انتخابات نزيهة وشفافة وبإشراف أممي وبإشراك وإشراف منظمات المجتمع المدني ، والذي أدى الى عزوف الملايين عن المشاركة في الانتخابات ، ونسبة المشاركة أقل من 20% .

وبعد جدال وسجال وتنابز وتخوين واتهامات متبادلة ، بين الكتل المتنفذة ، والبحث عن الكتلة الأكبر ومن له أحقية تشكيل الحكومة !..

وبعد مرور أشهر ثمانية ، وعلى طريقة [ سطل إلك !.. سطل إلي ! ] !..

تم التوافق بعون الله وبدعم من الخيرين !!.. بين سائرون والفتح على تكليف عادل عبد المهدي ليكون عراب البيت الشيعي ، وبتأييد ومباركة إيران ورضا أمريكا والغرب ، تم الإعلان عن كابينة غير مكتملة ( فبقيت وزارة الداخلية والدفاع والأمن الوطني والعدل والتربية والتعليم العالي ) ، شاغرات وتدار جميعها بالوكالة !..

وبعد أقل من عام !.. دب الخلاف بين تلك الكتل على تقاسم المغانم ، وطفحت تلك الصراعات في الإعلام وفي مجلس النواب وبين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ، وانسحابات بعض الأحزاب من كتلهم الأصلية والذهاب الى المعارضة !..

والملايين تتضور جوعا ومرضا وانهيار في الصحة والتعليم والكهرباء والماء والطرق وغياب مشاريع لمعالجة أزمة السكن ، وغياب الأمن وسيطرة الميليشيات والسلاح المنفلت والمخدرات وعصابات الجريمة المنظمة ، وتوقف شبه كامل لعجلة الاقتصاد وبقاء العراق كبلد اقتصاده ريعي ، وغياب فرص العمل التي وصلت نسبها في بعض المحافظات الى 50% والبطالة المقنعة والفساد الشامل ( من الغفير حتى الوزير ! ) والذي دفع الكثير من دول العالم والمنظمات الدولية المعنية ، الى مطالبة العراق بوضع حلول عملية للحد من الفساد والفاسدين !.. ولكن دون أذن صاغية ، كون الفاسدين وحيتانهم من يتصدر المشهد السياسي ويمتلك ناصية القرار !..

لهذه الأسباب وغيرها ، ونتيجة للتراكمات والإخفاقات ، على امتداد تلك السنوات ، والفشل الذريع والجهل العميم من قبل القائمين على إدارة الدولة ، ولغياب الدولة وقيام بدل عنها الدولة العميقة والعدل والمساواة وعدم تكافئ الفرص وغياب الشخص المناسب في المكان المناسب ، والمحسوبية والتمييز وبيع المناصب الوظيفية !..

لهذه الأسباب وغيرها ، ولعدم الاستماع لصوت الملايين التي كانت تتظاهر وتحتج وتصرخ ، عبر سنوات مطالبة بعملية إصلاحية شاملة !..

تحركت هذه الملايين ونهضت من ( سباتها في ثورة عارمة في الأول من أكتوبر تشرين الأول الماضي ) وهي ترفع شعار أريد حقي !.. نريد وطن !..

فاهتزت الأرض تحت أقدام الفاسدين والطبقة الحاكمة ، وأصابهم الرعب والفزع ، ولم يتصوروا بأن هناك من يتمكن من رفع صوته بوجههم ، معتقدين بأن هذا الكرسي لهم ولورثتهم !..

واجهوا هذه الملايين بالحديد والنار ، وسالت في ساحات التحرير والمحافظات الأخرى أنهار من الدماء الزكية الطاهرة ، وسقط أكثر من 600 ستمائة شهيد وأكثر من اثنتان وعشرون جريحا ومصاب ومعوق ، وألاف المعتقلين ، وعدد من المختطفين والمغيبين !..

بدأت مرحلة التصفيات والاغتيالات والترهيب والاعتداءات على الناشطين السلميين لإرهاب المعتصمين والمتظاهرين ، ولم يسلم من إرهابهم الأعمى حتى المتظاهرات ، ومن جاءت لتسعف المصابين والجرحى ، الذين يتعرضون الى الغاز المسيل للدموع ، حتى هذه الفتيات الوطنيات الباسلات لم يسلمن من بطشهم وإرهابهم ، وهناك الكثير تم توثيقه عبر وسائل مختلفة ، بحق هؤلاء النسوة النجيبات .

بعد ما يقرب على السبعين يوما ، ورغم كل ما ارتكبوه بحق تلك الشبيبة المتسمرة في سوح الاعتصام والتظاهر ، فما زال النظام يناور ويماطل ويخادع ويبرر جرائمه وبذريعة الحفاظ على الدولة وعدم الفوضى !!..

ولا أدري عن أي دولة وعن أي نظام هذا الذي يتحدثون عنه ؟..

المتنفذين وأحزابهم الفاسدة والمكونات المستفيدة من استمرار الفساد وتربع الفاسدين ، المتحالفين مع هذه الأحزاب والكتل الشيعية !..

هؤلاء لا يخفون معارضتهم وانزعاجهم من ثورة الشعب ، باعتبار ذلك يهدد مواقعهم ويفقدهم هيمنتهم وسطوتهم وامتيازاتهم ، ويظهروا أحيانا على وسائل الإعلام فيبدون تأييدهم الخجول لانتفاضة الشعب الباسلة ، لكنه موقف منافق غايته تهدئة جماهيرهم ، مخافة أن تنهض من كبوتها وتقف مع ثورة الشعب .

الأحزاب الحاكمة ( الإسلام السياسي الشيعي ) الذي بيده مقاليد البلاد والعباد ، سوف يستمر في دورانه في نفس الدائرة المغلقة ، ولن يخرج منها !..

أقول لن يخرج منها !.. إلا عند تحقيق أهدافه التالية أو إدخال العراق في أتون صراع يصعب التكهن بمدياته ولهيبه :

لن توافق هذه الكتل والأحزاب على أي رئيس وزراء إذا لم يضمن لهم التالي :

وزارة الداخلية تكون من أحد أحزابه وكتله !..

يضمن لهم بقاء الحشد الشعبي ، للإبقاء على الميليشيات المنضوية تحت عباءة الحشد التابعة لأحزابه الحاكمة .

الرئيس القادم لمجلس الوزراء ، عليه أن لا يفتح ملفات الفساد لحيتانهم ، وعدم فتح ملف الموصل على وجه التحديد .

يرفضون أي تعديل في قانون الأحزاب ، يتعارض مع عمل ونشاط الإسلام السياسي ووجودهم ككيان .

عدم المساس بسلطة رجال الدين وتدخلهم في شؤون القضاء وفي التشريعات والقوانين وفي بناء الدولة ومؤسساتها .

هذه الأحزاب تصر على الإبقاء على المؤسسة الأمنية والعسكرية ، ومنع أي إعادة لبنائها وهيكلتها واستقلاليتها من جديد ، وعدم الموافقة على إعادة العمل بالخدمة الإلزامية ، كون ذلك يهدد وجود الحشد والميليشيات .

على رئيس الحكومة القادم ، الإبقاء على الحشد الشعبي كما بينا ، وعدم القيام بأي دمجه بالقوات الأمنية ، والذي يؤدي الى نزع سلطتهم منه كقوة مسلحة تخضع لقيادتهم ويأتمر بأمرهم .

سيبذلون قصارى جهدهم للحصول على وزارة الداخلية وأخرى سيادية ، وعدد من الوزارات الأخرى .

يشترطون بعدم سحب السلاح من أحزابهم ومؤيديهم .

هؤلاء سيبقون يدورون ويناورون كعادتهم ، مثلما كانون يفعلونه في الحكومات التي شكلوها من أحزابهم لأربعة حكومات متعاقبة من 2006 م ولليوم .

العراق يمر في مرحلة دقيقة وخطيرة ، ولا خيار أما شعبنا وثورته الباسلة إلا الانتصار وتحقيق أهدافه الوطنية ، والإصرار على بناء دولة المواطنة ، وتحقيق النصر المؤزر على من سرق الفرح من عيون الطفولة ، واستباح كرامة الناس وأفقرهم واستعبدهم على امتداد ستة عشر عام ، ولا خيار غير ذلك أبدا .

الصمود والاستبسال والثبات والعزم هو خيار الثورة والثوار .

يا جماهير شعبنا لا تتخلفوا عن الانتصار لثورتكم المباركة ..

اخرجوا بجموع قوية الى ساحات الاعتصام والتظاهر ، وساندوا ثورتكم بكل ما تستطيعون ، فهو السبيل لتحقيق عيشكم الكريم وتحرركم من الفقر والجهل والمرض .

المجد للشهداء الكرام ، والشفاء للجرحى والحرية للمختطفين والمعتقلين والمغيبين .

كل الفخر والاعتزاز والإكبار والتثمين ، للفتيات وللشباب الصامدين في سوح التحرير ، باعثي الأمل في نفوس وعقول شعبنا بحياة أجمل وأسعد .