ت و ا ر ى أقزام الظلام التعساء، وراحوا  يلتقون أوقات المغيب، عندما تبدأ الشمس بجرجرة خيوطها خَجِلة مما تراه قد حلَّ في أرض الرافدين ومما جَناه سكّانها من ضيم على أيادي من يصرخون ليلاً ونهاراً بهتاً وزوراً وبلا حياء *هَيهات مِنّا الذُلَّة*. يلتقون في أماكن مجهولة، وغرف مغلقة تماشياً مع عقولهم المتحجرة وقلوبهم السوداء، غرفِ ربما تكون مظلمة لشدة وكثافة سواد وجوههم على ما أقترفوه بحق هذا الشعب وبحق شبابه وأجياله ناهيك عن شيبته وكهوله الذين أذاقهم النظام المقبور من قبلهم الذُّلَ والهَوان لعقود من الزمن. يتخابرون ويتداولون سِراً عندما يُعَسْعِسُ الليل، وما أشبههم بخفافيش الظلام. يظنّون بأن شباب الثورة قد خُلِدوا إلى الهدوء، وَيَمَنُوا أنفسهم بأنهم قادرون على أن يُخَطِطُوا من جديد لما يبتغون،        أن يسحبوا البساط من تحت أقدام الثوار ويُقَدِمون لهم وجوه من بين صفوفهم ربما يمكن أن يقبلوها ويمتصوا بذلك نقمتهم، وجوه المراد منها أن تتستر على كوارثهم وتوقف تقديمهم إلى القصاص العادل، ربما لِيُثَبِتوا أقدامهم من جديد وينقلبوا كما هم فاعلون. ساء ظنَّهم وخابت مساعيهم فقد تجاوزوا في سفالاتهم كل المديات وفاقت سرقاتهم وإنتهاكاتهم وصفقات فسادهم كل السقوف ولم يجلب لهم هذا سوى نقمة الناس وشدة غضبهم وعدم إرتياحهم لما هم فاعلون، فماذا يا ترى هم بعد الآن يتوقعون وقد زادوا على مثالبهم وعوراتهم بأن لَطَّخوا أياديهم وبوقاحة بدماء الأبرياء فكانت قوافل الشهداء من مختلف مدن العراق التي تجاوز عددها ال 500 شهيد وآخرين زادوا على ال 20000 ألف من المعوقين والجرحى. هذا العطاء العظيم رغم فضاعة آلامه وجسامة تركته، وهذا الفداء الرائع الذي قدمه الأحرار من أجل نيل حقوق مهظومة وحريات مسلوبة سيخلده التأريخ وسيبقى ذخراً ومناراً لكل الطيبين في وطننا. لم تذهب هذه التضحيات سُداً، ولم يهدأ لإخوانهم صوتاً دون أن تنهار وإلى الأبد هذه الأصنام التي إبتُلِيَّ بها وبغفلة من الزمن هذا الشعب المغلوب على أمره. لن ينتظر الجيل الجديد الثائر من الوجوه البائسة أن تصلح ما أفسدوه ولن ينتظر أن يستقيم عودهم الأعوج ويستعدل نهجهم الأسود.

 لقد غسلوا أياديهم من كل هؤلاء ـ نعم كلُ يعني كلُ ـ فلا نفعُ يرتجى منهم ولا أمل للثائرين ومناصريهم إلا بإزاحتهم هم ومقترحاتهم وبرامجهم، إزاحة هذه الموبقات التي خبروها منهم منذ وقت طويل وعرفوا أنها لا تتجاوز ذر الرماد في العيون. ساحات الثوار، ساحات الأحرار هي اليوم مصدر السلطات، وسوف لن ترضى ولن توافق على أيّ من نفايات سنوات الظلام وأقزامها ولن تستبدل وجوه عفنه بأخرى من نفس الشاكلة وربما أكثر عفونة من سابقتها. فالثوار يريدون أن يتوضؤا بشعلة الثورة ويتنفسوا عطر الحرية ويتحزموا بحزام المستقبل الواعد. هنيأً لهم ولثورتهم والنصر المؤزر لمسيرتهم.

عرض مقالات: