يوم موشح بالسواد يعيشه العراق اليوم ، في مجزرة مروعة ، في الناصرية والنجف وبغداد ، راح ضحيتها أكثر من 40 ضحية وأكثر من 300 جريح ، الكثير منهم إصابتهم خطيرة .

مسلسل الموت الذي يمارسه حكام بغداد بات سمة تميز سلوك هؤلاء المتربعين على دست الحكم ، بحق المتظاهرين السلميين العزل منذ 1/10/2019 م وحتى اليوم الدامي والحزين .

الفاجعة التي وقعت على رؤوس أبناء وبنات شعبنا ، وعلى الأمهات والزوجات والأخوات ، نتيجة إرهاب وقمع وقتل منهجي يمارسه هؤلاء الأوغاد ، الذي رفع سقف الإصابات الى أكثر من 20000 عشرون ألف إصابة وأكثر من 500 خمسمائة شهيد ، وعدد كبير من المعتقلين ، وعدد أخر من المختطفين .

ما زال النظام وعصاباته والميليشيات الطائفية العنصرية التابعة لهم وتعمل بإمرتهم وبعلمهم وموافقتهم ، يمارسون كل أنواع القمع والقتل والترهيب والوعيد ، ضد المتظاهرين في مختلف المناطق ، كوسيلة منافية للحقوق والحريات وللدستور وللقوانين النافذة ، لثنيهم عن الاستمرار في تظاهراتهم السلمية المطالبة ببناء نظام سياسي اجتماعي اقتصادي جديد يقوم على العدل والإنصاف ، والتأسيس لدولة المواطنة والفصل الكامل للدين عن الدولة وعن السياسة ، ومنع قوى وأحزاب الإسلام السياسي الفاسد والطائفي من العودة ثانية الى العملية السياسية .

خلال السنوات الماضية ومن 2011 م وحتى الوقت الحاضر، بحت الأصوات المطالبة في الإصلاح ، وللبدء بعملية إصلاحية شاملة للدولة ومؤسساتها وللسلطات الثلاث ، وخلق نظام سياسي يقوم على أساس المواطنة وليس على أساس المكونات والرؤيا الدينية ولفلسفة الدولة الدينية .

ولكن بعناد أحمق وغبي وبفلسفة متحجرة ميتة ، تسمر هذا النظام وأحزابه المتحجرة والمعادية لحركة الحياة ، وأصروا على نهجهم وممانعتهم لأي خطوة جادة ، ترسم معالم دولة قابلة للحياة ، وتمثل إرادة العراقيين كل العراقيين ، لإخراج العراق وشعبه من هذا المستنقع والجب العميق .

لكن النظام وما ارتكبه من جرائم بحق الشعب والوطن حتى الساعة، مصر على سياساته وتمسكه الأحمق بالسلطة ، رغم المطالبة من قبل ملايين المحتجين والمتظاهرين المعتصمين منذ شهرين ، هؤلاء يرفضون المغادرة وترك السلطة وفسح المجال لأصحابي الدراية والنزاهة والكفاءة والوطنية ، ليأخذوا مواقعهم في إعادة بناء دولة المواطنة .

العراقيون الثائرون يسطرون اليوم ملاحم البطولة والتضحية والفداء ، وهم يقاومون قوى ظلامية إرهابية قمعية متجبرة ، التي سيطرت على مقدرات البلاد قبل ستة عشر عام نتيجة التزوير والخداع وبمساعدة خارجية ، وأحالت هذا البلد العظيم الى ركام .

الثورة تتقدم بخطى ثابتة وبعزيمة لا تقهر رغم التضحيات الجسام ، تكتب بأحرف من نور حاضر ومستقبل العراق وشعبه وفي سبيل الرخاء والأمن والنماء ، ومن أجل السلام والسعادة والهناء والبناء ، ولتحقيق العدالة والمساواة والتعايش بين هذه المكونات المتأخية منذ قرون .

هذه الثورة أزاحت من أمام مسيرتها ما كان يكبل مسيرة شعبنا وتماسكه ووحدته ، فقد تخطى اليوم الطائفية السياسية والمحاصصة والتمييز والعنصرية .

نهض الشعب بأطيافه وأديانه ومذاهبه وأعراقه ، ليعلنوا للعالم أجمع ، و بصرخة مدوية ، زلزلت الأرض من تحت أقدام الطغاة والمتجبرين والساسة الفاسدين ، في لحمة وطنية جبارة ، متكاتفين متعاونين ، يشد بعضهم بعضا ، متسمرين في سوح الشرف والكرامة والنضال الوطني ، في مشهد قل نظيره ويدعو الى الفخر والاعتزاز ، وهم يواجهون بصدورهم العارية الرصاص وقنابل الغاز والمياه الحارة والقمع الوحشي بالهراوات والعصي ، استخدمها النظام وقواته القمعية ، ضد الجماهير المنتفضة العارية الصدور ، لا تحمل غير العلم العراقي وتصرخ بوجه الطغاة ، نريد وطنا أمنا مستقرا رخيا سعيدا. .

نريد دولة تحترم كرامة المواطن ، تقوم على خدمته وتلبي طموحه ورغباته ، وتؤمن حاضره ومستقبله !.. فهل هذا كثير ؟..

شعبنا لا يريد نظام يقوم الشعب على خدمته !..
بل نريد نظام ودولة ومؤسسات تقوم على خدمة الشعب وتحرص عليه وعلى حقوقه وحرياته وأمنه وسلامته وعيشه الكريم .

على القوى السياسية الحاكمة وأحزابها الفاسدة أن تعي جيدا ، بأن زمن المناورات والمراوغة والاحتيال والكذب والتسويف ، قد أصبح خلف ظهورنا ، والاختباء وراء الدين وعباءة الدين هو الأخر قد ولى من دون رجعة ، وانكشف أمركم وبانت عورتكم ، حين أدركت هذه الملايين حقيقتكم وسرقاتكم للناس باسم الدين وتحت عباءة الدين والدين منهم براء .

هذه الجماهير رفعت بوجهكم الشعار الذي ذاع صيته في العراق ، عندما نصبتم أنفسكم أسيادا عليه ، وأردتم استعباده وتوهمتم حينها !.. وساوركم تفكيركم المريض ، بأن من تحكمونهم لا يعدو  كونهم قطيعا ورعاعا !!..

لكن شعبكم قد صبر عليكم طويلا ، وتحمل نتيجة ذلك ما تحمل والذي لا يطاق ، على أمل أن تراجعوا سياساتكم المدمرة الهوجاء !..

بعد أن نفذ صبرهم وضاقت حيلتهم ، صرخوا بوجهكم [ باسم الدين باكونه الحرامية ] وهو وصمة عار سيلازمكم قرون قادمة وسيذكركم التأريخ بأسوأ الصفات .

اليوم نحن على أبواب الشهر الثالث من انتفاضة شعبنا ، التي انطلقت في الأول من تشرين الأول ، وقدم المنتفضون قوافل الشهداء الغالية ، وسالت أودية وأنهار من الدماء الزكية ، والألاف من الجرحى والمعوقين والمعتقلين ، فرملت النساء ويتم الأطفال ومئات الثكالى ، وخيم الحزن والسواد على الأرض العراقية .

رغم الهول والترويع وفداحة الثمن ، فما زلتم تمارسون النهج ذاته ، وتحاولون اللعب على المشاعر والتحايل والكذب والتبرير لكل الجرائم التي ارتكبتموها بخق هؤلاء الأبرياء السلميين العزل ، في رغبة جامحة لحبكم للسلطة والمال ، وتسلكون كل الطرق المشروعة وغير المشروعة ، للبقاء جاثمين على رقاب الناس وعلى حساب دم ودموع وبؤس الشعب !..

نقول لكم .. لا .. لقد خاب ضنكم وخانتكم سريرتكم ، ووقعتم في شر أعمالكم وجهلكم لحركة المجتمع وما يخفيه تحت رماد نيرانه وسعيرها الذي إن بدء فلا مرد له أبدا !..
لم تحسبوا لهذا اليوم حسابه واستحقاقه ، الشعب وعبر المسيرة وحراكه الغير مرئي ، وما يخفيه من نار تحت الرماد ، انكشفت لكم وللعالم اليوم تلك الحقيقة ، وأظهر هذا الشعب العظيم ، وشبيبته الواعية الباسلة من الصبية والصبايا ومن مختلف الأعمار ، وأظهر للعالم معدن شعبنا الأصيل .

لا خيار أمامكم غير التنحي ومغادرة المشهد السياسي وإلى الأبد ، من دون مراوغة وحيل ورياء وكذب وتظليل .

المسؤولية التاريخية تقع اليوم ، على عاتق رئيس الجمهورية ، بالقيام فورا بإقالة الحكومة وحل البرلمان ، واختيار هيئة من المفكرين وفقهاء السياسة والقانون والعلماء والمفكرين ورجالات الدولة والعراق يزخر بالك الكفاءات والخبرات ، ومن الادباء والكتاب والمثقفين وأصحابي الرأي والأكفاء ، ومن قادة الانتفاضة ورجالاتها ومن منظمات المجتمع المدني لاختيار هيئة من هذا الوسط الكريم ، تأخذ على عاتقها ، اختيار وبالتشاور من يروه كفئ لشغل منصب رئاسة الوزراء ، ويختار حكومته من التكنوقراط المستقلين والمهنيين ، مهمة هذه الحكومة ، قيادة البلاد لفترة انتقالية لا تزيد عن ثلاث سنوات ، وتعمل على إعادة بناء دولة المواطنة والفصل بين الدين والدولة والسياسة ، ومنع قيام حزب على أساس ديني أو عنصري .

تشكل هيئة من الخبراء والاختصاص والمشرعين لإعادة كتابة الدستور ، وعلى أساس دولة المواطنة .والفصل بين السلطات ويتفق مع الحقوق والحريات وحق المرأة في نيل حقوقها كاملة ويتفق مع المواثيق والأعراف والقوانين الدولية ولائحة حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة .

تعمل الحكومة المؤقتة على تنظيم التعداد السكاني في العراق ، وتنهي المهمات الموكلة إليها وتستوفي هذه الشروط وتنجز مهماتها خلال الفترة الانتقالية ، تقوم بتنظيم انتخابات عامة وبإشراف دولي وبقانون انتخابي عادل ومفوضية مستقلة وقانون أحزاب وطني ، يجسد وحدة العراق وترابه الوطني ، وأن يكون الولاء للوطن هو المعيار في الأنظمة الداخلية والبرامج لكل حزب يرغب في العمل على الساحة العراقية وفي اطار الدستور الذي يقره الشعب ويصوت عليه في استفتاء عام .

هذه الخطوط العامة للنظام السياسي ، الذي يجب التأسيس إليه والعمل على قيامه ، سيكون الضامن الحقيقي للاستقرار والرخاء والنماء والتعايش وتحقيق العدالة والمساواة بين مكونات شعبنا المتأخية وتوزيع الثروة بشكل عادل ودون تمييز .

المجد للشهداء الكرام والموت والعار للقتلة المجرمين ، والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين والمخطوفين .

العمل فورا بتشكيل لجنة مستقلة وبمشاركة دولية ، تأخذ على عاتقها الكشف عن كل الجرائم التي ارتكبت بحق هذه الكواكب التي غدرت ، ومن أطلق الرصاص على المتظاهرين العزل ، ومن أصدر الأوامر بشكل مباشر أو غير مباشر ، ومن قام بعمليات القنص بحق الأبرياء ، وكل من استخدم أسلحة محرمة دوليا لفظ الاحتجاجات والاعتصامات والتظاهرات ، وإحالة هؤلاء الى القضاء لينالوا جزائهم العادل .
رئيس مجلس الوزراء ووزراء الداخلية والدفاع والأمن الوطني والمخابرات العامة يتحملون القسط الأوفر والأكبر من المسؤولية ، كونهم مسؤولون أمام الشعب وأمام القانون عن حماية أمن وسلامة وحياة العراقيين على الأرض العراقية وحتى خارجها .

النصر حليف شعبنا وانتفاضته الباسلة المجيدة .
لتنحر كل القوى التي تسعى لفت عضد شعبنا والنيل من وحدته الوطنية والكفاحية ، في سعبه لبناء حاضره ومستقبله السعيد الرخي والأمن .