إجتمعت الكتل والأحزاب المتحاصصة سياسيا في الجادرية معقل أحد أطرافها لتدارس الوضع الذي تمخض عن أنتفاضة الجماهير الشعبية في الأول من تشرين بعد أن طال صبرها  وعدم سماع صوت حراكها المطالب بحقوق الشعب التي سُرقت بعد تسليم المحتل وأعوانه  الأحزاب الإسلامية والقومية مسار العملية السياسية التي سارعت إلى تبني نهج المحاصصة الطائفية والإثنية المقيت ليكون المسيطر على مسارها ، في نية ، يقف خلفها تجيير مردودات إسقاط الدكتاتورية لمصالحها الذاتية ولمحسوبي أحزابهم (اغلبيتهم من مزدوجي الجنسية) ويحرموا الجماهير الشعبية من الحياة الحرة الكريمة ، لكن أحلامهم بتلك الحياة  سرعان ما بددها تمدد فساد وسراق الأحزاب المتحاصصة في دوائر الدولة الإدارية والأمنية ، بكيفية تحقق فيها أجنداتها ومريدي بقاء سيطرتها على مواقع القرار من دول الجوار القريبة والبعيدة   

لقد تورطت تلك الأحزاب أكثر من مرة عندما نادت بتطبيق الديمقراطية الهشة التي جاء بها المحتل فقابلت مطالب الجماهير بحقوقها المشروعة وبالتغيير والإصلاح بالرصاص الحي منذ 25 شباط عام 2011 مغيبين حياة عدد من الشباب بين قتيل وجريح ، ومن فوق بناية المطعم التركي الذي حوله حاليا المطالبون بوطن الى قلعة لهم . ومن كثرة تصريحاتهم اللفظية بأنهم عازمون على إجراء التغيير والإصلاح دون أن يحركوا ساكناً ، تراكمت اسباب انعدام ثقة الناس بهم لما يتقولون به ، حتى جزعت الجماهير منهم قائلة خذو ديمقراطيتكم وأعطونا وطن ، فكفاكم ما سرقتموه منا خلال 16 عاما

عندما أتسعت ساحة التظاهرات سارعت هذه الأحزاب كعادتها لتدارك ذلك ، وحاولت رص صفوفها مرة بعد أخرى في إجتماع الجادرية لتخرج بوثيقة شرف تضاف إلى الوثائق الشرفية السابقة ، والتي لم يجف حبر توقيعهم عليها، يعاودوا الإنقلاب عليها ويواصلوا سحتهم الحرام دون الإصغاء لما تريده القوى الوطنية حاملة الهم العراقي من تقديم النصائح والتحذيرات من مغبة المضي قدما في النهج المعادي لمصالح الشعب والوطن ، ففجر الشباب مجددا حراكه السلمي ، وهو الذي لم يتعرف على حراك شعبنا النضالي ضد الحكومات الرجعية والدكتاتورية ، حتى أنه لم يقرأ عنه في الكتب الدراسية لمنع الرقيب نشره بين صفوفهم ، كإنتفاضة تشرين عام 1952 ، حيث وقف الجيش العراقي الباسل   بجانب الجماهير الشعبية ، حتى أنه سمح للمتظاهرين من فوق دباباته قراءة مطالبها بإشاعة الديمقراطية والحرية ، على الرغم من أنتشار شرطة بهجت العطية في ساحات التظاهر في النجف مثلا ، كما يقول شاهد عيان ، ولا عن مفخرة وثبة كانون ومعركة الجسر عام 1948 التي كانت أحد هوساتها صالح جبر يديوس كرصة خبز عشر فلوٍس. 

واليوم حيث سيطر الشباب مع جماهير شعبنا على ثلاثة جسور وساحات التظاهر وهم يتحدون الأحزاب المتحاصصة رغم ما تطلقه عليها من نعوت لا تليق بمن لبس العمامة تلفظها ، فتارة يطلقون عليهم بالشياطين وتارة أخرى مندسين يستلمون أوامر حراكهم من الخارج ، مما حدى بأحد قادة القوات الأمنية تهديدهم علنا بالويل والثبور اذا لم يكفوا عن مواصلة إنتفاضتهم  

ومما زاد الطين بلة ما جاءت به وثيقة شرفهم الأخيرة من تجاهل ما أريق في ساحات التظاهر من دماء الشباب المنتفض نتيجة مقابلتهم بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع الخانقة علاوة على القنابل الصوتية وكأنهم في حالة حرب وإياهم ، فبالإضافة لما اكدته مخرجات وثيقتهم الشرفية على رغبة الأحزاب الموقعة عليها ، المراهنة على الوقت بالتسويف  والمماطلة على أمل أن يدب الضجر بين صفوف المنتفضين . واصلت قوات أمنية باختطاف النشطاء منهم وأخذهم الى أماكن غير معروفة يجرون فيها تقشير تاريخ حياتهم النضالية طبقة طبقة ، فلم يجدوا شيئاً ، بكون أغلبيتهم لم يُعايشوا حراك الجماهير قبل 2003 ، بينما بعد ذلك يتذكروا جيدا ما أصاب الشعب والوطن على ايديهم من مآسي وويلات

إن إجتماعهم الأخير الذي ارادوا به رص صفوفهم ، وضعهم في مأزق أمام الراي العالمي لا مخرج له إلا بالإستجابة لإرادة جماهير المنتفضين الذين اكدوا اكثر من مرة انهم لن يعودوا إلى بيوتهم وحقوق الشعب لا تزال مسلوبه . وهم على إستعداد لإستقبال الشهادة بصدور عارية إلا ما يغطيها من علم عراقي ، وما يلاقوه من دعم معنوي ومادي من جماهير الشعب ومبادرات لا حصر لها من قبل فنانينا الوطنيين وكتاب شعبنا الاحرار ومثقفيه الابرار.