حسين واحمد زميلان في الجامعة نفسها ، اتفقا ان يشتركا مع زملائهم في التظاهرة التي ستنطلق في 1/ 10/ 2019 فأهدافها مطلبية كتوفير فرص العمل للشباب وتحسين الخدمات، والمطالبة بالتخلي عن نهج المحاصصة الطائفية والاثنية المقيت ،وتفكيك منظومة الفساد والمفسدين بإجراءات جدية ورادعة وغيرها من المطالب.

قال احمد لصديقه حسين :إن الشباب يعيشون اليوم واقعاً مريراً وينتظرهم مستقبل مجهول إن بقيت الامور على حالها، فآلاف الخريجين سنوياً يضافون الى جيش العاطلين .ما فائدة شهاداتهم واختصاصاتهم مالم يوظفوها على ارض الواقع؟ والحكومة تقول ان الشباب هم بناة البلد واكسير الحياة ،فأين هي من ادعائها هذا ،وترى الخريجين يفترشون الارصفة ببسطيات يبيعون السلع البسيطة والصغيرة واحياناً تزيحهم من اماكنهم مفارز الامانة ، او يقضون وقتهم في المقاهي او يتجولون في الشوارع والطرقات او يرابطون في بيوتهم ويستطرد احمد قائلاً :ما تفرزه البطالة من نتائج  تهدد المجتمع وامنه ومستقبله وكثيراً ما تحزنني تلك الفوارق الاجتماعية والاقتصادية الشاخصة في المجتمع ،فرواتب الرئاسات الثلاث واصحاب الدرجات الخاصة تشكل نسبة كبيرة من ميزانية الدولة التشغيلية ،ورواتبهم لامثيل لها في جميع دول العالم الغنية والفقيرة منها .فأين هي العدالة التي تتحدث عنها الحكومة  والبلد مكتظ بالمشاكل على اشكالها وانواعها بدءاً من البطالة وشحة الكهرباء والماء وسوء الخدمات الصحية والتعليمية والبلدية؟ والحكومة لا تكترث بهذا الواقع بقدر اهتمامها بالمصالح وصراع الكتل المتنفذة فيما بينهم حول المغانم. وبسبب نهج المحاصصة والتوافقات بين الكتل المتنفذة نجد مؤسسات الدولة والوزارات تدار من قبل عناصر غير مؤهلة علمياً وتفتقر الى النزاهة والوطنية وقانون الانتخابات غير العادل يعيد الكتل نفسها منذ 2005حتى الان .

ويعلق حسين متأففاً  قائلاً :ان هذا الحال  مانزال نعيشه منذ سقوط النظام الديكتاتوري  حتى اليوم ،وقد نفد صبر الناس ولم يثمر الا المزيد من المعاناة والالام  خصوصاً هناك نسبة كبيرة من المهمشين في بلادنا يعيشون في مستوى الفقر ودونه وهناك من يسكن بيوت الصفيح والطين والذين يطلق عليهم (الحواسم)او المتجاوزون. ساكنوها من الفقراء والمعدومين تحيطهم النفايات التي تأتي بها سيارات الامانة لتلقيها في تلك الاماكن كمكبات لها وتستقبلها النساء والاطفال وهم يتزاحمون عليها بحثاً عن قوت يومهم والامراض تفتك بهم ، واطفالهم حفاة وبملابس رثة وبشعور مشعثة ونسبة كبيرة منهم لا يذهبون الى المدارس، فالخدمات التعليمية والصحية هناك تكاد تكون معدومة .كأن البلد لا تتوفر فيه خيرات طبيعية واقتصادية وبشرية ،وميزانية الدولة تعادل ميزانيات خمس دول مجاورة ولم ينتفع منها الا الفاسدون والزمر الحاكمة من الكتل السياسية المتنفذة .ويضيف احمد قائلاً: لذا نراهم يتصدون لمحاولة التغيير وبناء دولة مدنية ديمقراطية ذات بعد اجتماعي ،ناهيك عن الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة .يتحدثون عن محاربة الفساد وليس هناك اية اجراءات بخصوصه مما يشجع الفساد اكثر فأكثر ،وأن ارادوا استهدافه  فانهم يستهدفون صغائر الامور تاركين الحيتان الكبيرة والمسؤولين الكبار لان نظام المحاصصة ينطلق من مبدأ (شيلني واشيلك)وهذا النظام هو المنتج والحامي للفساد والمفسدين .ويخلص احمد قائلاً: لابد من التغير ولا يمكن ان يتحقق دون هبة جماهيرية كبيرة كما جرى في بعض البلدان العربية مثل تونس ومصر والسودان ،فشعوبها استطاعت ان تسقط اعتى النظم الدكتاتورية عبر تظاهراتهم السلمية الكبيرة .

يتفق حسين مع زميله احمد قائلا:-اذن لابد من مشاركة شعبية واسعة في هذه التظاهرة .

وعندما حان وقت التظاهرة كان احمد وحسين بين المتظاهرين مشاركين بحماس يرددون الشعارات ويحملون الاعلام العراقية ، يهتفون مع الهاتفين بأصوات مجلجلة ، وتحيط التظاهرة من كل جانب القوات الامنية على اصنافها المختلفة من قوات الشغب وسوات في الخط الاول وهم متأهبين بأسلحتهم النارية والقنابل المسيلة للدموع والهراوات والسيارات الحوضية وخراطيمها كي تمطرهم بالماء الحار وهذا لم يضعف من عزيمة الشباب الثائر ولم يتزحزحوا من مواقعهم ،وهتافاتهم تعانق السماء.

ان انتفاضة شباب اكتوبر لم تكن مؤامرة كما وصفت فليس هناك من جهة خارجية او داخلية وراءها ، فالشباب لا يريدون عودة النظام السابق ولاهم من انصاره ولم يفطنوا عليه ،فمعظمهم شباب يافعين ودافعهم الحقيقي هو ما يعانوه وما يعانيه وطنهم ،دافعهم للتظاهر هو العوز والبطالة والجوع والامراض التي تفتك بالمجتمع واللاعدالة والاضطهاد والاستبداد وتكميم الافواه والفساد والمحاصصة وتفشي الامية في المجتمع وغياب سيادة البلد واستقلاله .فهي تظاهرة عفوية شعبية قوامها الشباب.

كان الشباب يواجهون قوى النظام المستنفر بقواته الامنية والعسكرية وهم يهتفون ويحملون شعاراتهم التي تعبر عن حقوقهم وحقوق الوطن ،يواجهون رصاصهم الحي بصدور عامرة مفعمة بالإيمان بقضايا الشعب والوطن وبالرغم من ان المواجهة كانت غير متكافئة واستخدمت القوات الامنية مختلف انواع الاسلحة والقنابل المسيلة للدموع والماء الحار والهراوات والقناصين واعتقال العشرات وجرح واختناق المئات الا ان المتظاهرين مصممون على انتزاع حقوقهم.

كان حسين يقول لزملائه بعد انفضاض التظاهرة وهو كتلة من الاصرار :-لابد ان نثأر لدماء شهدائنا ،وبعيون دامعة قالها ، لكم المجد والخلود شهداء العراق وسلاماً لدم الضحايا  ولك المجد والذكر الطيب صديقي احمد . وهو يتذكره بذلك اللقاء والحوار الذي دار بينهما يقول: لن انساك ابدا ايها البطل الشجاع.

 ويستطرد ان ما حصل هو اكبر من قضية الحكومة ،هو له علاقة بالنظام السياسي ،لذا بات التغيير مطلوباً ،وحاجة ملحة ،الحاجة الى تغيير شامل واصلاح سياسي واجراء مراجعة للمنظومة الانتخابية وقانون انتخابي عادل ،واجراءات اقتصادية واجتماعية ضمن منظومة متكاملة وارادة حقيقية للتغير. هنا نحتاج الى تحريك كل المستويات من العمل مع الجماهير المؤمنة والطامحة الى التغير بغض النظر عن انتماءاتها السياسية ،ومشاركة المنظمات الديمقراطية والمهنية وتوثيق الصلة بأوساط الراي العام والاعلاميين والصحفيين والمثقفين ورفع الشعارات الواقعية التي تجسد مطالبنا ،وليكن تظاهرنا السلمي القادم اكثر سعة وشمولية من اجل قلب المعادلة لصالح مشروعنا، والذي يلخصه شعار الدولة المدنية الديمقراطية ،دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية لتقود زمام التغير والحد من النفوذ الخارجي وان يكون العراق سيد نفسه وقراره .

طيلة الايام التي تلت انتفاضة  الاول من اكتوبر 2019 لا تبارح صورة احمد مخيلة صديقه حسين ليل نهار يتذكر لقاءهما الاخير والحديث الذي دار بينهما ،فاحمد يتيم الاب حيث توفي والده وهو طفلاً صغيراً اثر انفجار في المعمل الذي كان يعمل فيه ، فكرست امه جل وقتها وحياتها لرعايته وتربيته وربطت امالها ومصيرها به ،وهي تتطلع ان يكمل دراسته الجامعية . لنتصور كيف هو حالها وهي ترى اصدقاءه وزملاءه يحملون جثمانه اليها ،والحكومة تدعي ان التحقيق مستمر لمعرفة من قتله من القناصين !!

عرض مقالات: