ان مظاهرات الشباب المتأججة في اغلب المدن العراقية هي ذروة غليـان متناوبة لستة عشر عاما وما سـبقها، وهي انعكاس لوضع معاشي اقتصادي متدهـور وخصوصا للشرائح المهمشـة والمعدومة والفقيرة والمثقفـة في المجتمع والتي لم تعش يوما حياة مسـتقرة كـريمة منذ   1979 ولهذا الحين يعلوها حبها للوطـن، ومنذ ان زج بالوطن بحروب لا معنى لها؛ خسـائر بشرية مليونية وتدميرالاقتصاد وتدهورالوضع السياسي؛ اعتقالات وسجون، تضحيات ومقابر جماعية، معايشة تفاعلات نتائج ما بعد الحرب، حصاد خيبة امل وضياع، هجرة ومنافي وشتات... وما بعد 2003  تأمل الناس بالقادم خيـرا، تخللتها حنكـة خبيثـة ووعـود معسولة زائفة، تخـدير بجرعات طائفية متنوعة اسـتغلت الشعب المتعب من تقديم التضحيات الغالية الجسام والتي لم يستطع النهوض منها، عاش خلال الستة عشر عاما خـداع، بطالة عطالة وفقر وجوع، نفاق وسوء ادارة لمؤسسات الدولة من قبل عناصر احزاب غير كفوءة تبرقعت بعد السقوط زوروا باسم الاسلام والدين والوان الطائفية النشازالمقيتة الغـريبة على العـراق، تـزوير وتحريف وتفصيل قوانين أنتخابات فـرح لها الشعب الصابر حينها وابتهل بنور قوائم انتخابية دعت وحشدت لها المنابر الدينية بروزخونية محكمة من وعـود واغـراءات ودعايات كنـور الشمعة 555 وغيرها تشفع للناخب يوم القيامة بالجنة والغناء والحـور العين، وخـدع الشعب وتباهى بغمرالاصابع بالحبر البنفسجي والعضة فيما بعد لم تنفع، فساد ونهب مستشر بأموال وممتلكات الدولة، وبناء عالي القصور والمولات والمنتجعات والبنايات خارج الوطن، وتقاسمت كل هذه الاحزاب الدينية ( الكعكة ) فيما بينها حسب تفصيلها للاسـتحقاق الانتخابي المزعوم والمناسب لها وتوزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والوزارات والسفارات والمراكزالحكومية ومجالس المحافظات والدرجات الخاصة والمراتب العسـكرية  (الدمج)، بدون وازع وضمير وحس ورقيب وبدون وجه حق، وجياع الشعب تتجه صوب المواكب والتعازي والاخر يفتش في المزابل والقمامة لسد الرمق ويفترش المقابر والتجاوزات بصفائح الجينكـو، وابعاد احزاب وطنية عـريقة ممتحنة بمواقفها الوطنية وتضحياتها الجسـام وتهميشها وتهميش كفاءات وطنية واختصاصات من شأنها النهوض بالبلد واستنهاضه وانتشاله من وحل ازماته المتتالية التي بقت بدون حل او سائل او مجيب.

  وقد مهدت لهذه المظاهرات في الوقت الحالي زخم تلك المظاهرات والاحتجاجات السابقة للتيارات المدنية والديمقراطية الاجتماعية والمثقفين والكفاءات الممتدة لكل يوم جمعة على طيلة الثلاث سنوات الاخيرة في سـاحة التحـرير ببغداد ومراكـزالبصرة وبابل والناصرية وكربلاء والديوانية والكـوت وبعض المحافظات الاخرى بالمطالبة في تحسين الاوضاع المعيشية ضد الفساد وحيتانه والمحاصصة الطائفية والاوضاع الخدمية وتغير النظام الانتخابي وصياغة الشعارات المطلبية الاخرى، وبعد ان كانت الحكومة السابقة حكومة الدكتور العبادي منشغلة في تحرير المدن من قبضة داعش ومواجهة الاخطار والنصر، عاودت الجماهير بمطاليبها المعيشية بعد ان وصلت الاوضاع المعيشية المتردية الى ذروتها بعد ضياع كل الالتزامات والعهود والتعهدات السابقة لحكومة الدكتور عادل عبد المهدي والاحزاب الدينية المتسـلطة المتحاصصة لتنفيذ مطاليب الجماهير والشرائح الفقيرة في المجتمع  في التغير والاصلاح، توفير فرص عمل ودرجات وظيفية  للشباب، تحسين الخدمات، محاربة الفساد المالي والحكومي ومحاسبة كبار الفاسـدين واسترجاع الاموال المسروقة، ســوء الاداء الحكومي، مجالس المحافظات وتعديل قانون الانتخابات وجملة مطالب اخرى.

  حيث شاركت في هذه المظاهرات جميع شـرائح المجتمع الفقيرة والمعـدمة واغلبهم من الشباب، كسبة، كسبة التك تك، خريجي، مثقفين، طلاب، فقراء، شباب مهمشين سرقت احلامهم.. من بغداد ومن مختلف المحافظات؛ يبحثون عن مصدر عيش لهم واعالة عوائلهم واماكن لسكناهم حيث اكثرهم يعيش في التجاوزات والعشوائيات وصرائف الطين ، اضافة الى مشاركة خريجين وخريجات عاطلين عن العمل لسنوات، نساء وعـوائل واطفال الشهداء، شـابات طبيبات صيدليات تعالج المصابين وتنظف الشوارع، شعراء وادباء ورسامين زينوا الارصفة والشوارع في نفق التحـريـر (نزلت اخذ حقي )، ورؤسـاء عشائر في المحافظات ومن كافة قطاعـات الشعب وحتى الشباب المحسوبين على كتلة ســائرون ومن التيارات المدنية الديمقراطية ، تظاهرة الصم والبكم ومشاركة ذوي الاحتياجات مطالبين بالحقوق، مع العلم  قد تكون في المظاهرات مشاركة من ابناء وبنات العوائل التى بهذا الشكل او ذاك حسـبوا على النظام السابق ( وان لم ينتموا ) المنفيين والمقيمين في دول المهجر حيث حصل الحيف والظلم عليهم،  ظناً  بان  تكـون مشاركتهم منظمة كما جاء على لسان المرجعية العلـيـا، مع العلم هنالك الكثير من ازلام النظام السابق ومن الدرجات الحزبية المتقدمة من احتلـوا المراكز الادارية في المؤسسات التنفيذية والتشريعية والوزارية والعسكرية ومجالس المحافظات نزولا من حكومة المالكي الى الوقت الحاضر.

   لقد كانت العلاجات التي اتخذتها الحكومة علاجات وحلول ترقيعية وردود بافعال مشينة  بضرب المتظاهرين السلمين بقنابل الغاز المتفجرة واخيرا استعمال الرصاص الحي سقط على اثرها 260 شهيد واكثر من 11000 جريح من المتظاهرين على ايادي قناصين فوق البنايات في بغداد والمحافظات واعمال الخطف والاغتيالات للناشطين المدنيين بـدل حماية المتظاهرين والخروج والاستماع الى مطاليبهم التى كفلها الدستور، وبهذا العمل المشين ضد الابناء والدم المراق حان الوقت لاسـتقالة الحكومة والمطالبة بالتغير الشامل لسلطات المحاصصة الحـزبية الطائفية التشريعية والتنفيذية وانتخاب الوطنيين ذوي الكفاءات والاختصاص في الاقتصاد السياسي والتشريع والقانون في المكان المناسب، يتأتى عن لحمة ووقفة وطنية لذوي الشهامة والنزاهـة والغيرة على الناس والوطن من كل الاحزاب والتيارات المدنية والديمقراطية والاجتماعية والكتل السياسية التي يهمها مصلحة الوطن  ولانقاذ الشعب لما لحق به حيف وظلم  وسـرقة قوته من جراء فساد الحكومات واحزاب المحاصصة الطائفية .

 ومما تقـدم فان المظاهـرات والمطلب واحـد ومهما طال الزمن؛ نريــد وطن، نريـد التغير، نريد حياة حـرة كريمـة.