الموسيقى اللغة العالمية السامية والتي اتسمت بالشعوب المتحضرة، هي ليست نغمات ونوتات مرتبة وفق السلم الموسيقى، وليست لهوا وطربا وتطبيلا، بل هي جزء من ثقافة المجتمع ودعامة من دعائم المدنية الحديثة، فالموسيقى غذاء للروح، وتنمية للعقول والمهارات وجزء أساسي في تربية الأطفال وتنشئتهم. وقد استخدمت منذ فترة ضمن برنامج العلاج والتأهيل في العديد من مستشفيات الأطفال ومراكز علاج السرطان في أوروبا والعلاج النفسي والجسدي، فيما تاريخيا عدت عند بعض الحضارات واحدة من العلوم المقدسة.
تهويدة الام " دللول ياولد يمة دللول، عدوك عليل وساكن الچول" العراقية أصبحت متلازمة مع الشجن والحزن العراقي الممتد منذ قرون، كما ارتبطت بتاريخ البلد الموسيقي بسبب ما جرى وما لحق بالعراقيين من نكبات وفواجع على مدى عقود وسنوات من تاريخ البلد المعاصر، ومن منا لا يطرب عند سماع التهويدة بصوت امهاتنا صغارا كنا ام كبارا، على الرغم من كم الحزن الذي يحتويها.
كم مرة سمعنا هذه التهويدة من أمهات ثكالى فجعن بأولادهن الشهداء حين يتساقطون فوق جسر الجمهورية وفي سوح التظاهرات الاخرى، فهي أول نغمة ترددها الام عند فراق ولدها المطالب بوطن امن مسالم.
اليوم يعلو صوت الطبول والايقاعات لشاب منتفض في ساحة التحرير، يشحذ الهمم مع فرقته الموسيقية بأغاني وطنية تشد ازر المنتفضين، وترسل رسالة سلام واضحة ان العراق بلد الحضارات واللغات السامية، فهو يطالب بوطن له ولغيره من الشباب الواعي القادر على التغيير، الذين باستطاعتهم تحريك العجلة نحو الامام ومسايرة الركب الحضاري والموسيقي في باقي البلدان.
لقد تعدى زمن الكبت والتضييق على الحريات عبر الأساليب التي حاولت ان تقيد من الروح المسالمة المبدعة وتحط من قدر الموسيقى هذا الفن الراقي، آن الوقت لكي ينتفض بأسلوب حياته الذي عهده وهو الموسيقى، حان الوقت كي يغير النظرة الغريبة التي تصادفه بسبب آلته الموسيقية، ان يكسر كل تلك القيود التي حددت من عيشه، فجاءت مبادرته في ساحة التحرير بعزف الأناشيد والاغاني الوطنية برفقة الفرقة الموسيقية، ويرى ان رسالته من خلال العزف بان الموسيقى هي رسالة سامية مطهرة لا تسيس، ورغبته بوطن امن مسالم لا عنف ولا حروب، وطن ينبذ القتل والدمار وهدر الدماء، وطن كامل السيادة يحقق له فرص العيش ويحفظ الكرامة بلا نزاعات او صراعات إقليمية. لكي تغني الأمهات أغاني الفرح لأبنائها، لا اغاني الحزن والفراق، وطن يتعايش فيه الطبيب والمحامي والمزارع سوية بسعادة وسلام.

عرض مقالات: