يرى البنك الدولي ان التعليم هو من حقوق الانسان والذي يمثل محركا قويا للتنمية واحدى اقوى ادوات الحد من الفقر وتحسين الصحة والمساواة بين الجنسين والسلام والاستقرار. ومن شأن التعليم ان يرفع النمو الاقتصادي في البلاد على المدى الطويل ويحفز الابتكار ويدعم المؤسسات ويعزز التماسك الاجتماعي.
يؤكد تقرير عن التنمية في العالم، لعام 2018 ان حوالي نصف الطلاب لا يؤدي التعليم الى التعلم حيث هناك ملايين الأطفال لا يستطيعون القراءة او الكتابة رغم التحاقهم بالمدرسة (كما هو الحال في العراق). وسبق للبنك الدولي ان حذر في تقرير له من تواضع مستوى التعليم في العالم العربي عموما داعيا للإصلاح العاجل لنظم التعليم , ونبه الى الخلل في علاقة التعليم بمتطلبات السوق . واشار تقرير للمنظمات الدولية المتخصصة الى ان العراق يعتبر من اسوأ بلدان العالم في مستوى التعليم. وغالبا ما ترصد التقارير الدولية صورة سلبية عن العراق في مجال السياسة وحقوق الانسان والاقتصاد والتعليم وتفشي الفساد.
وتصف تقارير البنك الدولي ان النمو في التعليم لم يؤد الى نمو في الاقتصاد حيث يتواصل الفصام بين التعليم والاقتصاد فمنتجات التعليم في العراق لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل، او ان نوعية المتخرجين ليست بالمستوى الذي تتطلبه السوق المحلية والدولية في زمن العولمة. وهو لا يؤدي الى خلق قدرات ومهارات بشرية مؤهلة تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية في البلاد. اضافة الى انعدام التخطيط وسوء الادارة حيث تتخرج اعداد كبيرة من حملة البكالوريوس والشهادات العليا ليلتحقوا بجيش العاطلين بدلا من سوق العمل ولتواجههم الحكومة بالماء الساخن والرصاص الحي والغاز المسيل للدموع اضافة الى الاهانات لكونهم خريجين يبحثون عن فرص عمل وهذه الفرص محجوزة لأبناء واقارب المسؤولين ممن ليس لديه أية شهادة علمية او من قام بتزوير شهادته. تواجه عملية التعليم في العراق العديد من المعوقات التي تحد من تنمية قدرة الطالب على المهارات التحليلية والقدرة على حل المشاكل والتفكير النقدي والابداع. ويلاحظ في مدارسنا اليوم وحتى الجامعات ان البحث العلمي غائب فيها ولا يوجد تركيز على المهارات وانما التركيز يكون على عملية الحفظ. ولا يساهم التعليم في تعزيز قيم التسامح التي هي الأقل عالميا في العراق لتدني اساليب النقاش والتفكير والتحقق وروح الفريق في الأساليب التعليمية , فنظام التعليم في العراق ليس منتجا وانما هو تقليدي يقوم على اعادة انتاج نفس المعرفة بعيدا عن الابتكار, حيث لا يمكن انتاج نظام تعليمي متطور في ظل حالة الخوف والطائفية ووجود نظام غير ديمقراطي او تكون الديمقراطية فيه ( مقزمة ) وفي ظل تعرض الأكاديميين والجامعات لضغوط سياسية من القوى المتنفذة ونوابهم, لذلك فإن الحديث عن النظام التعليمي في العراق يجب ان يتم في اطاره السياسي العام . فالتعليم في العراق بحاجة الى تعزيز اساليب التفكير النقدي والتحليلي وحل المشكلات في طرق التدريس اذ يجب ان يكون هناك تطوير لعملية التفكير لدى الطالب على حساب ثقافة التلقين، اضافة الى الحاجة الى اعادة النظر في المناهج الدراسية وطرق التدريس والخطط الأكاديمية في الجامعات واعادة الهيكلة والبناء وفقا لاحتياجات السوق والمجتمع.
ان الموارد المالية المتاحة المخصصة لوزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي هي التي تحدد في النهاية وضع المدرسة والجامعة والبنى التحتية للتعليم , فسلطة الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003 لم تول التعليم في موازنة العراق الأولوية وكذلك فعلت الحكومات المتعاقبة والى اليوم , لذلك تراجع وتدهور التعليم في العراق كثيرا بعد ان كان النظام التعليمي في العراق في السبعينات والثمانينات كما وصفته اليونسكو في تقريرها الصادر عام 2003 احد افضل الأنظمة التعليمية في منطقة الشرق الأوسط , ووصف المدير العام للتعليم في اليونسكو ( جون دانيال ) وضع التعليم في العراق عام 2003 بأنه ( وصل حد المهزلة ) , الا ان الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم لم تستطع معالجة اوضاع التعليم الذي تدهور كثيرا مقارنة ببلدان المنطقة . وفيما يتعلق بالتخصيصات المخصصة لقطاع التعليم نجد ان الموارد المالية المخصصة الى امانة بغداد مثلا اكثر مما مخصص لقطاع التربية والتعليم فبقيت البنية التحتية لهذا القطاع متدنية وانتشرت المدارس الطينية في الأرياف والافتقار الى التعليم الحديث وساءت نتائج الامتحانات علما ان معظم الموارد المخصصة لقطاع التربية والتعليم تقتصر على النفقات التشغيلية كرواتب الموظفين العاملين في هذا القطاع في ظل وجود اعداد كبيرة من المعلمين والمدرسين المحاضرين بالمجان , وفي عام 2019 بلغت تخصيصات قطاع التربية والتعليم ( 1,6في المائة) من اجمالي النفقات الحكومية في الموازنة في ظل سياسات التوظيف الارتجالية والمسيسة في هذا القطاع اذ تضاعف عدد الموظفين في وزارة التربية من ( 330 ألفا) في عام 2003 الى ( 688 ألفا ) في عام 2019 اضافة الى تفشي الفساد المؤسسي وسوء الادارة .
ان المعلم الجيد لهو في غاية الأهمية , فحتى تحدث عملية التعلم يجب ان يكون المعلم مؤهلا ويركز على التأكد من تعلم جميع الطلاب مع تحسين رواتبهم وتحفيزهم وتدريبهم , فالبلدان التي تحقق النجاح والتقدم والتنمية هي تلك التي تهتم بالتربية والتعليم وربطه مع حاجات البلاد . ولذلك فإن التعليم في العراق بوضعه الحالي لا يمكن ان يساهم في عملية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية وسيبقى الوضع الاقتصادي في البلاد متخلفا.
وبهذا الصدد يؤكد الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه على ضرورة ( اصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها واعتبار قطاع التربية والتعليم من الأولويات المهمة وتخصيص الموارد المالية والمادية والبشرية اللازمة مع توفير الأبنية المدرسية وفق المواصفات العالمية اضافة الى الاعتماد على فلسفة تربوية – تعليمية تقوم على قيم المواطنة وعلى تعزيز الفكر التنويري وتنمية قدرة الطالب على التفكير النقدي واعادة النظر في نظام ومناهج التعليم وطرائق التدريس بما يتفق وتأمين مستلزمات التقدم التقني والمادي وارساء قاعدة تعليمية متطورة وتشجيع البحث العلمي والابتكار وربط العملية التعليمية بعملية التنمية الشاملة في البلاد واهدافها الكبرى الى جانب وضع الخطط العلمية لاستكمال عملية مكافحة الأمية وضمان مجانية التعليم في المراحل الدراسية كافة وتفعيل الزاميته في الدراسة الابتدائية ومعالجة ظاهرة التوسع المتنامي للتعليم الأهلي وآثاره على النظام التعليمي كله) .