المشكلة في العراق لها اسباب عدّة ، فهي ليست أمنيّة فحسب، فالإرهاب والجماعات المتطرفة باتت تنتشر في جميع بلدان العالم، ولم تعد هناك دولة في مأمن من تحركاتها وأهدافها. والمشكلة أيضا لا تنحصر في الاقتصاد؛ لأن كثير من الدول تواجه تحديات اقتصادية قد تكون أخطر بكثير من التحديات التي يواجهها الاقتصاد العراقي. إذ إن الاعتماد على الموارد النفطية يشكل عامل ديمومة لإدامة عجلة الاقتصاد، كونه يشكل ضمان لتوفير الأموال لإدارة مرافق الحياة العامة. فشل الدولة في تحقيق الاندماج السياسي والاجتماعي، وإعادة ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. فتوالي ضياع الفرص من قبل النخب الحاكمة لا يزال يعتمّ الظروف ويحجب أيّ بصيص أمل نحو مستقبل الإصلاح السياسي. لا تزال الطبقة السياسية عاجزة أو غير قادرة على استيعاب مسألة انتهاء زمن الشعارات والوعود التي لا تتلائم مع نظام سياسي يعتمد الانتخابات مدخلا لمنحه الشرعيّة. فما يوحّد الجمهور في العراق هو المعاناة وتزايد الشعور بفقدان الثقة بالأحزاب والطبقة السياسية الحاكمة.  مستويات الإصلاح المهمة التي يحتاج إليها العراق اليوم كثيرة وكبيرة وفي مقدمتها إصلاح السلطة التشريعية، مجلس النواب الذي يعد في النظام البرلماني أعلى السلطات ,وبالتالي فإن أي كلام حول  إصلاح مجلس النواب سيعود بالضرورة على مجالس المحافظات والمجالس المحلية. مهمة مجلس النواب بعيدا عن قوة وضعف أعضائه تكمن في قدرته على مواكبة التشريعات التي تحصن المنظومات الإدارية كافة من أن يعتريها الخلل والزلل، مع اعتبار دوره الرقابي الفاعل على عمل الحكومة، قطعت التشريعات الهادفة إلى تنظيم العمل في البيئة الإدارية والاقتصادية في العراق شوطاً كبيراً في مجال تشريع القوانين والتعليمات والتي تكفل الحفاظ على ممتلكات الدولة وتنظيم الحقوق والالتزامات، ومع ذلك تبقى في جوهرها غير كافية لإحداث التغيير المنشود من الواقع السلبي إلى أفاق أرحب على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة. وتملك السلطة التنفيذية الممثلة بالحكومة بوزاراتها كما هو الحال مع الحكومات المحلية كافة إلزام أجهزة الدولة بمعايير الإفصاح والشفافية وعرض مخرجات عملها على الجمهور باعتباره الهدف الأول الذي تسعى لخدمتها تلك الأجهزة، اعتماد مبدأ الإدارة بالأهداف , والذي يمثل باختصار تقييم الإدارات بناءً على تحقيق أهدافها خلال المراحل السابقة. وكذلك تملك السلطات التنفيذية الاتحادية والمحلية إلزام كافة أجهزة الدولة بتحديد متطلبات الحوكمة والسعي لتطبيقه والعمل بموجبه. أما السلطة القضائية فإن العلة الكبرى انها تابعة  للسلطة التنفيذية، فلا وجود في العراق فصل حقيقي بين السلطات الثلاث بل هناك تبعية وتنفيذ أجندات، والخطير في الموضوع أن يطال الفساد المنظومة القضائية باعتبار أهمية دورها العقابي الذي يحمي المجتمع من الفساد والفاسدين، فإذا كان في السلك القضائي قضاة فاسدون يرتشون ويتبعون لأجندة طائفية وعرقية بغيضة فإن القضاء سيكون وبالا على الدولة والمجتمع، ولا سبيل للنهوض بالدولة في مفاصلها الأخرى دون أن ينظف القضاء من الفاسدين.    فمجالات الإصلاح المستحقة في الواقع العراقي المتخلف يمثل نافذة لاطلاع القادة والساسة إلى ضرورة الإسهام بإصلاح السلطات الثلاث والحرص على الفصل التام بينها وعدم تبعية بعضها لبعض، على المستوى العام والكلي دون الخوض في البعد الكمي والكيفي للإصلاح لكونها تحتاج لمختصين في كل مؤسسة، وأهم ميزات رواد الإصلاح هو الحرص والكفاءة، فمن غير المنطق بمكان الاستفادة من الفاسدين في إصلاح الفساد، وليس في الإمكان الاستفادة من جهود لا تملك تراكم خبرة أصيل مبنى على معرفة وعلم حقيقي يتناسب وحاجة البلد واحتياجاتها العلمية والمعرفية المناسبة للمرحلة.                                            

فسلطة الائتلاف الموحدة دشنت مسارا طائفيا وإثنيا في اقتسام السلطة، حيث قامت السلطة المذكورة  في 12 يوليو/ تموز 2003 بتأسيس مجلس للحكم مكون من 25 عضوا على أساس طائفي وإثني، على أن يحكم كل منهم شهرا كاملا حسب الترتيب الأبجدي. واستمر التوزيع الطائفي والإثني مع كل الحكومات العراقية التالية إضافة إلى رئاسة الجمهورية والمناصب البرلمانية.  وهذه القسمة كونها تكررت خاصة بعد انتظام المؤسسات الدستورية العراقية بعد الانتخابات (15 ديسمبر/ كانون الأول) فإنها تؤشر إلى أن هناك اتجاها لتأبيد القسمة الطائفية، ما يعرقل إرساء نظام سليم لتداول السلطة. كما أن اعتماد النظام البرلماني الحالي أنشأ أعرافا أصبحت جزءا من نص الدستور أو تتجاوزه، حيث إن البرلمان هو الذي يختار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس المجلس ونوابهم، ما يسمح للمجلس بإتمام صفقات لتوزيع المناصب طائفيا وإثنيا كما هو الواقع، وهذا يضع العراق أمام نموذج شبيه بلبنان. 

أما من الناحية الدستورية بالإجمال فإن المادة 39 من الدستور نصت على "حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، أو الانضمام إليها".  أخفقت الإدارات التي حكمت الدولة العراقية بعد عام 2003 بدءاً من الإدارة المدنية لسلطة الائتلاف المؤقتة وانتهاءاً بالحكومة الحالية في إدارة شؤون البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، والسبب في أغلبه تصارع المصالح الطائفية والحزبية والشخصية، يغذيه انعدام النضج المؤسسي وتضاؤل الثقة. وأنتج ذلك حالة من سوء إدارة الشأن السياسي الذي أفرز لنا عدم الاستقرار في الجانبين السياسي والأمني. وكان الجانب الأمني من أكثر الميادين تأثراً بسياسات إدارة الحكم غير الجيدة، مما قاد إلى تردي الوضع عبر صور عدة، منها كثرة سقوط الضحايا من المدنيين، وازدياد حالات النزوح الداخلي والهجرة الخارجية، والصورة الأهم كانت – ومازالت – زيادة التخندق المذهبي الطائفي.                                                               ومن الناحية النظرية فإن هذه المادة من المفترض أن تؤسس لمنظمات غير حكومية مرتبطة بالمجتمع العراقي، بوصفه مجتمعا تحده المواطنة لا الطائفة.   ومن الناحية الواقعية هناك انتشار واسع للمؤسسات غير الحكومية ذات الطابع الطائفي، التي تعيد تأسيس المجتمع على أساس الطائفة لا المواطنة، وعزز من هذه الظاهرة إعادة بناء الدولة العراقية برمتها على أساس طائفي وفي غياب التوافق بين مكونات المجتمع نفسه.   أن المشكلة الأساسية في العراق تكمن في انحراف العملية السياسية في العراق من حيث بنية النظام السياسي والخلل القائم في بنية النظام (المحاصصة الطائفية والقومية) الذي يمثل الركيزة الأساسية في النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 والذي أدى إلى تدهور الأوضاع وساعد على تعميق الأزمات بدلاً من حلها .فقد بات من الضروري العمل على إجراء عملية إصلاح شامل في بنية النظام السياسي العراقي، والذي أُسس في ظروفٍ استثنائيةٍ، يشوبها الكثير من الأخطاء وعلامات الاستفهام , كذلك القول أن المتابع لأي مجتمع من المجتمعات البشرية يجد أن عملية بناء المجتمع واتجاهه نحو بناء نفسه وتكاملها لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الإصلاح أي من خلال مجموعة من الحركات الإصلاحية الهادفة إلى تقويم مسار هذه المجتمعات.  فالإصلاح يتفرع ويأخذ اتجاهات متعددة منها الإصلاح الاجتماعي و الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي . وان عملية الإصلاح تمر بثلاث مراحل مهمة وهي ( مرحلة الحوار من اجل إبداء وطرح البدائل الصحيحة , ومرحلة الدخول في عملية تغيير الأنظمة السلبية ومنها النظام الانتخابي على سبيل المثال , ومرحلة إعادة بناء المؤسسات السياسية والديمقراطية والدستورية ) .    يقوم الإصلاح السياسي بإقامة الدولة على أساس صحيح , ان تكون الدولة قائمة على أساس المشاركة الشعبية وشرعية التمثيل , أنها الدولة القانونية التي تتحقق في ظلها المساواة أمام القانون , كما إنها دولة حديثة تقوم على أساس العلم. أن عملية الإصلاح تبدأ من تهيئة البيئة السياسية والاجتماعية والتنظيمية والسير بها نحو الهدف المنشود ألا وهو إعادة النظر في النظام السياسي وإلغاء سياسة (المحاصصة) والتقاسم من اجل إرضاء الكتل السياسية المتناحرة فيما بينها , تحقيق المصلحة الوطنية بعيداً عن المصالح الضيقة , وبذلك تحقق الهدف المنشود ألا وهو الإصلاح.