احزاب الإسلام السياسي جرثومة المجتمعات التي ابتليت بها . إذ لا تجد ظهوراً لها في اي مجتمع من مجتمعات نشاطها إلا وارتبط هذا النشاط بالفضائح الأخلاقية والممارسات اللصوصية والإنتهاكات عبر الفساد المالي والإداري حينما تتمكن من السلطة السياسية في بلد ما . ووطننا العراق يقدم لنا المثل الناصع الذي تزداد فيه هذه المفاسد يومياً وبزيادة طردية مع توغل احزاب الإسلام السياسي في كل مجالات الدولة العراقية السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية ـ الأخلاقية . يشير هذا كله بما لا يقبل الشك بان هذه الأحزاب وكل قادتها ومريديها قد فشلت في العراق فشلاً لا مثيل له في كل مجالات ادارة الدولة التي استلمتها من الإحتلال الأمريكي لوطننا العراق كخليفة للبعثفاشية المقيتة . فلقد تشتت مناهجها وتعثرت مسيرتها التي فقدت فيها وضوح الهدف إلى جانب عدم القدرة على التمييز بين ما هو حكم وسياسة وما هو تنظيم ومبادئ ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالثوابت الدينية التي تدعي هذه الأحزاب الإلتزام بها . وهذا ما يشير له الحال الذي تمر به هذه الأحزاب في الوقت الحاضر والمشوب بالتراشق اليومي فيما يينها وبين منتسبيها الذين بدأوا بفضح مفاسد بعضهم البعض . كل يتهم الآخر بأنه السبب في التأخر الذي حل بالوطن في كافة مرافق الحياة منذ القضاء على الحكم البعثفاشي الأسود من قِبل قوات التحالف العالمي بقيادة امريكا التي جاءت بهذه الأحزاب إلى السلطة وباركت لها توجهاتها الطائفية التي فرضتها على الساحة السياسية العراقية بقوة السلاح ، لا بقناعة المبادئ ، حتى غدت هذه الساحة ليس مسرحاً لنزاعات هذه الأحزاب فقط ، بل وشمر فيها عن ساعده لقتل العراقيين وتهديم الوطن ونهب خيراته، كل مَن هب ودب من الإرهابيين البعثيين والقاعديين والإسلامويين الداعشيين والقومانيين، وكل من اتاحت لهم هذه الأحزاب العبث بالوطن واهله وخيراته منذ ان وضعها الإحتلال الأمريكي على قمة السلطة بعد الإطاحة بدكتاتورية البعث المقيتة. كما جعلت هذه الأحزاب المتاجرة بالدين ،من خلال إعتلائها قمة السلطة ، وسيلة أخرى من وسائل الإرهاب التي عاشها الشعب العراقي على شكل إغتيالات لذوي الكفاءات العلمية والثقافية، إن تجرأ أحدهم على نقد هذا التصرف البدائي او ذاك الفكر المتخلف الذي تعج به العقول الضامرة لقادة و كوادر أو حتى القواعد البسيطة لأحزاب الإسلام السياسي. أو على شكل محاربة النساء في مفردات حياتهن في الملبس والمأكل والمشرب والعمل او في المساهمة في الحياة الإجتماعية ، حتى أصبح قتل النساء المباشر أو رفع شعارات التهديد على الجدران أو الملاحقات في الشوارع ، المهمة الرئيسية التي مارستها هذه العصابات على مسمع ومرأى وقبول من أحزابها . أو على شكل تهجيرات للمواطنين لتحقيق سياسة المناطق المقفلة لهذه الطائفة أو تلك أو حتى لهذه الفرقة الدينية او تلك التي تمتلك قوة السلطة إضافة إلى قوة السلاح.

حين ندرس الوضع المتأزم الذي يمر به وطننا العراق اليوم وما يعانيه من ارهاب المليشيات المسلحة الدينية والعشائرية وعصابات اللصوص والإختطاف ، وبعد مرور اكثر من ست عشرة سنة على سقوط البعثفاشية المقيتة وبعد إستلام أحزاب الإسلام السياسي بالعراق مسؤولية الحكم، وإنهاكها لهذا البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وخُلقياً ودينياً، وبعد ان اصبح متسولو الأمس في السيدة وقُم وفي ارجاء كثيرة من العالم من اصحاب المليارات على حساب خبز الجماهير وقوت الفقراء، وبعد ان وضعوا العراق في آخر مراتب السلم الحضاري، وبعد ان مارسوا ولا زالوا يمارسون دون خجل او حياء، إذ انهم فقدوا الإثنين، سياسة التجهيل والإستغباء باطروحاتهم التي يسمونها دينية وما هي إلا خزعبلات تتحدث عن إيمان الباذنجان وورع البومة وامتناع القمر عن الإعتراف بالولاية، وغير ذلك من التفاهات التي جعلتنا مهزلة امام شعوب العالم، بعد كل هذا والكثير الكثير المُخجل مما يُقال ولا يقال، طفت على السطح وبشكل لا يمكن التغاضي عنه ممارسة الجرائم الأخلاقية التي تنال من العلاقات الإجتماعية في وطن كالعراق. السقوط الأخلاقي لأحزاب الإسلام السياسي في العراق وما يمكن ان يؤدي اليه من تفتت اجتماعي وانهيار تربوي يجعلنا ان نفكر بجد لإيجاد البديل لهذه العصابات التي ستُنهي كل مقومات هذا الوطن وشعبه ، البديل  للخروج من هذا المأزق ، الذي يلتهم الوطن جزءً بعد جزء يومياً . ولا اجد بديلاً سوى تنحي عصابات الإسلام السياسي عن السلطة السياسية التي فشلت فيها وركون مشايخها في تكاياهم الخاصة ، إذ انهم لم يعد يصلحوا لما يدعونه من إرشاد او توجيه  ديني ، وقد مارسوا الرذيلة بكل انواعها خلال الست عشرة سنة الماضية.  ومن خلال هذا التنحي قد نصل إلى الوضع الذي يستطيع فيه المؤهلون لقيادة الوطن العمل على نبذ الطائفية والقومانية والعشائرية وإيقاف السقوط الأخلاقي ، هذه الجرثومة التي تربت وتكاثرت في مختبرات الإسلام السياسي وفنادق وصالات ونوادي مريديه من اصحاب الجباه المكوية والخواتم الفضية . لابد لنا من ايقاف التدهور السياسي الجاري والقائم على سياسة المحاصصات التي تركت الباب مفتوحاً على مصراعيه للفساد الإداري الذي أوصل العراق خلال هذه السنوات العجاف إلى حضيض المستوى العالمي في هذا المجال . ومن خلال هذا التنحي قد يتفق المخلصون لهذا الوطن على برنامج سياسي وطني ، وليس محاصصاتي طائفي قوماني عشائري، ينقذ الشعب والوطن من مغبة فسح المجال امام عمل عصابات البعثفاشية الداعشية التي تتخذ من بعض المحافظات العراقية مقرات علنية لها تحميها بعض الأجهزة الأمنية الحكومية والتي مدَّت بعنقها في الأيام الأخيرة خاصة بعد الفضائح الأخلاقية التي جرى توظيفها للبيانات التي نشرتها مؤخراً، ناهيك عن داعشي البرلمان العراقي وكل مؤسسات الدولة العراقية. ومن خلال هذا التنحي سيعود الكثير من أصحاب الكفاءات الذين لا يزالون بعيدين عن الوطن لعدم نجاح أحزاب الإسلام السياسي المتسلطة على الحكم ، بل ومساهمتها  ، بعدم ضمان سلامة وجودهم على أرض وطنهم ،وعدم تطبيق سياسة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، هذا المبدأ الذي جردته سياسة المحاصصات الطاتئفية والقومانية العشائرية من أي معنى عملي له . ومن خلال هذا التنحي سيفقد المتدخلون في شؤون العراق قواعد عملهم في هذا الحزب أو ذاك أو في هذه الطائفة أو العشيرة أو تلك ، وبذلك قد ينجو الشعب من جرائم عصابات الإرهاب الداعشي وغير الداعشي والمليشياوي التي تمارس الإرهاب ضده سواءً بإسناد من دولة جوار أو من حزب سياسي أو من حركة دينية أو تجمع قوماني عشائري داخل وخارج الوطن . ومن خلال هذا التنحي يمكن فسح المجال أمام المخلصين من بنات وأبناء وطننا العرق أن يوقفوا هذه السرقات المليارية التي مارسها ويمارسها وسيظل يمارسها فرسان أحزاب الإسلام السياسي طيلة مدة وجودهم على رأس السلطة ، وهذا ما أثبتته السنين الأخيرة التي يتراشق فيها هؤلاء الفرسان باتهام كل واحد منهم للآخر في هذه السرقات وذلك حينما يعتلون منابرهم مبسملين محوقلين ليقذفوا بني دينهم بكل ما يرفضه الدين من سيئات دأبوا جميعاً على ممارستها . او من خلال الإعترافات الصريحة لبعض قادتهم بأنهم فعلاً لصوص وفاشلون، والإعتراف سيد الأدلة الذي لم يوظفه قضاؤنا لحد الآن مع الاسف الشديد. وأخيراً وليس آخراً فقد يقود هذا التنحي إلى أن يرى الناس بعض بصيص الأمل بتوفير الخدمات الضرورية لحياتهم بدءً بالماء والكهرباء والأمن والطبابة والمجاري والطرقات الداخلية والخارجية والمدارس المؤهلة للتعليم فعلاً واحترام الحريات الشخصية الدينية منها والسياسية والإجتماعية والمساواة بين الرجال والنساء من خلال قوانين ضامنة لذلك ،وتوفير العمل للجماهير العاطلة الذي سيحد من ظاهرة هجرة الشباب، وتوزيع الوظائف على المستحقين دون وضعها في سوق المزايدات وحصرها بمن يدفع أكثر لسماسرة أحزاب الإسلام السياسي التي تقف على قمة السلطة السياسية، وتطهير قوى الأمن والشرطة والجيش من الإنتماءات الطائفية والمناطقية والعشائرية التي أخذت مأخذها من هذه المؤسسات حتى شلت عملها في مكافحة الإرهاب والإرهابيين ، لا بل وقامت في بعض المناطق بتوفير الحماية لهم . إن هذا التنحي سوف لن يجلب أي ضرر للبلاد والعباد ، بل ان العكس هو الصحيح تماماً . وهذا هو ما نريده ، الإبتعاد عن الوباء الذي تنشره جراثيم أحزاب الإسلام السياسي على الشعب والوطن وتجنبه أو إنهاءه من خلال التخلص من هذه الجراثيم وإبعادها عن ربوع الوطن.

أحزاب الإسلام السياسي بالعراق فشلت لأنها ، إضافة إلى عدم كفاءتها السياسية ، لا تمتلك بُعد النظر في حركة التاريخ الذي وضع أمامها التجارب التي لم تستطع إستيعابها ودراستها بشكل يمكنها من إستخلاص العبر والدروس من هذه التجارب ، ولو أنها قامت بذلك بجدية تنطلق من ثوابتها فعلاً ، وليس من أهواءها الجانحة إلى السلطة والإثراء ، لما وجدت غير التنحي عن الحكم كوسيلة تضمن لها الحفاظ على ماء الوجه الذي تبدد بشكل لا تستطيع معه بذكر أي حزب من أحزاب الإسلام السياسي بين المواطنين ، إلا وارتسمت علامات الإستفهام على وجوههم حول السرقات والرشاوي والمحسوبية والتهديد والتزوير والإكراه ومحاربة الرزق وفرض الأتاوات والتجارة بالفتاوى وإشغال الوظائف بدون تأهيل والممارسات اللااخلاقية وغير ذلك الكثير مما يجري بالعراق اليوم منذ أن تسلطت عليه أحزاب الإسلام السياسي ولحد يومنا هذا. وقد يعجب المرء فعلاً لقدرة هذه الأحزاب التي تدعي التمسك بالثوابت الدينية إلا ان مريديها يمارسون اقبح الجرائم الأخلاقية التي تجلت مؤخراً بممارسات واحد من رموزهم صاحب ومدير صالات القمار والدعارة .

إلا ان السؤال الذي يظل يشغل اهل وطننا في العراق هو: هل ان احزاب الإسلام السياسي هذه تفكر جدياً بالوطن فترى ما هو عليه من بؤس وتأخر وفقر وتستخلص العبرة من كل الآلام والمآسي التي سببتها لهذا البلد واهله فتتخلى عن عنجهيتها وطمعها ولصوصيتها بتخليها عن السلطة السياسية؟ الجواب الذي يحظر ابسط المواطنين هو لا ، ولا كبيرة جداً، بالنظر لما عرفه هذا المواطن عن هؤلاء اللصوص واستناداً إلى خبرة اكثر من ست عشرة سنة معهم. فما هو الحل إذن ؟

كثيرون من اهل وطننا يشاركون منذ عدة اعوام بالمظاهرات والإحتجاجات الشعبية التي طالت اغلب المحافظات العراقية منددة بكل ما صنعه اوباش الإسلام السياسي بهم وبوطنهم. وقد لاقى هذا التحرك الجماهيري تأييداً واسعاً ليس داخلياً فقط، بل وخارجياً ايضاً وذلك من خلال تناول بعض وسائل الإعلام العالمية لهذا الحراك الجماهيري واستنتاجها لأن يشكل ذلك قاعدة صلبة للتغيير القادم في العراق بعد تجريد الساسة الحاليين من قيادتهم لأمور الناس وإرغامهم على التخلي عما هم عليه الآن وتقديمهم جميعاً إلى القضاء للإقتصاص منهم وإعادة ما سرقوه من اموال وبالتعاون مع الإنتربول الذي سيلاحقهم ويلاحق كل ما هربوه من اموال خارج الوطن. لذلك فإن الإستمرار في هذا الحراك الجماهيري وتطويره وإغناءه بمفاهيم جديدة ومطالب آنية سيشكل القاعدة الأساسية للتغيير وسيتكلل هذا الحراك بالنجاح المؤزر حتماً. اما ماهية هذه المفاهيم التي يجب ان يتبناها الحراك الشعبي فيمكن إختصارها بما يلي:

اولاً: تبني سياسة المواجهة الفكرية مع الإسلام السياسي ومن يسمون انفسهم بفقهائه، وما هم إلا جهلة حتى النخاع، وعدم السكوت عن فضح الإطروحات التي تروج لها هذه الأحزاب التي تسمي نفسها دينية، وما هي إلا دنيوية صرفة، والتي تسعى من وراءها إلى استغباء الناس من خلال جعل الدين والمعتقدات الدينية، التي يجب ان تكون موضع احترام، مادة تجارية يستغلها الإسلام السياسي لخلق البيئة الجاهلة التي لا يمكنه العيش إلى في ظلامها.

ثانياً: فضحهم بالاسماء وعدم الإكتفاء بطرح الشعارات العامة ، كمحاربة الفساد والمفسدين مثلاً. لقد اصبح ذلك من الضروري ، لا بل من الواجب اليوم، وخاصة بعد إعترافات بعضهم على بعضهم . هذا بالإضافة لما يجري من نهب وسلب ولصوصية للمال العام في اقليم كوردستان والذي جاء على لسان قادة الإقليم انفسهم.

ثالثاً: ان يطرح الحراك الجماهير بدائله، وهي كثيرة جداً، لكي تتعرف الجماهير عليها وعلى إمكانياتها في إدارة الدولة، خاصة تلك القوى الوطنية التي لها جذور عميقة في ارض السياسة الوطنية العراقية والتي جربها الشعب العراقي وعرف إخلاصها ونزاهتها من الديمقراطيين العراقيين حملة الفكر التقدمي والتوجه المدني.

رابعاً: ان تضغط الجماهير على مَن " انتخبتهم " من البرلمانيين لكي يمارسوا دورهم الرقابي للمحافظة على المال العالم وصيانته من سرقات احزاب الإسلام السياسي . وقد يعترض ، وبحق ، احد المعترضين على هذا المطلب الذي يطلب من بعض لصوص السلطة التشريعية  بمقاضاة لصوص السلطة التنفيذية.

خامساً: ولتحقيق ذلك كله يجب تشكيل اللجان المؤهلة من القوى الديمقراطية المؤمنة بالحرية والعدالة والمساواة ، لقيادة هذا الحراك وتوجيهه الوجهة البعيدة كل البعد عن تجار الدين وناشري الشعارات الزائفة والرافضين للتحضر والثقافة والسلام بين الشعوب.

الشعوب تنتصر في نهاية المطاف، طال زمن النضال او قصُر، وكل وقائع التاريخ تثبت ذلك.

عرض مقالات: