التطرف الديني يؤدي الى عجز المجتمع في التفكير على حل مشكلاته وتطوير ذاته حتى يصبح مجتمعاً مضطرباً وغير مستقل، لذا يتطلب منّا تطوير الثقافة والتطور الحقيقي للتعليم وتشجيع النقاش والحوار والبعد عن الغلو في فهم النصوص الدينية والربط بين العطاء للمجتمع والعطاء للفرد. أكثـر مـا يواجـه المجتمعـات خطـورة هـو التطـرف الدينـي والتعصـب القومـي حتـى في المجتمعـات غيـر المتنوعـة قوميـا ً. ظاهرة التطرف الديني ظاهرة قديمة العهد وفي كل زمن تأتي بوضع معين حيث تأتي بدافع الاهداف الدينية وتوجد وراء تلك الاهداف الدينية اهداف سياسية من قبل التنظيمات المتطرفة ومن خلال لجوؤها الى العنف لتحقيق تلك الاهداف.

أن التعصب جمود في العقل وخلل فكري يدفع بعض الناس إلى التوهم بأنه أفضل من غيره، ولا يسمح بالتعددية الفكرية، وهو جاهلية مقيتة, المجتمعات المتحضرة على مر العصور تعد اختلاف وجهات النظر مصدر خصوبة فكرية، تثري الفكر الإنساني والتجربة الحضارية، وتعين على رؤية الأمور من زوايا مختلفة، فتضيف عِلماً إلى علم، وعقلاً إلى عقل، وتجربة إلى تجربة وكل هذا يصب في النهاية في صالح المجتمع الذي يحترم أدب الحوار، وإذا انطلقنا من هذا المبدأ فعلينا الالتزام بالرفق واللين والاستماع لكل الآراء،.. كما أنه يجب على كل صاحب حق أو وجهة نظر أن يطلب حقه بالأصول المتعارف عليها شرعاً وقانوناً حتى لا تشيع ثقافة قانون الغاب.

 الاثار الاجتماعية للتطرف الديني كثيرة ولا يمكن حصرها فهي تؤدي الى دمار المجتمع بأكمله والتي تتمثل بنشوء الافكار الضالة وظهور التناقض في حياة الناس وما يجدونه من مفارقات عجيبة بين ما يسمعون وما يشاهدون، من خلال ظهور التناقضات الكبيرة في ما يقرأه المرء وما يراه وما يتعلمه وما يعيشه وما يقال وما يعمل وما يدرس من خلال إحداث اختلالاً كبيراً في التصورات وارتباكاً في الأفكار، والتي تؤدي الى تفكك المجتمع وعدم ترابطه، وعجزه عن التفكير في حلول مشكلاته وعن تطوير ذاته ويصبح مجتمعاً تابعاً ويفقد استقلاليته وتحديد مصيره ومستقبله. 

في عام 1963، بدأت الأمم المتحدة مفاوضات الأدوات القانونية بالتركيز على إنهاء التعصب الديني. وقد حدث هذا بالتوازي مع المجمع الثاني الفاتيكاني – وهو حدث نوعي  للعالم في حد ذاته. وضع أولوية للعرق والدين شكل تحدياً للدول العظمى المشاركة في الحرب الباردة ولكنه مثل معادلة سياسية سمحت بوجود دافع للمشاركة بشكل أكبر في صناعة قانون حقوق الإنسان العالمي. كان التمييز العرقي هو نقطة الضعف السياسية بالنسبة للولايات المتحدة. وأصبحت اتفاقية محاربة التعصب الديني الأولوية لحكومة المملكة المتحدة في الفترة من 1964، ولعبت دوراً مهماً في التغيير الصارم للسياسة في عام 1966 والذي أدى لاعتراف المملكة المتحدة أخيراً بأن "حقوق الإنسان قضية شرعية ولها أهمية عالمية".                        

يــبرز التطــرف والتعصــب الدينــي والقومــي في الدولة متعددة القوميات والاديان والمذاهب  كعنـاصـر تهــدد وحــدة المجتمــع إذا مــا اســتغلت لهــذا الغــرض. وهـذا يسـتلزم اتخـاذ التدابيـر اللازمـة لمواجهـة ألافـكار المتطرفـة والمنحرفـة التـي تمـلأ عقـول أتبـاع الارهـاب، وتعريـة الدوافـع ألايديولوجيـة التـي يعتقـد المتطرفـون بأنهـا تـبرر اللجـوء لاعمـال العنـف وكشـف زيفهـا وبطلانهـا. وعـلى الجامعـات والمراكـز الفكريـة والثقافيـة ومنظمــات المجتمــع المدنــي أن تأخــذ دورهــا في مجــال التوعيــة بمخاطــر التعصــب الدينــي والقومــي وترســيخ روح المواطنــة عنـد أفـراد المجتمع. وبشــكل عــام يمكــن القــول ان عوامــل مثــل البطالــة وانتشــار الفقــر ، والعيــش عـلـى هامــش الحيــاة في ظــل وجــود فـوارق طبقيـة كبـيرة ، مـن شـأنها صناعـة بـؤر للتوتـر ، وزراعـة ألاحقـاد بـين فئـات المجتمـع.

ان معطيـات الواقـع تفـرض علينـا ضرورة الانتبـاه إلى خطـر البطالـة و الفقـر ، لانهـا بمثابـة قنابـل اجتماعيـة موقوتـة تنتظــر محفــزات لانفجارهــا ، وقــد يتــم اســتغلال مثــل هــذه الظواهــر لصناعــة الارهــاب بمختلــف صــوره وأشــكاله ، ولــما كانـت سياسـات المسـكنات الاقتصاديـة التـي تتبعهـا بعـض الـدول ترجـئ هـذه الانفجـارات ، فإنهـا لـن تمنعهـا مـا لـم يتـم التعامـل مـع هـذه التحديـات بطريقـة جذريـة ، ومـن الواضـح ان الامـر بحاجـة الى اسـراتيجية فعالـة لمحاربـة البطالـة و الفقــر تســتند بالاســاس الى منظــور مجتمعــي شــامل ومتكامــل ,جهــد متعــدد الاهتمامــات ، مــع ضرورة اعتمــاد التخطيــط الوقائـي لمكافحـة مثـل هـذه الظواهـر بمـا في ذلـك تخميـن المتطلبـات الحـاضرة والمسـتقبلية في هـذا المجـال . عــلى لجنــة مكافحــة الارهــاب في الامــم المتحــدة تفعيــل عملهــا مــن تقديــم الدعــم التقنــي والفنــي والتدريــب ، وبنــاء قــدرات المؤسسـات المعنيـة بمكافحـة الارهـاب في المنطقـة العربيـة وبخاصـة في العـراق الـذي يواجـه منـذ سـنوات عـدة تحديـات أمنيـة واسـعة النطـاق ، كمـا ان عليهـا تحمـل مسـؤوليتها تجـاه الانسـان في المنطقـة العربيـة والعـراق، وتجـاوز دورهـا المجاملاتي اتجـاه السياسـات الدوليـة الداعمـة للارهـاب ومصـادر تمويلـه وتدريبـه وايـواء خلاياه ، وتطويـر مواقفهـا مـن الاقتصـار عـلى الشــجب والاســتنكار والرفــض في البيانــات الرنانــة الى آليــات عمــل فعالــة وسريعــة وعميقــة تتضــح مخرجاتهــا واثارهــا عــلى الانسـان اكثـر ممـا يتداولـه العـالم الخيـر ، ذلـك ان الارهـاب فعـل اجرامـي بـكل المقاييـس والاطـر واصبح يتحـول بوضـوح الى حـرب ابـادة جماعيـة وزعزعـة ايمـان الانسـان بآليـة السـلم ، وبـدون التعـاون والتشـارك الحقيقـي المخلـص مـن قبـل الامـم المتحــدة ســيتحول المجتمــع الانســاني الى فوضى تعتنــق مبــدأ مواجهــة الارهــاب بالارهــاب وليس بالقانون . و المجرم الذي يحركه باعث سياسي أو عقائدي يسعى الى تحقيق هدف سياسي أو عقائدي بوسائل غير قانونية بسبب عدم توفر وسائل قانونية فعالة لتحقيق هدفه بوسائل سلمية أو انه يرفض كلياً أو جزئياً النظام القانوني أو الأيديولوجي الذي يعمل في ظله، الأمر الذي يعني من ناحية علم الإجرام أن يدّعى مجرمو هذه الفئة أنهم يعملون دفاعاً عن النفس مضطرين أو مجبرين. فالفاعل إما أنه ضحية لنظام ما أو يدافع عن نظام ما، ولذلك يصح القول بأن ما هو إرهاب بالنسبة للبعض هو بطولة بالنسبة للبعض الآخر. ليس بمقدور المرء أن يقبل بأن مثل هؤلاء الفاعلين الذين تحركهم بواعث عقائدية (ايديولوجية) ينبغي أن يوضعوا على قدم المساواة التامة قانونياً أو أخلاقياً مع مجرم عادي ينتهك حرمة القانون من أجل بواعث شخصية أو أنانية، واذا كان على المرء أن يقبــــــل بأن الجريمة التي تدفع إلى ارتكابها بواعث سياسية يجب لسهولة الاستعمال اعتبارها جريمة عادية، فانه يكون من غير المقصود السماح لبعض الدول بأن توسع اختصاصها القضــــــائي. من أجل محاكمة الفاعلين تارة كمجرمين سياسيين عالميين، وتارة أخرى كمجرمين عاديين من أجل ولذات الجريمة. إذن الإرهاب هو أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، سواء كانت المواجهة داخلية، بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها، أو كانت المواجهة خارجية بين الدول.

عندما نتكلم عن التعصب الديني ينبغي علينا أن نبحث في أسبابه التي أدت لظهور هذه العقلية المتحجرة. بالتأكيد ومن غير شك أن النتيجة التي وصل إليها المتشدد لم تكن وليدة لحظة أو يوم أو يومين بل كانت حصيلة سنوات عدة تناوب عليها عوامل اجتماعية واقتصادية مختلفة. تعاني مجتمعاتنا من مشاكل كبيره على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي. فالتفكك الأسري والمشاكل اليومية التي يتربى عليها الأبناء وفقدان الطفولة البريئة وتجاهل الإرشاد التربوي للشباب وتوفير فرص عمل متكافئة كلها أسباب خرقت فجوة كبيره استغلها أصحاب الفكر المتشدد ليملأوا بها عقول الشباب الصاعد.          

 لذا على الدولة ممثلة بالحكومة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب  الترويج للتسامح الذي هو اساس السلم الأهلي من خلال تأمين التنوع وادارته من خلال التشريعات المناسبة وتحقيق مصالحة وطنية تحفظ حقوق جميع المواطنين وتأسيس مشروع وطني وان تكون الدولة على حياد بين فئات المجتمع (تقف على مسافة واحدة من الجميع) من خلال محاسبة ومعاقبة من يروج للتطرف والعنف من خلال القوانين والقضاء وتعزيز التواصل بين الحكومات المحلية والمواطنين. وضبط الخطاب الديني والتوافق فيما بين المؤسسات الدينية على خطاب واضح ومعتدل ينبذ العنف، وينأ عن التطرف، ووضع ضوابط معينة لإعلاء المنبر كون المؤسسات الدينية هي من اهم عوامل الضبط التي تحمي المجتمعات من كل مخاطر ممكن ان تحدث حتى وان كان تأثيرها بدأ يتضائل في الآونة الاخيرة فيجب احياء ضوابطها من جديد.