بعد مرور ٦١ عام على ثورة الجيش والشعب في ١٤ تموز ١٩٥٨ أخذت تطفو على السطح محاولات سقيمة لتشويه صورتها وإعتبارها إنقلاباً عسكرياً دموياً بدأها بقتل العائلة المالكة التي كانت تحكم العراق آنذاك، وتتغاضى عن الإنجازات الكثيرة التي حققتها رغم عمرها القصير الذي لا يتعدى الأربع سنوات ونصف.
في البداية ندين إدانة تامة ما حدث للعائلة المالكة من قتل وتمثيل بالجثث كما حدث مع الوصي عبد الأله ونوري السعيد وهو بلا شك من المآخذ الكبيرة على الثورة ورجالها الذين لم تكن لهم فيها لا ناقة ولا جمل (كما يقولون) ، لأن ما حدث هو إنفلات جماهيري غاضب ضاع فيه (الأخضر واليابس)، وكانت السيطرة عليه في الأيام الأولى ضرباً من الجنون.
من هنا نستطيع الجزم بأن الزعيم عبد الكريم قاسم بريء من التهمة التي أُلحقت به بأنه كان وراء قتل العائلة المالكة.
ولا بد هنا من التذكير بثورات الشعوب التي سبقتنا وعلى سبيل المثال لا الحصر الثورة الفرنسية في ١٤ تموز عام ١٧٨٩ وكيف عاقب الفرنسيون حكامهم وقطع رؤوسهم بالمقصلة كما حدث مع الملك (لويس السادس عشر) آخر ملوكهم وزوجته (ماري إنطوانيت) وكذلك مدير سجن الباستيل وسجانيه الآخرين والمئات من أعداء الثورة … ورغم القسوة المفرطة للثوار إلا أن الشعب الفرنسي الذي يفوقنا تحضر وتقدم وعصرنة لا زال ينحني إجلالاً وتكبيراً لهذه الثورة الرائدة ويحتفل بها لحد الوقت الحاضر.
وإذا عدنا إلى من يقف وراء هذا التشويه الذي يجري لثورة ١٤ تموز نستطيع أن نضعهم في خانتين ، الأولى هم من تضررت مصالحهم من المستعمر البريطاني وشركاته الأجنبية والرجعية المحلية والعربية والإقطاع وبعض رجال الدين الذين أخافهم قانون الأحوال الشخصية وتحرير المرأة ومساواتها بالرجل إلى جانب قوى الردة التي جاءت (بقطار أمريكي) لوأد الثورة (حزب البعث العربي الإشتراكي والقوى القومية وقوى اليمين والرجعية بمباركة القوى الإستعمارية الطامعة بخيرات البلاد) وكذلك مساعي جمهورية مصر العربية في زمن عبد الناصر.
أما الخانة الأخرى فإصطف فيها مع الأسف بعض الأصدقاء الذين يعتقدون بأن النظام الملكي هو النظام المثالي الذي كان يجب أن يبقى ويستمر بدلا من وجع الإنقلابات المتكررة التي أودت بالعراق إلى الهاوية، وأنه كان عهد إستقرار وأمان والحياة البرلمانية ، وفي الحقيقة كان العهد الملكي عهد الإنقلابات والإنقلابات المضادة والأحكام العرفية، وأصحاب هذا لرأي فاتهم أيضاً ما كان يجري في سجون العهد الملكي المنتشرة في طول البلاد وعرضها (سجن نقرة السلمان الصحراوي، سجن بغداد، سجن الكوت، سجن الحلة، سجن بعقوبة) والعديد غيرها . كذلك الأحكام الجائرة بحق الشيوعيين وفي المقدمة منهم قادة الحزب (يوسف سلمان يوسف - فهد - وزكي بسيم - حازم - وحسين محمد الشبيبي - صارم) وأحكام الإعدام التي نفذها النظام الملكي بهم يومي ١٤و١٥ / شباط ١٩٤٩. إضافة لذلك إسقاط الجنسية العراقية عن العديد من الوطنيين منهم (عزيز شريف، توفيق منير، كامل قزانجي، الشاعر كاظم السماوي، الدكتور صفاء الحافظ، عدنان الراوي، عبد القادر إسماعيل البستاني، الشيخ مهدي الخالصي) وغيرهم.
لقد حققت ثورة ١٤ تموز إنجازات كثيرة أهمها القضاء على الإقطاع وإلغاء قانون دعاوى العشائر وإصدار قوانين عادلة كثيرة مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون الإصلاح الزراعي وقانون مجانية التعليم وقانون تأميم النفط وكذلك التطور الملموس في الإعمار والإسكان والصحة وعموم الخدمات من بناء المدن للفقراء والمعدمين (الثورة ، الشاكرية والميزرة، والعامل) وتوزيع الأراضي عليهم وغيرها قياساً بعمر الثورة القصير.
الملكية كانت تعكس في طبيعتها تحالفات الإقطاع والعشائر مع سلطة الكومبرادور الذي يتصف بالفقر والجهل والتخلف وغياب العدالة الإجتماعية في توزيع الثروات والتبعية المقيته للنظام الحاكم آنذاك للمحتل البريطاني وربط العراق بمعاهدات وإلتزامات كبلت يداه في التصرف بقراره السياسي وموارده وإرتباطه بالأحلاف العسكرية وآخرها (حلف بغداد - ٩٥٥ )، وربط العراق بالكتلة الإسترلينية مما أدى إلى تراجع الدينار العراقي وحدوث تضخم وغلاء للأسعار.
كل هذه الإنجازات وغيرها الكثير في المشهد العراقي أثار حفيظة الكثيرين داخل العراق وخارجه فتآمروا على الثورة وأطاحوا بها في إنقلاب شباط الأسود ٩٦٣ ، ولتطوى صفحة مشرقة من تاريخ العراق الحديث لا زالت الذاكرة الجمعية لفقرائه تحتفظ بها وتستذكرها بحسرة وألم وإمتنان.