منذ العام 2005 تصدر هيئة النزاهة تقريراً سنوياً حول استجابة كبار المسؤولين لقانون الافصاح عن ذممهم المالية، عبر استمارة ملزمة لهم قانوناً، وقد تضمنت تلك التقارير نسباً متفاوتة من الاستجابة، ولم يكن بينها تقرير واحد متضمناً استجابة جميع المشمولين على مدى السنوات الماضية .
لكن اضعف نسب الاستجابة تضمنها آخر تقارير الهيئة الخاص بالعام 2018، وهي مفارقة تتقاطع مع توجه الحكومة الحالية المعلن حول تفعيل اليات مكافحة الفساد، من خلال مبادرتها الى تشكيل (مجلس مكافحة الفساد) برئاسة رئيس مجلس الوزراء، الذي عقد جلسته الرابعة عشرة اليوم الأربعاء، الثاني من تموز، مستعرضاً الملفات المعروضة أمامه، ومناقشاً الاجراءات المناسبة بخصوصها، كما هو الحال في الجلسات السابقة، من دون ان يلحظ المواطن نتائج ملموسة على أرض الواقع .
من بين جداول الاحصاءات التي تضمنها التقرير المذكور كان جدول استجابة نواب البرلمان صادماً وغريباً، باعتباره جهة التشريع والرقابة التي يفترض أنها تقدم مثالاً للالتزام بالقوانين ومراقبة اساليب وكفاءة تنفيذها، فقد استجابة (53) نائباً فقط من مجموع (319) نائباً، ومجلس الوزراء ليس أفضل حالاً من البرلمان، فقد استجابة (9) تسعة وزراء فقط، والمسؤولين في المحافظات ساروا على خطى مرجعياتهم السياسية في عدم الالتزام، فقد استجابة ثلاثة محافظين، وسبعة رؤساء مجالس محافظات فقط من مجموع المحافظات العراقية ..!.
التدقيق في تقارير السنوات السابقة يكشف ما يرقى الى الفضائح المسكوت عنها بالاتفاق بين أطراف السلطة من سقوط الدكتاتورية، اذ أن هناك بعض المسؤولين (الكبار وبطاناتهم) لم يقدموا كشفاً لذممهم في كل الاعوام السابقة، من دون أن تعلن اسماؤهم في ولم يتخذ اي اجراء قانوني بحقهم، ويبدوا أن ذلك هو السبب الرئيسي لعدم التزام اعداد كبيرة من المسؤولين بكشف ذممهم دون خشية من التبعات القانونية المترتبة على ذلك، وهو نفس السبب الذي يمنع هيئة النزاهة بتنفيذ واجبها القانوني في هذا الملف طوال السنوات الماضية.
لقد فقد العراقيون ثقتهم بالبيانات والتصريحات حول مكافحة الفساد، وهناك صعوبة كبيرة لاعادة الثقة بينهم وبين المسؤولين مهما كانت نزاهتهم واخلاصهم، وهذا الأمر يحتاج الى قرارات نوعية وتنفيذ قوي وشامل بحق الفاسدين، ومن أولى القرارات الاعلان عن (قائمة سوداء) بأسماء الممتنعين ( وفي مقدمتهم الحيتان الكبار) عن كشف ذممهم، تمهيداً لمحاسبتهم امام القضاء، والاسراع بتشريع قانون ( من أين لك هذا)، ليكون جسراً لاعادة الثقة بين الشعب والاحزاب ومؤسسات الدولة .