كثر الحديث اخيرا عن المادة (57) احوال شخصية، وتحدث البعض عن الحيف الذي يلحق بالاب جراء حكم المادة المذكورة، وقدمت طلبات الى مجلس النواب لاجراء تعديلات فيها، وصل احدها الى اللجنة القانونية في المجلس. وفي مجرى إعادة قراءة الموضوع وتفكيكه وتلمس عناصره وأسبابه، وجدنا ان هناك خلطا والتباسا شابا الموضوع في جوانبه الفقهية والقانونية على حد سواء، وانهما يتعلقان باربع مفردات تتردد في الحملة ، وهي الرضاعة، والحضانة، والولاية، والمشاهدة، التي لكل واحدة منها توصيف قانوني وشرعي، نبيّنه على الوجه الاتي :

 الرضاعة تعرف فقها بانها تناول الطفل لبنا ثاب عن حمل وشربه، بالاستناد الى الآية القائلة: [ والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين .. ] (البقرة 233). اي ان الطفل يبقى لدى امه فترة الرضاعة لمدة سنتين، ولا يجوز فصله عن امه خلال فترة الرضاعة هذه، فذلك مخالف للآية 14 من سورة لقمان [ وفصاله في عامين ] . وفي هذا الاتجاه استقرت أحكام محكمة التمييز المستندة الى احكام القانون . ففي حكم لها قضت أنه (لا يجوز فصل الطفل عن امه في دور الرضاع ودفعه لأبيه وان تزوجت الام بأجنبي ) ( الحكم المرقم 970 \ شرعية \ 1973 )  في 27 \ 12 \ 1973 . وبذلك تكون فترة الرضاعة خارج اسباب المطالبة بالتعديل.

اما الحضانة – المبدأ الآخر الجدير بالاعتبار الذي ثبته القانون، فهي: ( الحضانة تدور وجودا وعدما مع مصلحة المحضون ) اي ان احكام الحضانة تنهض عندما تتحقق مصلحة المحضون، ما دام الجهد منصرفا الى رعايته وتربيته وصيانته في غضون المدة التي يحتاج فيها المحضون للام.  وهي حق للأم بالاتفاق، كما يقول الامام الشيخ محمد جواد مغنية في كتابة "الاحوال الشخصية على المذاهب الخمسة"، كذلك الامام  محمد ابو زهرة في كتابه "الاحوال الشخصية" لانها تندرج تحت عنوان الولاية على التربية، وهذا المبدأ الشرعي اخذ به قانون الاحوال الشخصية عندما نص على ان : ( الام أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة، ما لم يتضررالمحضون من ذلك ) المادة 57 \ اولا من القانون.

 وبهذا تكون احكام الحضانة خارج موضوع المطالبة بالتعديل .

ولاية الأب – تقر الاحكام الشرعية ولاية الأب على ابنائه ( الولاية الجبرية). وولاية الأب تبدأ من حيث تبتدئ الحضانة وهي الحفظ والصون حتى مرحلة البلوغ. ويذهب البعض من المذاهب الى ما بعد البلوغ، والمقصود بها الولاية على النفس من الذكور كما يقول الصاحبين. ومن مستلزمات الولاية رعاية شؤون الطفل ونفقته وتعليمه حتى لو كان في مدارس خاصة اذا كان  قادرا على ذلك، وتطبيبه وعلاجه في اماكن خاصة او ارساله الى خارج العراق اذا كان قادرا على ذلك . ولم يخرج قانون الاحوال الشخصية عن هذه الاحكام ، إذْ الزم الاب بالانفاق على ولده ( الباب السابع – نفقة الفروع ) وألزمته النصوص التشريعية في المادة 57 بلزوم تربيته وتعليمه باعتباره وليا عليه بموجب احكام القانون، ما دام المحضون عند حاضنته. اي ان النصوص القانونية اقرت ولاية الاب والزمته باحكامها وعلى وفق التفاصيل الواردة فيها. اذن القانون يقر ولاية الاب على ابنائه ولا يتجاوزها. ولا حاجة والحالة هذه الى تعديل احكام الولاية مع وجود صريح النصوص المنظمة لها.

يكمن الإشكال في الموضوع الاخير، وهو المشاهدة - وهو بيت القصيد في الحملة المتصدية للمادة (57) من القانون، رغم ان هذه المادة ليس بين نصوصها احكام تتعلق بالمشاهدة. فاحكام المشاهدة  تضمنها قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم (6) الصادر بتاريخ 6 \ 1 \ 1992 الذي نص على ان: ( تكون مشاهدة احد الوالدين ولده في المكان المناسب الذي يتفق عليه الطرفان ، وفي حالة عدم اتفاقهما او عدم النص في قرار المحكمة على تحديد مكان المشاهدة، يكون اي فرع من فروع الاتحاد العام لنساء العراق، او فرع الاتحاد في المكان الذي تقيم فيه الام هو المكان المناسب للمشاهدة، ويسري اثره على الاحكام الصادرة قبل العمل به ) .

وقد اختزلت التطبيقات القضائية احكام هذا القرار واستقرت احكامها بمشاهدتين شهريا، وفي زمن محدود جدا من الساعات، وفي دوائر التنفيذ غير الصالحة للمشاهدة. وقد وجد الكثير من الآباء انه زمن لا يكفي للجلوس مع الابناء، ولا يساهم في المشاركة في تربيتهم نظرا لقصر مدته وللحالة القسرية التي تتضمنها الاحكام القضائية، فضلا على ان هذا الحكم يشمل الام اذا كان الاب هو الحاضن بموحب حكم قضائي.

عليه وانطلاقا من مبدأ المساواة امام القانون، نجد من الضروري المبادرة الى اعادة قراءة القرار اعلاه، وبيان الاثار السلبية التي يتركها في علاقة الاباء باولادهم. فاذا ما ثبت ذلك يكون من الواجب البحث عن بديل للقرار المذكور، يؤمّن مشاركة الابوين في رعاية المحضون، بما لا يفرط في مصلحة المحضون اولا، ويحقق طموحات الوالدين في الاشتراك في الرعاية والتعليم والتربية ثانيا، ضمن شروط وضوابط يتضمنها التعديل  .

عرض مقالات: